كان أبواها بارين,هذه شهادة التاريخ,كانت أمها قديسة وكان أبوها أيضا,كانا قديسين,ومع ذلك ظلا عاقرين مدة طويلة,سنوات طويلة لماذا؟هل لمجرد العقم؟أو كانت مقصودة!!ظلت حنة عقيما والعقم كان في الأزمنة القديمة عارا,وكانت المرأة العقيم تعيش ذليلة النفس وحزينة,لأن عدم الإنجاب يعتبر غضبا عليها من الله,ومن جهة أخري أنها امرأة غير مثمرة,وهذا يحط من مكانتها أمام زوجها وأمام جيرانها,حتي أن أليصابات عندما حبلت وهي في سن الكبر,في سن يزيد علي التسعين قالت:هذا هو الفضل الذي صنعه الرب معي إذ نزع عاري بين الناس,لأن هذا كان عارا علي المرأة أن تكون عقيمة,وتعتبر هذه علامة غضب إلهي عليها,وأيضا أكيد أنها تصنع مشكلة بينها وبين زوجها,لدرجة أن تفتر المحبة بينها وبين زوجها,وفي بعض الأحيان يتزوج زوجها امرأة أخري مثل حنة أم صموئيل فكانت أيضا عاقرا,وزوجها تزوج واحدة أخري اسمها فننة,وفننة كان لها أولاد فكانت فننة تعير حنة أم صموئيل لأنها ليس لها أولاد.كل امرأة عندها غريزة الأمومة,ترغب في أنها مجرد أن يتم الزواج أن يكون لها ابن.
علي الرغم من قداسة حنة أم العذراء ويواقيم,إنما يذكر التاريخ أن الاثنين ظلا سنوات طويلة بلا ثمر وبلا نسل,ويذكر المؤرخون أن حنة أخذت تصلي سنوات طويلة ونذرت نذرا لله أنه إذا أعطاها ابنة أو ابنا فإنه يكون نذيرا للرب,وأنها تقدمه للهيكل ليكون خادما.كذلك يواقيم يذكر عنه أنه فرض علي نفسه صوم أربعين يوما,فذهب إلي الصحراء وصنع لنفسه مظلة,أي عكوف تام علي الصلاة من أجل أن يعطيه الله نسلا.فشاء الله في وقت أن يستجيب,فظهر الملاك جبرائيل وهو دائما الملاك المبشر,فبشر حنة وقال لها إن دعاءك قد استجيب وأنت ستحبلين وتلدين ابنة يكون عن طريقها خلاص العالم,وفي نفس الوقت ظهر الملاك جبرائيل ليواقيم في الصحراء وبشره بأن حنة زوجته ستحبل وتلد ابنة يكون عن طريقها خلاص العالم,فرجع يواقيم إلي بيته وأخبر حنة امرأته أن صلواتهما استجيب وأنها ستحبل وتلد,قالت له أيضا ظهر لي الملاك جبرائيل وبشرني,ففرحا معا وذكر أنهما أولما وليمة لهذه البشارة.
ولكننا نسأل:لماذا الله آخر الميلاد علي الرغم من أن الاثنين قديسون؟وعلي الرغم من أنهما متزوجون من سنوات طويلة؟أكيد أن هذا مقصود.مقصود أن تأتي مريم في هذا الوقت بالذات,لماذا؟لو كانت ولدت مريم قبل ذلك قد لا يكون الوقت المناسب لكي تكون هي العذراء التي تحمل بالمسيح.لأن الخلاص أو مجئ المسيح من السماء له موعده في التدبير وفي الحكمة الإلهية,كما قال الكتاب المقدس في غلاطية4لما تم ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين….غلا4:4, 5,لما تم ملء الزمانبمعني أن الزمان لمجئ المسيح مرتب من السماء بأنه يأتي في وقت معين يشاءه الله لخلاص البشرية,لذلك المرأة التي تتشرف بأن تحمل المسيح الكلمة الإلهي في أحشائها,كان لابد أن تولد في وقت معين سابق مباشرة علي التجسد الإلهي,فلو كان ميلادها قبل ذلك ما كانت مريم هي التي تحمل بالمسيح.
ونفس الموضوع في ولادة يوحنا المعمدان,فالله يستجيب في الوقت المناسب,لأننا نلاحظ أن مجئ أصحاب المهام الإلهية يكون في الوقت المناسب.
فالعذراء لها مهمة معينة ورسالة معينة أن تكون هي المرأة التي يتجسد منها المسيح لأن التجسد له زمن معين في التدبير والحكمة الإلهية,فكان لابد أن المرأة التي تتشرف بأن يكون التجسد منها تأتي في وقت مناسب يكون سابقا علي نزول المسيح من السماء.
