أقر مجلس الوزراء مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البيئة تمهيدا لإحالته للبرلمان, بحظر تدوير المخلفات الطبية أو الدوائية, أو إعادة استخدامها في ذات الغرض, ويعاقب المخالف بالسجن مدة لا تقل عن 5سنوات وغرامة لا تقل عن 50ألف جنيه, ولا تزيد علي 500ألف جنيه, كما حظرت إلقاء أو حرق أو دفن المخلفات الطبية أو الدوائية الخطرة أو التخلص منها في غير الأماكن المخصصة, وألزمت تعديلات القانون جميع المنشآت الطبية والدوائية والعيادات والمعامل بفرز وتعبئة جميع هذه المخلفات في عبوات ذات لون خاص والتخفظ عليها…
لأهمية القضية وخطورتها أجرتوطني هذا التحقيق.
مقاييس عالمية للتخلص من النفايات!
من جانبه قال الدكتور نصر الدين الطنطاوي خبير الأوبئة بمنظمة الصحة العالمية إن المخلفات الطبية من أخطر ما يكون, ولذلك هناك مقاييس عالمية وضعتها منظمة الصحة العالمية للتخلص من تلك النفايات, ولكن الخطورة في قيام بعض الخارجين بتهريبها وإعادة تدويرها,مما يضر بصحة الإنسان خاصة الأطفال.
ومن جانبه قال الدكتور السيد محمد غزالة مدير عام مستشفي بولاق الدكرور: إن المواد أو المخلفات الطبية هي كل المواد المستخدمة للتشخيص أو للعناية بالمرضي داخل المستشفيات أو خارجها, وفي حالة تلوثها بدم وسوائل جسم المريض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, وفي حالة ما كون المريض مصابا بمرض معد أو غير مصاب ويراد التخلص منها وترمي كالنفايات, تعتبر من المخلفات الطبية الخطرة, ويجب التخلص منها بالطرق السليمة, عن طريق المحارق والأفران والتعقيم وغيره, ويستثني من كل ذلك, الأطعمة والأوراق التي يستهلكها المرضي خلال فترات العناية بهم.
أشار الدكتور غزالة: كل الأشخاص المحيطين بالنفايات الطبية معرضون لخطر الإصابة, بما في ذلك المنتج لهذه النفايات بالمستشفيات, أو الأشخاص في الخارج المسئولين عن النقل والتخلص من تلك النفايات, فالأشخاص الأكثر عرضه هم:الأطباء وطاقم التمريض, والعاملون بالمستشفيات, والمرضي والزائرون للمستشفيات, والعاملون والعاملات بالنظافة والمغسلة, ونقل القمامة داخل المستشفيات, وكذلك عمال المكبات أو المحارق.
أضاف الدكتور غزالة بقوله: إدارة التعامل السليم مع المخلفات الطبية تعتمد في نجاحها اعتمادا كبيرا علي وجود إدارة جيدة ومنظمة للمستشفي, مدعومة بإجراءات سليمة وطاقم مدرب تدريبا جيدا, لكننا في مصر ينقصنا بعض الخبرة فيما يتعلق بعملية إعادة تدوير المخلفات الطبية كما يحدث في الخارج.
أكد الدكتور غزالة أن وزارة الصحة أخذت مأخذ الجد بعض الاقتراحات لنقل المحارق من المستشفيات التي بها محارق إلي منطقة شبرامنت وهي منطقة صحراوية, وذلك بعد الشكاوي المتكررة من السكان قاطني المساكن التي تقع بجوار هذه المستشفيات, والتي بها محارق كبيرة تصدر عنها انبعاثات وأبخرة حرارية مما يؤثر عليهم وعلي صحتهم.
لافتا إلي خطة جديدة لاستبدال المحارق داخل المستشفيات واستخدام المفرمة لتقليل الانبعاثات والأبخرة الناتجتين عن المحارق, وسيتم استيراد تلك المفرمة من الخارج, وهي تعتبر حلا بديلا وآمنا للمحارق, وسوف يتم التدريب علي كيفية الاستخدام الآمن لها, فهي تقوم بتحويل المخلفات الخطرة والنفايات بعد ضغطها وتعقيمها بواسطة هذه المفرمة وتحويلها إليقرص مضغوط يمكن بعد ذلك التخلص منه بعد ضغطه وتعقيمه في أي صندوق مخلفات دون خوف من ذلك.
تكنولوجيات متقدمة لمعالجة النفايات!
