إذا كنت من الباحثين عن الهدوء,والطبيعة الخلابة والطمأنينة فإن تروندهايم تحقق لك ما تبحث عنه فتجد البحار والجبال والإقامة الطيبة بسكانها ومنازلها وكنائسها وحدائقها وتلالها وصخورها,تروندهايم هي من أجمل الأمكنة في العالم.ومعني اسم هذه المدينة النرويجية التقليدية والمعاصرة الصغيرةالبيت الطيب أوالمكان الخير.وهو بالفعل اسم علي مسمي.
لا يمكن فصل المكان عن الطبيعة,وخصوصا الطبيعة الشمالية الخلابة والمتنوعة بين الأنهار والبحار والجبال الشاهقة,فهي شئ لا يعوض وجوهرة من جواهر المعمورة الكثيرة والمذهلة.والناس انعكاس لهذه الطبيعة وأكثر تآلفا وتتاغما معها,ولذا يأتي فخرهم ببلادهم,وفخرهم بعظمة الطبيعة والقدرة علي المحافظة عليها والتعايش معها والتمتع بها.
يبلغ عدد سكان المدينة الصغيرة 170 ألف نسمة وهي باختصار محط فخر وعلامة علي التحضر والحياة,ومجال للحلم والعيش الرغد ومقارنة بالمدن الأوربية الأخري,فإن لهذه المدينة تاريخا طويلا أيضا في إطار التاريخ الأوربي والتاريخ النرويجي أو الأوربي الشمالي الخاص ولذا تضم جملة من المعالم التاريخية المهمة مثل كاتدرائية نيداروس(Nidaros) المذهلة والقديمة والتي تعود تاريخها إلي عام1070 وتحتل الكاتدرائية إلي جانب مقر البطريركية وسط المدينة التجاري ويمكن رؤيتها من جميع الجهات حول المدينة والاستدلال بها خلال التجوال.وتعتبر هذه الكاتدرائيات الجميلة-وهي تستحق الزيارة بحد ذاتها للمهتمين بالعمران والتاريخ- من أهم الكاتدرائية القوطية الإسكندنافية,ولذا كانت مقرا للسياح من جميع أنحاء النرويج وأوربا الشمالية في العصور الوسطي.ولا يزال يتمتع المبني الضخم والمثير بألوانه الرصاصية والخضراء القرميدية القديمة إضافة إلي واجهة مخيفة من شتي التماثيل ويمكن قضاء يوم بالكامل حول المبني المجهز بمتحف حديث حديقة جميلة وهادئة من دون ملل.
كانت المدينة قبل وصول البروتستينية اللوثرية في القرن السادس عشر مركزا مهما للكنيسة الكاثوليكية في شمال أوربا واسكندنافيا,لكن البطريرك انتهي هاربا إلي الدول المجاورة كالسويد والدنمارك.وقد تعرضت المدينة خلال تاريخها الطويل أيضا وكالكثير من مدن العالم الحديث إلي الحريق عدة مرات بسبب منازلها الخشبية الكبيرة.فكل شئ في المدينة مصنوع بالأصل من الخشب المحلي.وقد تكررت الحرائق منذ القرن السادس عشر 10مرات تقريبا,لكن أسواها كان حريق عام1651 حيث أتت النيران علي90 في المائة من مباني المدينة ودمرتها وبعد حريق 1681 تمت إعادة بناء المدينة من جديد بالحالة التي هي عليها هذه الأيام,وهي عبارة عن موانئ جميلة ومناطق جبلية سكنية وبعض الأحياء هنا وهناك.وبقيت المدينة تحت السيطرة السويدية قبل اتفاق كوبنهاجن عام1660.
وجغرافيا,تعتبر المدينة في وسط البلاد(تبعد نحو 550 كيلومترا عن العاصمة أوسلو) علي الساحل الغربي وهي تقع تماما عند التقاء نهر نيديلفا ببحر النرويج.وكان النهر من العمق لدرجة أن استخدم لإبحار السفن الكبيرة في القرون الوسطي,لكن الانهيارات الطينية حدت من استخدامه بهذا الشكل في القرن السابع عشر.لذا يختلط الأمر علي الزائر لكثرة المجاري المائية والجسور,وما هو نهري وما هو بحري وخصوصا أن المياه دائما نقية ونظيفة جدا تتجدد باستمرار,وتتلألا ألوانها الفضية والزرقاء مع انعكاسات ألوان المباني والبيوت الكثيرة,ولذلك أيضا تعتبر المدينة عبارة عن تجمع من الجزر وموانئ السفن واليخوت والمجاري المائية وغيرها من عوالم الماء الوافر وتتركز معظم المحلات التجارية علي جانب شارعي نوردري وأولاف للمشاة,كما أن هناك الكثير من المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم وأماكن الترفيه وخصوصا للمشاة وراكبي الدراجات الهوائية في منطقة إصلاح وإنشاء السفن القديمة.فقد تم تحويل وإعادة تأهيل هذه المنطقة في التسعينيات وتحويلها إلي منطقة رائعة من التجمعات السكنية الحديثة والمراكز التجارية وخصوصا مركز سولسايدن(الجانب المشمس) الذي يستقطب الشباب والصغار والباحثين عن آخر صيحات الأزياء والبضائع.