فبعد مدة الرضاعة وهي ثلاث سنوات لابد أن توفي حنة النذر بأن تقدمها إلي الهيكل لتقيم في بيت النذيرين.وكانت أمها من وقت إلي آخر,وفي المناسبات تذهب إليها تقدم لها احتياجاتها من أكل أو كسوة أو شئ من هذا القبيل,وفي سن ست سنين مات أبوها يواقيم,وعندما كان سنها 8سنين ماتت أمها وأصبحت يتيمة من الأب ومن الأم.لماذا يارب مريم وهي المفروض أنه عن طريقها خلاص العالم,وسيدنا له المجد سيأخذ من دمها الجسد الذي يكون للاهوت ستارا وحجابا,لماذا تعاني من اليتم هذه المعاناة؟هي حكمة الله.
ولكن لعلكم تقدرون الأزمة النفسية لبنت في هذه السن يتيمة لا أب لها ولا أم,وعندما بلغت السن 12 سنة لا تجد أحدا يأخذها,وكان اختيار الله ليوسف بأن أفرخت عصاه وأخرجت براعم,كيف أن العصا بعد أن جفت تخرج هذه البراعم؟إنها معجزة لتكون علامة من السماء علي أن يوسف الذي اسمه مكتوب علي هذه العصا هو الرجل الذي اختارته السماء ليكون هو الشخص الذي يأخذ مريم في كنفه ورعايته.
وأيضا ليكون من ضمن ألقاب مريم عصا هرون لأنه كما حدث مع عصا يوسف وعصا هرون سيحدث مع مريم بالرغم أنها بتول تلد الكلمة مقيم السماء.
وكان يوسف شيخا كبيرا وقورا,وهذه حكمة لله لكي تكون بالنسبة له كابنة,فشاء الله أن يكون يوسف هو الإنسان المناسب الذي يأخذ مريم في كنفه ورعايته.وكان لابد احتياطا أن الآباء الكهنة يعقدو عقد زواج رسمي,وهذا نوع من الزواج الذي نسميه الزواج البتولي.
وهذا ما قال عنه الكتاب المقدس في سفرحزقيال44:2هذا الباب يكون مغلقا لا يفتح ولايدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاوكما قال آباء الكنيسة إن هذه نبوءة عن العذراء مريم أنها تظل بتولا كل أيام حياتها,وهي المعروفة بالعذراء بالألف واللام,فكل بنت غير متزوجة نسميها عذراء لكن مريم نقول العذراء بالألف واللام.
وهنا سؤال نسأله لماذا شاء الله أن مريم العذراء تعاني هذه الطفولة المعذبة؟إنها لم تستمر في كنف والديها إلا 3سنين,وبعد ذلك ذهبت الهيكل وبعد ذلك مات أبوها وماتت أمها وظلت يتيمة حتي سن12سنة وبعد ذلك أخذها يوسف,لا شك أن هذا كان فيه ألم كثير وعذاب,طفلة تحرم من الأب والأم,وكلنا نعلم مركز الأب والأم بالنسبة للطفل,هذه الإنسانة التي من المفروض إنها سيكون عن طريقها خلاص العالم,لماذا لم يبق والداها؟ما هي الحكمة؟لابد أن الله له حكمة أن مريم تعاني هذا العذاب,عذاب الحرمان من الأب والأم وتظل تعيش هذه الطفولة اليتيمة حتي كبرت,ولا يكون لها أحد تعتمد عليه أو تستند إليه,وبهذا كانت شبيهة بالعليقة التي رآها موسي أو العليقة شبيهة بمريم فالله ظهر في العليقة,إنه ساكن السماوات والأرض إنما نزل في العليقة,ونزول الله ليس كنزول الإنسان,فعندما ينزل الله من السماء فهو لا يخلي السماء من وجوده,لأنه مالئ السموات والأرض,فبينما كان المسيح في السماء كان علي ركبتي العذراء مريم,وبينما كان علي ركبتي العذراي مريم كان فوق الكاروبيم في السماء,فكلمة نزل من السماء لا بمعني أنه أخلي السماء من وجوده,ولكن بمعني أنه أصبح له وجود علي الأرض,وأيضا بالنسبة لفهم الإنسان نقول الله نزل,لأن الإنسان يعلم أن الله ساكن السموات,فعندما يصير له وجود علي الأرض يكون نزل بهذا المعني,نزل بالنسبة للإنسان لكن بالنسبة لله,الله لا ينزل.
