من أهم طرق قياس قدرة الشعوب والمجتمعات علي النمو والتقدم هي قياس مستوي المبدأ الدستوري وتوافقه مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان, وكذلك المسافة بين المبدأ والقانون والمسافة بين القانمون وتطبيقه مع الإقرار بأنه لاتوجد في المسيرة الإنسانية تجربة تطابق فيها المبدأ مع القانون والقانون مع التطبيق, أذكر ذلك لكون أن اتساع المسافة هذه حالة عربيةيمكن رصدها في العديد من المجتمعات العربية وثانيا كوني أري أنه من الضروري أن يضع المجتمع المدني في مقدمة سلم أولوياته في المرحلة القادمة التركيز علي ضرورة أن يتوافق المبدأ الدستوري مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والعمل علي تقليل المسافة بين جوهر ومقصد المبدأ الدستوري من ناحية والقانون وتطبيقاته من ناحية أخري, فعلي سبيل المثال لدينا في الدستور المصري الحالي مباديء رائعة ولكن القوانين المنفذه لها تفقدها جوهرها وسوف أضرب هنا أمثلة علي اتساع هذه المسافة :
المثال الأول:الممارسة الحزبية بين المبدأ والقانون وتطبيقه:
المادة5من الدستور تنص عليللمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية وفقا للقانون ولاتجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أية مرجعية دينية أو أساس ديني أو بناء علي التفرقة بين الجنس أو الأصل.
ومن ناحية أخري أقر مجلس الشعب في يوليو2005 تعديلات علي قانون الأحزاب السياسية والواقع أن القانون رقم 177 لعام 2005 القانون الجديدأدخل عددا من الموضوعية والفضفاضة والتي تفرض قيودا لا موجب لها,والتي تسمح للحكومة وللجنة الأحزاب السياسية بمواصلة منع تأسيس الأحزاب السياسية الجديدة وبتقييد الأحزاب القائمة فعلي سبيل المثال يتضمن القانون الجديد أنظمة تؤثر علي مشاركة الأحزاب السياسية في الحياة العامة فقانون عام 2005 يحدد مثلا عدد الصحف التي يمكن للحزب إصدارها دون ترخيص باثنتين فقطأما القانون السابق فلم يكن يحدد عدد الصحف التي يمكن للحزب إصدارهاكما يزيد القانون الجديد من عدد الأعضاء المطلوب لتسجيل الحزبألف توقيع ومن شروط اتساع امتداد الحزب في البلاد عشر محافظات بحيث تضم كل منها خمسين عضوا علي الأقلوأن برنامج الحزب يجب أن يشكل إضافة إلي الحياة السياسية من حيث أساليبه وأهدافه وهي شروط فضفاضة تفتح الباب أمام العمال والفلاحين الموجود في القانون السابق, وبالإضافة لذلك أن القانون الجديد مازال يعطي سلطات واسعة للجنة الأحزاب السياسية فالقانون الجديد يعهد لهذه اللجنة بصلاحية دراسة إخطارات إنشاء الأحزابويحولها بالتعليق المؤقت لنشاط أي حزب قائم أو لنشاط قادته وإبطال أي قرار أو تصرف مخالف اتخذه الحزب, من خلال التشاور مع المدعي العام الاشتراكي, وذلك وفق مقتضيات المصلحة القومية أو في الحالات المستعجلة, ويبقي بإمكان رئيس لجنة الأحزاب السياسية أن يطلب من المدعي العام الاشتراكي إجراء تحقيق فيما إذا كان الحزب يخرق أحد معايير المشاركة في الحياة السياسية وعند اكتشاف مخالفه يمكن لرئيس اللجنة أن يطلب من مجلس الدولة حل الحزب وتصفية أمواله. يبقي أن تعلم عزيزي القاريء أن رئيس هذه اللجنة هو الأمين العام للحزب الحاكم!!يضاف لذلك أن عرض رفض لجنة الأحزاب لطلب التأسيس وكذلك المنازعات التي تثور داخل الحزب يتم أمام محكمة الأحزاب وهي دائرة من دوائر القضاء الإداري بمجلس الدولة مشكلة من مستشاري المجلس وأربعة من عناصر حكومية والأعجب أن قرارات أو أحكام هذه المحكمة لايطعن عليها.