وعن المواصفات الفنية والتقنية لهذه المفرمة قال الدكتور علاء شمس – نائب مدير مستشفي بولاق الدكرور العام: يتم استخدام نيوسيتر لتعقيم وسحق وفرم النفايات الطبية الخاصة بالمستشفيات والمؤسسات الصحية متوسطة الحجم, وتستخدم لتعقيم النفايات لما لها من تصميم تكنولوجيا إيطالية متقدمة مما يتيح للمسئولين عن عمليات معالجة النفايات توثيق نتائج عمليات التعقيم والمعالجة, وهو إجراء يضمن التخلص من النفايات الطبية في إطار الاحترام الكامل للمعايير التشريعية العالمية, كما بها وحدة معالجة محكمة الغلق وتحت ضغط ودرجات حرارة مرتفعة في جو رطب, تبدأ عملية التعقيم بدوران شفرات قوية بسرعات فائقة لتقطيع وفرم وتقليب النفايات داخل وحدة المعالجة المحكمة الغلق, وعندما تصل درجة حرارة كتلة النفايات إلي 155 درجة مئوية يقوم جهاز الفرم تلقائيا بضخ المياه داخل وحدة المعالجة علي فترات متكررة لتثبيت درجة الحرارة عند155 درجة مئوية ولضمان التعقيم الحراري.
أشار الدكتور شمس إلي بعض الأساليب غير الآمنة والتلاعب الذي قد يحدث من سرقة للنفايات قبل أو أثناء دخولها من وإلي المستشفي.. في هذه الحالة لا يتم معرفة كيفية التخلص من النفايات الخطرة, وكيف تتم إعادة تدويرها وفيما تستخدم بعد ذلك لأن الطريقة غير آمنة وهذا أمر شديد الخطورة.
المحارق الطبية آمنة جدا!!
أما الدكتورة سالي محمد – رئيسة فريق مكافحة العدوي بمديرية الصحة بالجيزة قالت: مكان المحارق يكون مكانا مغلقا وآمنا جدا, حيث توجد عليه أقفال محكمة الغلق, ولا أحد يستطيع دخوله غير العاملين بالمستشفي,كما أن له شبكة مياه منفردة وشبكة صرف صحي خاصة به وكذلك شبكة الكهرباء.
أشارت الدكتورة سالي إلي أنه يتم إجراء وقائي دوري علي العاملين داخل المحارق, حيث يتم تطعيمهم بمصل كبدي عن طريق تعقيممصل يطلق عليهOI6 ويعطي للعاملين كل ستة أشهر, ثم يتم قياس نسبة الأجسام المضادة بعد ثلاثة أشهر من أول جرعة, وهذا الإجراء يتم بشكل دوري, بالإضافة إلي تدريب كافة العاملين داخل محارق النفايات الخطرة علي كيفية التعامل الآمن مع هذه المخلفات عن طريق المحارق.
التخلص الآمن للنفايات
أما الدكتور مدحت الحسيني – مدير وحدة التخلص الآمن من النفايات الطبية الخطرة بمديرية الصحة بالجيزة فقال إن كل النفايات الطبية الخطرة المتعلقة بمخلفات المستشفيات أو المنشآت الحكومية أو الخاصة الطبية تدخل المحارق عن طريق سيارات مخصصة لتجميع النفايات الخطرة ومطابقة لكافة المواصفات, طبقا للإدارة العامة لوزارتي البيئة والصحة, ثم يتم توجيهها إلي محارق مستشفيات الحميات بإمبابة والتي بها محرقتان, ومستشفي بولاق الدكرور العام وبها محرقة واحدة, مستشفي صدر الجيزة وبها محرقة واحدة, حتي تم بفضل محافظ الجيزة الحالي تخصيص مكان مجمع محارق بمنطقة شبرامنت.. وهذا المكان تابع لهيئة النظافة والتجميل بالجيزة, وبه جميع المرافق.
أشار الدكتور الحسيني إلي أنه تم تركيب أول محرقة هدية من بنك الدم السويسري وبصدد تركيب (5) محارق للنفايات الخطرة من قبل وزارة الصحة.
ضرورة تنمية الوعي بالمخلفات
وعن الشق البيئي قال الدكتور مجدي علام – خبير البيئة: إن وزارة الدولة لشئون البيئة وقعت مؤخرا اتفاقية تعاون مع وزارة الصحة لإطلاق برنامج قومي خاص بإدارة المخلفات الطبية في إطار الخطة القومية لإدارة المهلفات الصلبة في مصر وكانت ضمن 13برنامجا, تمثل في الخطة القومية لإدارة المخلفات الصلبة, والواقع أن المشكلة لاتعاني منها مصر وحدها بل أغلب دول العالم, خاصة دول العالم النامي, حيث توسعت الدول في إقامة مستشفيات الخدمة الصحية دون أن يشتمل معظمها علي النظم الحديثة للتخلص من المخلفات الطبية.