فنزول الله في العليقة كان رمزا للنزول الأعظم الذي حدث في التجسد,ولماذا الله نزل من السماء؟لأن الخطيئة أذلت الإنسان وطرد الإنسان وصار الإنسان منفيا من حضرة الله,وهذه مذلة أعظم مذلة,فالله شاء بالتجسد أن ينزل ليخلص الإنسان من هذه المذلة,ونزول الله في العليقة بمنظر النار المتوهجة,تشرح لنا لماذا العليقة لم تحترق؟لأنها ليست نارا عادية,فكانت بهذا رمزا للعذراء مريم,ولذلك نقول عليها العليقة,العليقة شجرة صغيرة,ليست شجرة كبيرة,وأغصانها رخصة ورخوة لا قدرة لها علي أن تنتصب بل تتعلق علي غيرها من الأشجار المجاورة,العليقة رمز للعذراء مريم؟نقول:العليقة التي رآها موسي النبي في البرية,والنيران تشتعل فيها ولم تمسها بأذية,مثال أم النور مريم حملت جمر اللاهوتية,وهي عذراء ببكوريةفالعليقة كمريم التي عانت اليتم من طفولتها ولم يكن لها إنسان تعتمد عليه لا أب ولا أم ولا قريب,عانت مريم هذه المعاناة التي يندر أن يعانيها طفل آخر,هذا عذاب لأن الطفل يحتاج في هذا السن الصغير إلي الأب وإلي الأم وخصوصا إلي الأم,وبعد سن 12سنة أخذها رجل عبارة عن جدها تقريبا أو فوق التسعين سنة,هذه المعاناة مقصودة,أبي وأمي قد تركاني وأما الرب فقبلنيفالاحتمال الذي احتملته من أجل الله سيحسب لها,ستكافأ عنه,هناك أمور كثيرة يبدو أن مريم عانت كثيرا واحتملت الكثير,في أرض مصر تحملت الكثير من البلايا والمتاعب والاضطهاد,كثيرا ما طردت,ولذلك انتقلت من مكان إلي مكان بمحطات سميت محطات العائلة المقدسة.
مريم تعبت كثيرا جد,لا يوجد أحدا أبدا لا من الشهداء ولا من القديسين,ولا من الآباء الرسل احتمل مع المسيح كما احتملت العذراء مريم!!وهذا ما جعل لها دالة قوية وشفاعة كبيرة لأنها احتملت كثيرا.
إن مريم احتملت هذه الطفولة المعذبة وهذا اليتم المقصود,لكي نقول العذراء مريم ليس لها أحد تعتمد عليه لا أب ولا أم ولا قريب,فيكون الاعتماد علي الله وحده,فكانت بهذا شبيهة بالعليقة,العليقة فوقها النار الملتهبة وهو الرب نفسه الذي حماها وعطف عليها وقواها وكان خير سند لها,لكي نتأمل,ونحن عندما نجد أنفسنا في تجارب وفي آلام,الإنسان يتذمر علي الله ويقول ماذا عملت يارب؟ لماذا سمح الله بذلك؟لماذا؟نعترض علي الله؟؟الله يجعل العذراء مريم أم المخلص تتحمل هذه الأشياء لكي يكون هذا تعليم لنا نحن,لا نتعلم إن لم نتألم…فالآلام عن طريقها نتعلم أشياء كثيرة,فإذا رأينا التجارب لا نتذمر علي الله,بل إذا احتملنا التجربة واحتملنا الألم يحسب هذا فضيلة,يحسب هذا بر أمام الله,لا نريد في علاقتنا مع الناس أو مع الله أن نتذمر أو نجدف علي الله,لا تنظر للآخرين وتقول لماذا أنا؟انظر للست العذراء كنموذج,إذا كانت هناك تجربة ويوجد ألم وصبر علي هذا الألم,هذا الصبر يحسب له فضيلة,وهذا ما قاله الكتاب المقدس في رسالة يعقوبطوبي لمن يحتمل التجربة لأنه متي تزكي ينال إكليل الحياة الأبدية الذي وعد به الرب للذين يحبونهيع1:12.متي تزكي,أي متي تطهر,التجربة لا تجعله يجدف,بل طهرته ونقته مثل أغصان الشجر,الكرم أو الجنايني لابد أن يشذبها,فالآلام يا أولادنا لها فوائد,وكما قال يوحنا ذهبي الفمما من تجربة إلا وتحمل وراءها إحدي البركاتهذا بالنسبة للإنسان الذي يهوي التجربة لكي يتعلم منها شيئا ويستفيد,ويوجد إنسان يتذمر ويقارن بينه وبين الآخرين,ويعتبر أن الله يعاكسه,بدلا من أن يبحث عن سبب رسوبه يقول ربنا هو سبب الرسوب,التجارب تمحص الإنسان,وتجعله يتزكي وينال إكليل الحياة الأبدية,متي تزكي,متي تنقي,متي استفاد من هذه التجربة ينال إكليل الحياة الأبدية الذي وعد به الرب للذين يحبونه,وهذا يكون برهانا لمحبة الله,أن الإنسان لا يتذمر ولا يكفر ولا يغضب من الله إنما يقول أنا مستحق لهذه التجربة وأنا أتعلم منها,والتجربة ترفع ترمومتر الحياة الروحية بيننا وبين الله.