يكشف الرد السوري المشروط علي رسالة الأمين العام للجامعة العربية الدكتو نبيل العربي والتي تطالب دمشق بضرورة التوقيع علي بروتوكول بعثة مراقبي الجامعة لتقصي الحقائق في سورية عن مدي مناورة ومماطلة وتسويف النظام السوري في الاستجابة للحل العربي للأزمة السياسية المتفاقمة التي تهدد بنيان وكيان الدولة ذاتها.
وقد طلبت دمشق من الجامعة العربية مهلة أخري لمدة يومين أو ثلاثة مؤكدة أنها توافق علي التوقيع علي بروتوكول بعثة المراقبين,ولكن في دمشق وليس في مقر الجامعة في القاهرة.فضلا عن اعتبار الملاحظات التي أبدتها الجزائر بشأن بعض البنود الواردة في البروتوكول وما صرح به الأمين العام للجامعة ورئيس اللجنة الوزارية المعنية بتطورات الوضع في سورية حمد بن جاسم آل ثاني حول تأكيد رفض التدخل الأجنبي في الشأن السوري جزءا لايتجزأ من مشروع البروتوكول.
كما طلبت دمشق اعتبار كافة القرارات الصادرة عن اجتماعات الجامعة التي لم تشارك فيها سورية ومن بينها قرار تعليق عضويتها في الجامعة والعقوبات بحقها لاغية عند توقيع مشروع البروتوكول بين الجامعة والحكومة السورية,مع ضرورة قيام الأمين العام للجامعة إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة برسالة خطية تتضمن الاتفاق والنتائج الإيجابية التي تم التوصل إليها بعد التوقيع علي مشروع البروتوكول والطلب منه توزيع الرسالة كوثيقة رسمية علي رئيس وأعضاء مجلس الأمن وعلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
يذكر أن البروتوكول ينص علي وقف كافة أعمال العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين,والإفراج عن المعتقلين بسبب المظاهرات التي تطالب منذ أشهر بإسقاط النظام,وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة.
كما ينص علي فتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل لإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سورية للاطلاع علي حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور. كانت الجامعة العربية أقرت الأسبوع الماضي عقوبات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد تتضمن منع سفر كبار الشخصيات والمسئولين السوريين إلي الدول العربية وتجميد أرصدتهم فيهاوشملت هذه العقوبات 19 مسئولا وتضمنت العقوبات كذلك وقف التعامل مع البنك المركزي السوري ووقف المبادلات التجارية الحكومية مع الحكومة السورية باستثناء السلع الاستراتيجية التي تؤثر علي الشعب السوري,كما أمرت اللجنة بخفض الرحلات الجوية من وإلي سورية بمعدل 50% بما في ذلك الطيران السوري,ويبدأ التنفيذ من15 ديسمبر الجاري.
تكشف تطورات الأزمة السياسية في سورية منذ اندلاعها في 15 مارس الماضي والتي تعد امتدادا لثورات الربيع العربي المطالبة بالحرية والعدالة والكرامة وإسقاط النظام,عن امكانية دخولها النفق المظلم في ضوء التعقيدات الإقليمية والدولية بشأن الأزمة وعلي خلفية مجموعة من المعطيات والحقائق التي يصعب تجاوزها.
أول هذه المعطيات والحقائق تماسك الجبهة الداخلية العسكرية:فعلي الرغم من حدوث بعض الانشقاقات العسكرية لبعض قوات الوحدات السورية,إلا أن النظام السوري مازال مهيمنا ومسيطرا علي مقاليد الأمور الأمنية والعسكرية وإن كانت بعض التقديرات الاستراتيجية قد قللت من حقيقة هذه السيطرة بسبب أن النظام ربط مصيره بمصير الطائفة العلوية وقد فعل ذلك عمدا وبوعي كامل بغرض ضمان ولاء الأجهزة الأمنية.
وتشير هذه التقديرات إلي تلاعب النظام في سورية بالتمايزات الاجتماعية الثقافية وعرض الطائفة العلوية للخطر من أجل الاحتفاظ بسلطته ولعب بورقة الأقليات ضدذ الأكثرية السنية وسلط قواته الأمنية ضد المحتجين العزل,وتعامي عن أعمال إجرامية قامت بها قواته النظامية منها السرقة والخطف وتهريب الأسلحة.ولطالما وفر الحصانة للفساد وسوء الإدارة وانعدام الكفاءة حين تخدم تلك الممارسات مصالح العائلة الحاكمة.والنتيجة هي تآكل الدولة والمؤسسات الاجتماعية.وبينما تلوح في الأفق أزمة اقتصادية كبري فإن من المؤكد أن يستنزف النظام خزائن الدولة لدعم فرص بقائه.
