* العذراء ليست مصدرا للاهوت… ولكنها أم الله لأنه أخذ جسد منها
* حينما نرفع البخور للقديسين… فهي صلوات نضعها بين أيديهم ليرفعوها لله
* لولا شفاعة العذراء في قانا الجليل ما كانت أول معجزة للسيد المسيح
* العذراء قادمة قادمة مع نهاية العالم والتجليات عربون لهذا الظهور
* السجود للبابا هو سجود الإكرام والوقار والسلام
بينما كان تجلي العذراء وما تبعه من ظواهر نورانية تغطي سماء مصر, والحمام النوراني يسبح حول قباب كنيسة السيدة العذراء والملاك ميخائيل بالوراق… وبينما المعجزات تجري واحدة تلو الأخري لطالبي الشفاء من والدة الإله… وبينما كانت تسابيح وتهاليل الآلاف ترتفع مساء كل يوم وحتي خيوط الفجر أمام كنيسة الوراق التي تشهد الظواهر الروحانية… بينما كل هذا يحدث ويدور علي مشهد من الآلاف مسيحيين ومسلمين, صدم أقباط مصر عندما استضافت إحدي القنوات الفضائية المصرية ما أطلقت عليه كاتبا وناشطا قبطيا ليخرج علينا بأن ما يظهر من تجليات وظواهر نورانية شاهدها الآلاف هو الشيطان… وكان الأكثر مدعاة للاستفزاز والغضب ما ادعاه بأنه يستند في ذلك إلي الإنجيل نفسه… وإذا كان هذا هو ما صدم الأقباط وأغضبهم إلا أن الغريب أنه أعلن أن ظهور العذراء حقيقي, ولكنه فقط يري أن مصدره الشيطان وليس الله… وهكذا ببساطة نقل حقيقة التجلي من القداسة إلي الشيطنة… وببساطة أكثر أخذ يوجه سهامه -افتراءاته- إلي العديد من الثوابت الإيمانية والطقسية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية, فاتهم الأقباط أنهم يعبدون السيدة العذراء, وأنهم يضعونها في مكانة الله سبحانه وتعالي… ويبدو أيضا أنه وجدها فرصة سانحة -أوكازيون- للهجوم علي الأقباط والكنيسة الأرثوذكسية, فلم يترك شيئا إلا وافتري عليه… حتي توقيرهم وتبجيلهم لرأس الكنيسة البابا المعظم خليفة مارمرقس الرسول اعتبره سجودا… ووسط الغضب العارم لدي كل أقباط مصر بعد مشاهدتهم لهذه الحلقة جلسنا مع نيافة الأنبا ثيئودوسيوس أسقف الجيزة نستجلي الحقيقة, وهو الأسقف الذي كان شاهد عيان للظواهر الروحية.
* مع أن كل الأديان وبكل طوائفها تمجد السيدة العذراء حتي البروستانت الذين يشككون في الظهورات من منطلق عقيدتهم في الشفاعة -لا شفيع إلا السيد المسيح- فإنهم يؤمنون بالسيدة العذراء ومكانتها المرتفعة كأم السيد المسيح, واعتبرها البروتستانت الأوائل -الإصلاحيون- أعظم قديسة, بل أعظم من جميع الرسل وتلاميذ السيد لأنها حملت السيد المسيح, كلمة الله في رحمها… ومع هذا أثار ضيف البرنامج مشاعر كل المسيحيين والمسلمين أيضا, بل والإنجيليين أنفسهم عندما قال: الكنيسة القبطية تؤله السيدة العذراء وتضعها بين الآلهة!!… ماذا تقول الكنيسة القبطية في هذا؟!
* * القديس كيرلس الكبير -عمود الدين- حزم قضية السيدة العذراء والدة الإله عندما قال أن اللوغوث -الكلمة- اتحد بالناسوت وولد من مريم العذراء… وهو أيضا ما أوضحه معلمنا لوقا البشير في الإصحاح الأول من إنجيله, إذ جاء بالآية 35 الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك, فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله.
