في أحضان الشعر
يعد بيت الشعر مؤسسة عالمية لأنه أنشئ في عواصم مختلفة من العالم…معظم العواصم الأوربية وأولها فرنسا وغيرها, واليوم أصبح موجودا في معظم العواصم العربية, الرباط, تونس, صنعاء, عمان, الشارقة, المنامة, وقد دعيت منذ سنوات فى التسعينيات لقراءة أشعاري في بيت الشعر بباريس ووجدت أن هناك مؤسسة مخصصة لرعاية الشعر بصورة دائمة, وهي مؤسسة مفيدة جدا نحن في حاجة إليها…
هكذا بدأ المفكر والشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي حواره معي حول بيت الشعرالذي تم افتتاحه مؤخرا…
*بيت الشعر…لماذا؟
إن الشعر في ثقافة العالم يعد فنا أساسيا من أوائل الفنون التي عرفها الإنسان, ذلك أن الشعر مرتبط بالدين أيضا, فالمصريون القدماء كانت ديانتهم شعرا, فحين تقرأ لغة كتابالموتي نجد إنها شعرية, أيضا تراتيل أخناتون نجد إنها شعرا, نفس الشئ بالنسبة للديانة اليهودية,فمن المعروف أن عددا من أنبياء بني إسرائيل كانوا شعراء, ولنتظر لنشيد الأناشيد بالتوراة, أو سفر الجامعة, كذلك في الإسلام حتي إن النبي محمد(صلعم) عندما قرأ القرآن الكريم لأول مرة علي أهل مكة اتهموه إنه شاعر وهكذا.
فهو فن أساسي في كافة لغات وآداب العالم سيما عند العرب الذين قالوا من قبل:الشعر ديوان العرب فالأمم الأخري في ثقافتها لديها فنون أخري بالإضافة إلي الشعر, فالمصريون كان لديهم إلي جانب الشعر القصة والتاريخ والحكمة والدين, وبالنسبة لليونانيين كان لديهم الشعر والمسرح بالإضافة إلي الفلسفة والعلم, أما العرب كان الشعر هو تاريخهم وفلسفتهم, ففيه نجد الوصف والحكمة والخبرة الحياتية, من هنا سمي الشعرديوان العرب بعد ذلك ظهرت الرواية والقصة والمسرحية والعلم والنقد.
*إذن فإن الشعر يعد أساس كل ثقافة..
**نعم, فإذا فقدنا الشعر فقدنا المرجع الذي نعرف منه اللغة وطريقة تفكير القدماء وأخلاقهم وتصوراتهم للعالم الآخر, فمن يريد أن يحافظ علي علاقته بماضيه وتراثه لابد أن يظل محافظا علي علاقته بالشعر, والشعر لم يعد فنا محليا أو قوميا, فحيث إنه في كل اللغات, وحيث إنه فن به جوهر إنساني,فإذا ترجم إلي لغة أخري فإنه يحافظ علي التراث, ذلك أن كل شعر جيد يحمل قيمة إنسانية يمكن نقلها إلي اللغات الأخري, وبسبب التراجم التي تمت بين شعر اللغات المختلفة أصبح هناك طريقة للكتابة لها طابع عالمي, فكما أن الرسم الشرقي مختلف عن الرسم الغربي, والنحت في مصر يختلف عن النحت في بلاد اليونان في فترات سابقة, أصبح الآن هناك أسلوب مشترك للرسم في كافة أنحاء العالم, كذلك أصبح الشعر, فالقصيدة العربية تترجم إلي اللغات الأجنبية(الإنجليزية والفرنسية وغيرهما) ويقرأها هؤلاء أصحاب اللغات الأجنبية, أي أن الإنسان في كل مكان يقرأ قصيدة أخري(خارج لغته وثقافته) من نظم شعرائنا أو شعراء البلاد الأخري, وبذلك فإن الشعر أصبح لغة عالمية, لذلك لابد أن نحافظ علي شعرأ سلافنا القدماء..
*البداية..كيف كانت؟
**نبعت الفكرة من علاقتي بالثقافة الغربية عموما والفرنسية بوجه خاص, ووجودي في فرنسا فترة طويلة أوحي لي بضرورة إنشاء بيت شعر لمصر, فلما عرضت الأمر علي الفنان فاروق حسني وزير الثقافة رحب علي الفور, إذ يعلم أن بيت الشعر ضروري يستطيع تقديم خدمة تحتاج إليها الثقافة المصرية عامة, فاقترح البيت الأثريالست وسيلة الذي يعود إلي أواسط القرن السابع عشر(1664), هذا البعد التاريخي يتوافق مع فن عريق مثل فن الشعر, ومع أن بيت الشعر قديم لكنه مزروع في قلب القاهرة القديمة, والجمهور العادي البسيط, من هنا نستطيع القول أن بيت الشعر لن يحقق صلتنا بالماضي فقط بل, بالحاضر أيضا.
جدير بالذكر أن البيت يتبع الآن المجلس الأعلي للآثار التابع بدوره لوزارة الثقافة التي رأت أن تخصصه لهذا الغرض حتي يعود إلي الحياة, فإذا لم يكن للبيت الأثري وظيفة في الحاضر سيتحول إليخرابة, لذلك فإن الوزارة صنعت حسنا لأن تخصص بيتالست وسيلة بيتا للشعر, كما فعلت مع بيوت أخري خصصتها من قبل للطفل أو للعود وللغناء العربي, وبعد أن صدر قرار الوزارة بهذا التخصيص تولي تأثيته صندوق التنمية الثقافية, وافتتح في الثلاثين من شهر مايو الماضي.