وتم وصل هذه المنطقة الرائعة المحاطة بالموانئ والمباني البحرية القديمة,بجسر حديث أشبه بجسر الألفية في لندن علي صغره,وأطلق عليه اسم جسر الزهور.ويمكن التنقل في جميع أنحاء المدينة من الكاتدرائية إلي المنطقة البحرية الواطئة والقديمة إلي الوسط التجاري والمناطق المحيطة بسهولة وسيرا علي الأقدام ويلجأ الكثيرون إلي الدراجات الهوائية التي تنتشر في كل مكان وتستخدم بكثرة.
ومن المناطق الجميلة التي تستحق الزيارة منطقة باكلاندت,هي عبارة عن أحد أحياء المدينة القديمة التي تم الحفاظ عليها وتطويرها,وتحولت مع الوقت لجمالها وعزلتها عن المياه إلي منطقة ترفيهية للمحالات والمقاهي والحانات المحلية الصغيرة,وتضم هذه المنطقة الكثير من معالم المدينة المعمارية النرويجية ونماذج العمارة المحلية التي تعتمد علي التجمعات السكنية المغلقة,رغم تطعيمها ببعض الحداثة.وللراغبين في مواصلات مختلفة يمكنهم استخدام الترام القديم الذي يعتبر من معالم المدينة الشمالية,وتجدر الإشارة هنا إلي أن المواصلات بشكل عام من أفضل أنواع المواصلات في العالم فهي مضبوطة وعلي توقيتها,والمدينة موصولة بمطار دولي بالحافلات والقطار والسيارات وغيره من المواصلات التي يمكن الاعتماد عليها ومن دون منغصات.
وتعتبر المدينة مركزا لأهم مؤسسات الأبحاث في اسكندنافيا ولبعض وسائل الإعلام والصحف المهمة في النرويج مثل ادريسيفايسان الأقدم في تاريخ البلاد.كما تضم المدينة أحد أقدم المسارح في أوربا الشمالية أيضا وهو مسرح ترونديلاج الذي أعيد افتتاحه في عام1816 ولايزال ينشط حتي الآن.
كما أن هناك الكثير من المتاحف الفنية الصغيرة الأخري مثل متحف تروندهايم للفنون الذي يضم أكبر مجموعة فنية في البلاد منذ أكثر من 150 سنة.كما هناك المتحف الوطني للفنون التزيينية أو فن الديكور,ومتاحف العلوم والتاريخ الطبيعي والآثار والمتاحف البحرية وغيره.وهناك أيضا قلعة صهيون المطلة علي المدينة والتي تعتبر متحفا مفتوحا في الهواء الطلق وتضم القلعة مجموعة لا تقل عن ستين مبني يتم ترميمها منذ فترة,وتتمتع هذه المباني بطرازات معمارية بحرية قديمة قل نظيرها في مكان آخر.
والأهم من هذا,أن المدينة مركز تعليمي وثقافي منذ قديم الزمان في النرويج,وتعتبر المدينة قلب العالم الجامعي والتكنولوجي في البلاد,وهي تضم ما لايقل عن 25ألف طالب محلي وأجنبي.أي خمس عدد السكان.وقد تم تأسيس المدارس المهمة فيها منذ عام1152.وهي الآن تضم الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا.
بأي حال ولأن المدينة صحية من حيث الموقع الجغرافي والهواء المنعش والمياه النظيفة والبيئة البحرية والجبلية المتشابكة فإن المدينة أيضا توفر للزائر فرصة للتمتع بأجمل الرياضات الشتوية المتعلقة بالتزلج وغيره والسير علي الأقدام وكرة القدم والرحلات البحرية وصيد السمك,إذ أن المدينة تضم أهم أنهار أوربا لسمك السلمون ويمكن لأي فرد في أي وقت الصيد في الكثير من المواقع والتمتع بالمناظر الخلابة خصوصا أيام فصل الصيف التي عادة ما تكون دافئة وطيبة كبقية المدن الأوربية.
تعليق الصورة1
تروندهايم النرويجية لوحة فنية بأيدي الطبيعة
تعليق الصورة2
الجمال والنظافة سمة المدينة