أعطته جسدا لا لاهوتا
* * من هنا -والكلام ما زال للأنبا ثيئودوسيوس- يتأكد لنا أن ثلاثة عوامل إلهية اجتمعت في الحبل المقدس -حلول الروح القدس, قوة العلي ظللتها, المولود قدوس وهو الله المتجسد- وعلي هذا فالسيدة العذراء أعطت السيد المسيح جسدا منها -وهي الطبيعة البشرية- لكن السيدة العذراء لم تكن مصدرا للاهوت, ولم تعط ميلادا للطبيعة الإلهية لابن الله, ولذلك عندما ظهر ملاك الرب للشيخ يوسف قال له يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حمل فيها فهو من الروح القدس -الآية 20 من الإصحاح الأول بإنجيل متي البشير- وعلي هذا فإن السيدة العذراء وإن لم تكن مصدرا للاهوت كلمة الله وهو الله الظاهر في الجسد, إلا أنها دعت أم الله لأنه أخذ جسدا منها… ولهذا رأيناها في الساعة التاسعة من الصلب تقف تحت الصليب وتقول وهي باكية أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلي صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي تبتهج روحي بالله مخلصي. وعجبي بعد هذا علي من يستكثر علي الكنيسة القبطية أن تمجد السيدة العذراء… الكنيسة تكرم السيدة العذراء لأنها حملت جمر اللاهوت في أحشائها, ولأنها أجل من الشاروبيم والسيرافيم والملائكة, ولأنها أم الله… ولكن الكنيسة لا تضعها مساوية للذات الإلهية.
تطاول علي.. طقوس الكنيسة
* في تهكم بالغ تعرض الضيف المتشكك لبعض تقاليد الكنيسة, فقال فيما قال إن الكنيسة القبطية ترفع البخور كعبادة للعذراء أليس في هذا تطاول علي طقوس الكنيسة؟!
* * عندما يأتي الكلام من غير ذي معرفة فلا عجب… فالبخور طقس منذ العهد القديم, فالرب هو الذي أمر موسي بأن يضع مذبحا لإيقاد البخور, واهتم الرب بهذا المذبح, وكان هارون يوقد عليه بخورا عطرا كل صباح وكل مساء, وهو ما جاء بالآية الثامنة من الإصحاح الثلاثين بسفر الخروج بخور دائما أمام الرب في أجيالكم. والسيدة العذراء تمثل المجمرة -الشورية- التي اتحد اللاهوت بالناسوت في بطنها, ففي الشورية يوضع جمر النار والبخور ليرمز الاتحاد اللاهوت بالناسوت في بطن المجمرة… وهذا البخور كما ورد في سفر الرؤيا (8:4) إنما يمثل صلوات القديسين الصاعدة إلي الله.. وحينما نرفع البخور للقديسين إنما هي صلوات نقدمها إليهم ونضعها بين أيديهم ليرفعوها لله كما يفعل الأربعة والعشرين قسيسا (رؤ5:8) يقدمون بخورا أمام عرش النعمة هي صلوات القديسين.
* * وحينما نبخر في الكنيسة فنقول السلام للحمامة الحسنة, فإننا نعطيها السلام مع الملاك غبريال الذي قال لها عند البشارة السلام لك أيتها الممتلئة نعمة… إننا نقدم البخور والعبادة لله وحده لكي نعطي السلام للسيدة العذراء التي تمثل الشورية التي فاح منها رائحة الطيب لخلاص البشرية… فالبخور هنا ليس عبادة للأشخاص… وفي العهد القديم.. برتبط البخور بشفاعة السيدة العذراء, عندما قال موسي لهارون خذ المجمرة -ترمز للعذراء- وضع بخورا واذهب بها مسرعا إلي الجماعة وكفر عنهم -الشفاعة- لأن السخط خرج من قبل الرب, وقد ابتدأ الوباء, فأخذ هارون كما أمره موسي وركض إلي وسط الجماعة, وإذ بالوباء قد ابتدأ في الشعب, فوضع هارون البخور وكفر عن الشعب فامتنع الوباء.
شفاعتان وخلاف بين كنيستين
* قلت لنيافة الأنبا ثيئودوسيوس: الحديث ينقلنا إلي عقيدة جوهرية الشفاعة وهي أيضا كانت موضوع الضيف المتشكك إذ ازدري في حديثه شفاعة العذراء والقديسين في الكنيسة القبطية.