ويعتقد بعض المراقبين أن النظام السوري الحاكم مسئول عنم تفاقم واستغلال المشاعر الطائفية ومحاولة تغذيتها وبالتالي أصبحت قاعدة النظام اليوم أضيق إلا أنها تزداد راديكالية وتماسكا حول نواة صلبة مكونة من العائلة الحاكمة,ومن موالين ازداد عزمهم علي القتال بقدر ما اشتد تورطهم في القمع الوحشي طوال شهور,فإذا فقد النظام سيطرته علي العاصمة فسيتراجع الموالون المتشددون إلي قراهم للدفاع عن أسرهم التي أعيدت منذ وقت طويل إلي الريف لحمايتها.
ثاني الحقائق,أن قوي المعارضة في سورية لم تتمكن بعد من تشكيل قوة ضاغطة علي النظام السياسي فرغم ما يتردد عن حدوث بعض الانشقاقات داخل النظام إلا أن هذه المعارضة مازالت مبعثرة وتفتقد إلي الهياكل المؤسسية والتنظيمية والنخبوية ومن أبرزها المجلس الوطني السوري الذي تشكل في إسطنبول وبعض الدول العربية والغربية. وفي ضوء هشاشة المعارضة وتعقيدات المشهد السياسي تبدو المعارضة السورية أداة للضغط علي سورية وليس كيانا سيتسلم السلطة بعد رحيل الأسد ونظام حزب البعث وربما يفسر ذلك عدم نجاح جهود تسويقها كممثل شرعي وحيد للشعب السوري,ومن ثم تنتظر نتائج التحرك الأمريكي القطري التركي لتعويض خسائرها من الدخول إلي ساحة استخدام السلاح يتفوق فيها النظام السوري الحاكم وترك ساحة النضال السلمي التي تتفوق فيها هي علي النظام.. ثالث الحقائق يتمثل في تشابك وتعقيدات الموقف الدولي ففي الوقت الذي اعترفت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتسليح المعارضة في الداخل ودعتها لعدم إلقاء السلاح,وحضت علي توفير تمويل كبير لها وجهت روسيا بوارج حربية إلي المياه الإقليمية لسورية واعتبرت روسيا سورية خطا أحمر.
وتضع واشنطن وحلفاؤها النظام السوري أمام خيارين إما الرحيل أو علي الأقل تنحي الرئيس بشار الأسد أو الحرب الأهلية بتوفير تمويل كبير وسلاح للجماعات المسلحة في الداخل بموازاة وتصعيد تركيا الضغوط بإطلاق أول دعوة من الإقليم لتنحي الأسد ليصبح التبشير بالحرب الأهلية حملة ترهيب وترغيب للنظام وللشعب السوري في آن واحد. فالتهديد بحرب أهلية في سورية تقابله تهديدات بحرب اقليمية ستطول تداعياتها أوضاع كل البلدان العامرة بالتنوع الديني والمذهبي وكل الأنظمة.
وفي هذا السياق يأتي موقف حزب الله اللبناني, حيث انتقد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله المعارضة السورية,معتبرا أنهاتقدم أوراق اعتمادإلي الولايات المتحدة وإسرائيل ومجددا دعمه النظام السوري برئاسة بشار الأسد وقال نصر اللهمنذ اللحظة الأولي,موقفنا واضح قلنا نحن مع الإصلاح في سورية ونقف إلي جانب نظام مقاوم.
رابع الحقائق وهو التدويل المحتمل للأزمة السورية,ففي ظل تنامي الدعم الداخلي في سورية للتدخل الدولي والذي يعد مؤشرا علي عمق يأس الشعب من مخارج أخري.لكن مفاعيل التدخل ستكون ممزقة في سورية بفعل نزاعها الطويل مع إسرائيل وروابطها الأمنية القوية مع إيران وحزب الله وهشاشة مؤسساتها,وتكوينها الاثني والطائفي المعقد وتشابكها العميق مع جيرانها العرب ومع تركيا ودول الخليج.وكلما كانت سورية أكثر تعرضا للتدخل الخارجي قبل حدوث الانتقال السياسي كان محتملا أن تصبح ساحة للتدخلات الأجنبية بعد الانتقال.. إجمالا يمكن القول إنه في ضوءضبابيةوتعقيدات المشهد السياسي السوري تبدو في الأفق مؤشرات استمرار النظام السوري في مناوراته مع الحلول المقترحة لحل الأزمة السياسية التي دخلت شهرها العاشر, ومن المتوقع أن تستمر المساجلات السياسية فترة ليست بالقصيرة بين سورية والقوي الدولية والإقليمية المؤيدة لنظام الأسد من جانب وبين أمريكا والقوي الغربية والإقليمية الداعية إلي تخلي الأسد عن السلطة والاستجابة لمطالب ثوار الداخل من حرية وعدالة اجتماعية.