إن السؤال الذي يجب أن نجيب عليه بأمانة وصراحة هو… هل أفرز قانون الأحزاب سواء السابق أو الحالي أحزابا حقيقية24 حزباتعكس الهرم السياسي المصري وتدير الحياة السياسية في مصر؟أعتقد أننا جميعا متفقون علي الإجابة وهي أننا إذا كنا راغبين في إصلاح سياسي حقيقي فنحن في حاجة إلي قانون جديد للأحزاب يعود بنا إلي روح الحياة السياسية فيما قبل يوليو 1952 لذلك أدعو إلي تعديل قانون الأحزاب بحيث ينص علي أن حق تأسيس الأحزاب يتم من خلال إخطار الإدارة بتأسيس الحزب ويعتبر الحزب قائم بمرور 60 يوما من تاريخ التقدم ما لم تعترض الإدارة إدارة تتمتع بالحيدة والمصداقية اللازمين لتفريغ أحزاب حقيقية طبيعية معبرة تعبيرا صادقا عن الهرم السياسي في مصر مع التأكيد علي حذر قيام أحزاب علي أساس ديني أو عنصري أو عسكري نتمني قانون أحزاب تختفي منه كل المعوقات الإدارية والسياسية.. قانون يسمح لكل ألوان الطيف السياسي أن تعبر عن نفسها وأن يترك للشعب الحكم والاختيار.
المثال الثاني:حق المواطنة بين المبدأ والقانون وتطبيقه:
ماذا يعني مفهوم المواطنة؟المواطنة تعني كما ذكرت دائرة المعارف البريطانية أنهاالعلاقة بين الفرد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق-متبادلةفالمواطنة هي وحدة الانتماء والولاء من قبل كل المكون السكاني في البلاد علي اختلاف تنوعه العرقي والديني والمذهبي للوطن الذي يحتضنهم وأن تذوب كل خلافاتهم واختلافاتهم عند حدود المشاركة والتعاون في بناء وتنميته والحفاظ علي العيش المشترك فيه.. ارتبطت نشأة مفهوم المواطنة بنشأة الفكر الليبرالي وأن صبغت في البداية بصبغة اقتصادية ثم مع نمو وتطور التجربة الإنسانية أضيف إليها البعدين الاجتماعي والسياسي فقد تطور مفهوم المواطنة مع تشكل الدول القومية الأوربية قبل قرابة المائتين سنة فالدولة القومية اتخذت لنفسها السيادة المطلقة داخل حدودها وأن أوامرها نافذة علي كل من يقطن داخل تلك الحدود الجغرافية ومن أجل منع استبداد الدولة وسلطاتها فقد نشأت فكرة المواطن الذي يمتلك الحقوق غير القابلة للأخذ أو الاعتداء عليها من قبل الدولة فهذه الحقوق هي حقوق مدنية تتعلق بالمساواة مع الآخرين وحقوق سياسية تتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي وحقوق ترتبط بالشئون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إذن المواطنة هي الحق الفردي لكل أبناء الوطن في تقرير مصير الوطن,والتمتع بكل خيراته في الخارج والداخل والمشاركة في الدفاع عنه-حق فردي لاتجوز فيه الإنابة لأي سبب من الأسباب.