يقوم علي إدارة البيت مجلس أمناء أتولي رئاسته ومكون من عدد من الشعراء والنقاد منهم: الشاعر فاروق شوشة, الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة, الشاعر محمود قرني, الشاعر الدكتور حسام نصار رئيس إدارة العلاقات الخارجية بوازة الثقافة , الدكتور عماد أبو غاري الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة, الناقد محمد حماسة عبد اللطيف, الدكتورة كاميليا صبحي, المستشار الثقافي لمصر بباريس, الدكتور سعيد توفيق رئيس قسم الفلسفة بآداب عين شمس.
*ما الرسالة التي يقوم بها بيت الشعر؟
**لابد أن نحافظ علي شعر أسلافنا القدماء, وهذه الرسالة ينهض بها بيت الشعر الذي لن يهتم فقط بشعر الفصحي, وإنما يهتم أيضا بشعر العامية, حتي الشعراء المجهولون في المناطق والأقاليم المختلفة سيكون لهم اهتمام خاص, فلابد أن نهتم بالشعر النوبي والشعر البدوي في الصحراء الغربية وسيناء
لابد أن نتناول العلاقات ليس فقط مع شعراء أوربا بل أيضا مع شعر الشرق (شعراء الصين واليابان والهند وأندونسيا وأستراليا) بالإضافة إلي الشعر الفارسى والشعر التركي.
سيعتني بيت الشعر بأنشطة ثقافية متعددة مثل الأمسيات الشعرية ويقدمها شعراء أفراد أو مجموعات من الشعراء تمثل كافة أطياف الشعر المصري الفصيح والعامي, التقليدي والحديث, شعراء العاصمة وشعراء الأقاليم, و شعراء مدعوون من البلاد العربية والأجنبية, بالإضافة إلي أمسيات نقدية تدور حول الشعر, وفقرات وأمسيات موسيقية وغنائية لتأكيد العلاقة الوثيقة بين الشعر والموسيقي, هناك كذلك معارض لفن التصوير وفن النحت وفن الزخرفة وفن الخزف لتأكيد العلاقة الوثيقة بين الشعر والفنون التشكيلية.
يشارك بيت الشعر في ربيع الشعراء والمهرجانات التي ستقام بالداخل والخارج, وسوف نصدر مجلة سنوية في نهاية العام لم يحدد اسمها بعد- وأن كان هناك عنوان مبدئيحولية البيت, هذه المجلة تقوم بمتابعة نشاط البيت , حيث تجمع وتسجل النصوص الشعرية والنقدية المقدمة واللقاءات النقدية التي تمت حول هذه النصوص وغيرها.
إلي هنا انتهي حوارنا مع الشاعر الكبير, وها نحن بصدد الرجوع إلي الماضي بغية الوقوف علي قصة الست وسيلة.
قصة أثر
دعونا نعود بآلة الزمن إلي أواسط القرن السابع عشر, ونعرف قصة هذا البيت…
الست وسيلة هي السيدة وسيلة خاتون ابنة عبدالله البيضا(معتوقة-أي تم تحريرها من العتق أو الرق) ووالدتها عديلة هانم بنت إبراهيم الكبير.
وبيت الست وسيلة شيده الحاج عبد الحق وشقيقه لطفي أولاد الحاج محمد الكناني عام 1664(في فترة حكم الوالي العثماني عمر باشا).
رحلت الست وسيلة من عالمنا هذا في الرابع من مايو عام1835, وكانت آخر من سكن هذا البيت, لذلك سمي باسمها.
يقع منزل الست وسيلة بحي الأزهر الذي كان يسمي في أول عهده بحارةكتامة نسبة لقبيلة كتامة المنسوبة لدولة الفاطميين, وسكنته إبان فترة حكم جوهر القائد, وتطل واجهه المنزل الشمالية الشرقية علي عطفة العنبة, ويعد موقعه متميزا في قلب القاهرة التاريخية حيث يجاور مجموعة من الآثار التي تنمتي إلي حقب تاريخية مختلفة منها:منزل الهراوي الملاصق له, ومنزل زينب خاتون, وقاعة شاكر عبد الفتاح, ومدرسة العيني, وسبيل ووكالة السلطان قايتباي.
يتكون البيت من فناء مكشوف يتوسطه مقعد من أخشاب غليظة, وفيه قاعة استقبال مستطيلة أرضيتها من بلاطات حجرية وتزينة زخارف إسلامية ورسوم جدارية, ويضم نماذج نادرة من اللوحات الزيتية, كما أن مدخله مصمم بطريقة تمكن ساكنيه من رؤية القادم من الخارج في ذات الوقت الذي لا يستطيع فيه أحد بالخارج, أن يتلصص عما يحدث بالداخل.
جدير بالذكر أن فريق عمل ترميم البيت اكتشف أن الخبير الفرنسي برنار موريه الذي عمل في ترميم بيت الهراوي قد نزع هذه الجداريات وحفظها في أربعة عشر صندوقا خوفا عليها من الاندثار في حالة انهيار المبني, وقد مقلت هذه الصناديق إلي مخازن هيئة الآثار بالقلعة, ومن الأشياء الطريفة التي عثر عليها بمنزل الست وسيلة أيضا هوحجاب المحبة الذي وجد مكونا من ورقتين ومطويا وملفوفا بخيط صوف أخضر اللون مدفونا في جدران أحد الغرف لتوثيق الألفة والمحبة بين صاحب البيت الأصلي الذي قام ببنائه ويدعي لطفي وبين زوجته صفية.
الشعر في حياتنا
الشعر في حياتنا هذا هو عنوان مؤتمر الشعر العربي الأول المزمع عقد دورته الأولي اعتبارا من الخامس من شهر نوفمبر المقبل ممثلا للنشاط الأول الذي يستضيفه بيت الشعر.