أشار الدكتور علام إلي زيادة الوعي العالمي بمشكلة المخلفات الطبية الخطرة, فقد بدأت مصر في ظل القانون رقم (94) في الالتفات لهذه المشكلة. حيث نص القانون علي أن هناك ست وزارات تعمل في مجال المواد والمخلفات الخطرة من ضمنها وزارة الصحة, وهذا يعني أن التشريع المصري ركز علي خطورة المشكلة, ووضع ضوابط للتعامل مع المخلفات الطبية في عدة جوانب, منها: التشريعي, الإداري, المالي, الفني, أما بالنسبة للجانب التشريعي فقد كفله القانون.
أكد علام أن هناك العديد من المشكلات بالنسبة للشق الفني, والذي يتعلق بالإدارة الآمنة للمخلفات,فإن الطرق القديمة في التخلص أصبحت غير صالحة الآن, مشيرا إلي أنه الآن يتم توضيح وشرح نهج الإدارة السلمية للنفايات الطبية, خاصة الخطرة منها, وكيفية استخدام أنسب التقنيات, ونشر الوعي بخطورة الإدارة غير السلمية للنفايات الطبية علي البيئة والصحة, وتقديم الدعم للمؤسسات الوطنية لتحسين إدارة النفايات الطبية, بالإضافة إلي تطوير التشريعات الوطنية والسياسات والممارسات البيئية السليمة, وذلك يتم بمشاركة القطاعين الخاص والمدني مع الأخذ في الاعتبار التأثيرات البيئية والصحية والاجتماعية والاقتصادية.
المخالفات من مصانع بير السلم!
أما عن التجاوزات والمخالفات فقال الدكتور علي حسني – نائب مدير مركز تكنولوجيا الإنتاج الأنظف: إن مصانع تحت بير السلم التي تقع في الأماكن الشعبية تستغل مخلفات المستشفيات التي تحصل عليها بطرق غير شرعية, وتقوم بتصنيع الملاعق والعلب البلاسيكية التي تستخدم في محال الكشري وغيرها من محال الأطعمة, نظرا لأن طن مخلفات البلاستيك وصل إلي 2000 جنيه للطن الواحد.
أشار الدكتور حسني أنه بالإضافة لما سبق يتم إضافة مصادر أخري للمواد الخام وهي مادة البولي إثيلين الناجمة من مخلفات المستشفيات التي تطرح يوميا, وهي مادة قابلة للتدوير بسهولة لأنها من النوعيات الجيدة.
طالب الدكتور حسني بتسجيل المعدات والمخلفات الموجودة داخل المستشفيات لرصد عملية الدخول والخروج, وتشديد الرقابة منعا لتسريبها إلي الخارج.
علي الصعيد ذاته قال محمود فؤاد – رئيس المركز المصري للحق في الدواء. إن التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء مؤخرا علي بعض أحكام قانون البيئة بحظر تدمير المخلفات الطبية أو الدوائية أو إعادة استخدامها, هو أمر مهم لكافة المواطنين, مؤكدا أن إعادة تدوير هذه المخلفات الخطرة شئ غاية في الخطورة, خاصة أن بعض معدومي الضمير يقومون بتصنيع لعب الأطفال من تلك المخلفات,مما يهددهم بالإصابة بالعديد من الأمراض الخطرة.
اهتمام عالمي بتدوير المخلفات
أما الدكتور سيف الدين السيد – مدير إدارة مكافحة الأمراض المعدية بالطب الوقائي فقال: إن الاهتمام بهذه المشكلة امتد حتي شمل الدول الأوربية, حيث زادت المبادرات التي تدعو إلي إيجاد حلول فعالة, وأساليب وقائية, سواء للعاملين داخل المرافق الصحية أو عمال النظافة, ووضع ضوابط لإجبار المؤسسات الصحية علي اتباعها للتقليل من خطر التعرض للمخلفات الطبية الخطرة.
أضاف الدكتور سيف أن الإدراك بخطورة المشكلة من قبل دول العالم خاصة الدول الأفريقية ومنها مصر جاء متأخرا في وضع المخلفات الطبية الخطرة ضمن برامجها للمحافظة علي البيئة والتنسيق مع هيئة الأمم المتحدة علي وضع برامج مستقبلية لعلاج هذه المشكلة.