* * هنا يجب أن نفرق بين شفاعتين -الشفاعة الكفارية للسيد المسيح لغفران الخطايا, والشفاعة التوسلية للعذراء والملائكة والقديسين… والبروتستانت يعتقدون في الشفاعة الكفارية فقط ولا يعتقدون في الشفاعة التوسلية, ونحن لا نتدخل في هذا فلهم ما يعتقدون… ولكن المهم هنا أن نذكر أن الكنيسة القبطية تعتقد في الشفاعتين… فنحن نؤمن بشفاعة السيد المسيح -الشفاعة الكفارية- فالسيد المسيح له المجد يشفع في مغفرة الخطايا باعتباره الكفارة التي نابت عنا في دفع ثمن الخطية كما ورد بإشعياء النبي اترك لهم حساب خطاياهم لأنني حملت عنهم هذه الخطايا… وهو -السيد المسيح- الوسيط الوحيد الذي يقدم كفارة عن خطايانا لله الآب كما جاء في رسالة بولس الرسول الأولي إلي تيموثاوس وسيط واحد بين الله والناس, الإنسان يسوع المسيح, الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع… ونؤمن أيضا بالشفاعة التوسلية وهي شفاعة الملائكة والأنبياء والقديسين وشفاعة السيدة العذراء والدة الإله.
شفاعات في العهدين.. القديم والجديد
* أضاف نيافة الأنبا ثيئودوسيوس
* * الشفاعة التوسلية هي مجرد صلاة لأجلنا ولهذا سميت شفاعة توسلية, والكتاب المقدس يقول في سفر يعقوب (5:16) صلوا بعضكم لأجل بعض والقديس بولس يقول في رسالته الثانية إلي أهل تسالونكي (3:1) صلوا لأجلنا لكي تجري كلمة الرب وتتمجد كما عندكم أيضا… ولهذا فإننا نطلب شفاعة وصلوات القديسين لما لهم من دالة عظيمة عند الله لأجل مكانتهم الواسعة بعد خروجهم من الجسد وطاقاتهم الروحية الأكثر قدرة, ومن محبة الله لهم وتكليفه بأعمال رحمة وخدمة للبشر, ومن أمثلة الدالة القوية للقديسين بشفاعة السيدة العذراء في عرس قانا الجليل ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر واستجاب الرب… وشفاعة حنانيا الرسول من أجل بولس… وشفاعة الملاك روفائيل في طوبيا.. والأمثلة كثيرة في العهد الجديد كما في العهد القديم أيضا فيذكر شفاعة إبراهيم في سدوم, وقصة أبينا إبراهيم وأبيمالك الملك حينما أخذ سارة زوجة وضمها إلي قصره وظهر الله له في حلم وقال له رد امرأة الرجل فإنه نبي فيصلي لأجلك فتحيا… وفي الضربات العشر كان يطلب فرعون من موسي وهارون ليصلي لكي يرفع الرب هذه الضربات وكان الرب يستجيب… وشفاعة إيليا النبي حينما أمسكت السماء عن المطر.. وصلاة إليشع النبي من أجل الغلام ويذكر الإصحاح السادس من سفر الملوك الثاني ففتح الرب عيني الغلام وأبصر أن الذين معنا أكثر من اللذين علينا… وصلوات نحميا النبي من أجل إخوته الذين نجوا في السجن.
الشيطان لا يظهر وسط الصلوات والتسابيح
* كانت قمة الفزع التي أثارها ضيف القناة الفضائية في نفوس المشاهدين عندما ردد أمام الكاميرات الآية التي تقول لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلي شبه ملاك وتساءل كيف نعرف أن الذي ظهر هو العذراء أم شيطان منير؟!… وعن هذا قال لي الأنبا ثيئودوسيوس:
* * الآية التي استشهد بها المحاور ليشكك المشاهدين في أن الظهور من فعل الشيطان استخدمها في غير موضعها… فالآية جاءت ضمن رسالة بولس الرسول الثانية إلي أهل كورنثوس (11:14) وكان بولس لا يتحدث عن معجزات أو ظهورات, بل كان يحذر الشعب من رسل ومعلمين كذابين… بل إن باقي النص يقول لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة. فعله ماكرون مغيرون شكلهم إلي شبه السيد المسيح… وهل يمكن أن يتصور أحد أن الشيطان هو الذي ظهر علي قباب الكنيسة وجمع الآلاف يمجدون الله ويسبحونه في كنيسته… والكتاب المقدس يحمل لنا في سفر الرؤيا (12:1) أخبارا عن ظهور السيدة العذراء بوضوح فيقول وظهرت آية عظيمة في السماء, امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلي رأسها أكاليل من اثني عشر كوكبا… فكيف نشكك في أن الله يعطينا في كل فترة عربونا لهذا الظهور الذي سيحدث مع نهاية العالم لتعزينا والدة الإله وتفرح قلوبنا حتي نتمسك بابنها وبفدائه وخلاصه المقدم لنا.
بين السجود للبابا.. والإكرام والخضوع
* تطرق الضيف المتشكك إلي موضوع آخر متهما للكنيسة القبطية بعبادة الأشخاص في السجود لقداسة البابا… ماذا تري نيافتكم في هذا الذي أثاره؟!
* * خلط المتشكك بين السجود لقداسة البابا وبين عبادة الأشخاص… فالكنيسة القبطية تؤمن بكل ما جاء بالعهد القديم وهو جزء من كتابنا المقدس… ولأنه في العهد القديم كانت كل الأرض تعبد الأوثان وتسجد لها أعطي الله الوصايا حتي يعرف الإنسان الله ولا يسجد لغيره… وشدد الله في الوصايا علي بني إسرائيل وخاصة في السجود وقال لهم في سفر الخروج أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر, من بيت العبودية, لا يكن لك آلهة أخري أمامي, لا تضع لك تمثالا منحوتا ولا صورة, لا تسجد لهن ولا تعبدهن, لا تصنعوا معي آلهة فضة ولا تصنعوا لكم آلهة ذهب وهكذا كان التشديد في السجود لغير الله لعلم الله بزيغان الإنسان ليصنع له إلها آخر غيره يعبده ويقدم له محرقات وتقدمات وذبائح.
ومع هذا فهناك سجود -جاء في الكتاب المقدس أيضا- وهو سجود الإكرام, وسجود الوقار, وسجود الاستعطاف, وسجود الشكر… وسجود السلام والمقابلة.
* عن سجود الإكرام قال الأنبا ثيئودوسيوس:
* * يذكر سفر التكوين (18:2) سجود أبينا إبراهيم للرجال الضيوف: فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه, فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلي الأرض… ويذكر أيضا سفر التكوين أن ملاكا جاء إلي سدوم, وكان لوط جالسا عند باب سدوم, فلما رآهما قام لاستقبالهما وسجد بوجهه إلي الأرض.. وجاء في سفر صموئيل الأول (25:23) ولما رأت أبيجايل داود أسرعت ونزلت عن الحمار وسقطت أمام داود علي وجهها وسجدت إلي الأرض.
* وعن سجود الوقار قال الأنبا ثيئودوسيوس:
* * عندما قطع داود طرفي جبة شاول ولم يقتله, قام داود بعد ذلك وخرج من الكهف ونادي شاول قائلا يا سيدي الملك, ولما التفت شاول إلي ورائه خر داود علي وجهه إلي الأرض وسجد… وأيضا عندما طلب داود من يوآب رد الفتي أبشالوم يذكر سفر صموئيل الثاني (14:22) أن يوآب سقط علي الأرض وسجد وبارك الملك.
* وعن سجود الاستعطاف قال الأنبا ثيئودوسيوس
* * في مقابلة يعقوب لعيسو جاء بسفر التكوين (33:3) أما هو فاجتاز قدامهم وسجد إلي الأرض سبع مرات حتي اقترب إلي أخيه… وجاء أيضا بذات الإصحاح (33:6-7) فاقتربت الجاريتان هما والأولاد وسجدتا, ثم اقتربت ليئة أيضا وأولادها وسجدوا وبعد ذلك اقترب يوسف وراحيل وسجدوا.
* وعن سجود الشكر قال الأنبا ثيئودوسيوس:
* * عندما جاء حمو موسي يثرون عندما كان موسي والشعب نازلا عند جبل الله, يذكر سفر الخروج (18:7) خرج موسي لاستقبال حميه وسجد وقبله… والرب ذاته وعد ملاك -أسقف- كنيسة فيلادلفيا أن يسجد له الأشرار, ويذكر سفر الرؤيا (3:9) هذا فيقول هأنذا أجعل الذين من مجمع الشيطان من القائلين أنهم يهود وليسوا يهود بل يكذبون هانذا أصيرهم يأتون ويسجدون أمام رجليك ويعرفون أني أنا أحببتك.
وبعد أن حدثنا الأنبا ثيئودوسيوس بكل هذه الأمثلة… تساءل:
* * إذا كان الله أمر الأشرار أن يسجدوا لملاك كنيسة فيلادلفيا -الأسقف- وتم السجود داخل الكنيسة بأمر الله, فماذا عنا والبابا رئيس أساقفة؟!.. لقد أمرنا الله بالخضوع… وماذا عن إنسان يخضع لوالديه بالجسد وينحني ويقبل يديه؟!… وماذا عن إنسان عندما يقابل شخصية مرموقة في المجتمع ينحني ويخلع القبعة إذا كان يلبسها احتراما له؟!