الدستور المصري وحق المواطنة :في الدستور المصري الحالي مواد يرجي تفعيلها من أجل تكريس ونشر مفهوم وحق المواطنة :مثلالمادة1جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديموقراطي يقوم علي أساس المواطنة والشعب المصري جزء من الأمة العربية ويعمل علي تحقيق وحدتها الشاملةمادة8:تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنينمادة40المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة:لاتمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدةمادة46تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينيةمادة54للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلي إخطار سابق ولايجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون مادة64 سيادة القانون أساس الحكم في الدولة ومن ناحية أخري توجد مواد يرجي تعديلها أو إلغاؤها لكونها تمثل أزدواجية معايير فيما يتعلق بحق المواطنة مثلمادة2 الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومباديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع مادة11 تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية.
لذلك إيمانا بأن الديانة صفة المواطنين وليست صفة الوطن والدولة فإني أرجو رفع أي عبارات تصبغ الدولة بأي صبغة دينية من النصوص الدستورية وأتفق مع التعديل التالي للمادة2من الدستور بحيث تصبحمصر دولة مدنيةواللغة العربية لغتها الرسمية وتقوم الدولة علي رعاية المقاصد العليا للأديان ورعاية القيم الإنسانية النبيلة.
المثال الثالث:حق الاعتقاد بين المبدأ والقانون وتطبيقه.
تنص المادة 46من الدستور علي تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ومن ناحية أخري يحصر القانون وتطبيقاته, هذه الحرية في الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام, علي الرغم من أن التنوع الديني والطائفي في المجتمعات العربية يشمل أكثر من هذه الديانات.
المثال الرابع:حرية الصحافة بين المبدأ والقانون وتطبيقه:
تنص المادة206من الدستور عليالصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها علي الوجه المبين في الدستور والقانون, ومن ناحية أخري يقيد القانون هذه الاستقلالية من خلال تقييد حرية التأسيس والإدارة والاستمرارية بشروط عديدة وإجراءات مطولة :
1- يمنع القانون الأفراد من حق إصدار الصحف.
2- ألا يقل رأسمال الصحيفة اليومية عن مليون جنيه والأسبوعية عن 25 ألف جنيه.
3- ألا تزيد مساهمة كل مؤسس في رأس المال عن 10%.
4- ألا يكون بين المؤسسين قرابة حتي الدرجة الثانية.
5- إجراءات مطولة جمع المال المطلوب -فتح حساب-يتقدم وكيل المؤسسين بالطلب إلي مصلحة الشركات لفحصه, تقديم المشروع إلي المجلس الأعلي للصحافة أغلبه عناصر حكوميةالموافقة أو الرفض.
6- موافقة المجلس الأعلي للصحافة علي تعيين رؤساء تحرير الصحف الحكومية والحزبية والمستقلة.
7- موافقة رئيس تحرير الصحيفة لقيد الصحفيين العاملين في صحيفته في جداول النقابة.
من أجل ذلك نريد قانونا جديدا للصحافة:
* يتيح حرية إصدار الصحف خصوصا للأفراد ويضمن استمراريتها.
* أن يختار رؤساء تحرير الصحف القومية بالانتخاب المباشر بواسطة الصحفيين العاملين في كل صحيفة, علي أن يتحرر أعضاء مجلس الإدارة ورئيس التحرير من أي انتماء حزبي فور توليهم مناصبهم.
* أن تفسح الصحف القومية المجال لكل التيارات السياسية والفكرية بغض النظر عن الانتماء الحزبي.
وأيضا قانون جديد للإذاعة والتليفزيون
* ترفع عنه كل القيود التي تقف بين الإعلام وأداء رسالته بحرية واستقلال.
* يسمح بحرية امتلاك محطات إذاعة وقنوات تليفزيون.
* أن يتحرر أعضاد مجلس إدارة الإذاعة والتليفزيون التابعين للدولة من أي انتماد حزبي فور توليهم مناصبهم.
* أن يفسح إعلام الدولة المجال لكل التيارات السياسية والفكرية بغض النظر عن الانتماء الحزبي.
المثال الخامس:حق التقاضي بين المبدأ والقانون وتطبيقه:
تنص المادة68من الدستور علي أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلي قاضيه الطبيعي وتكفل الدولة تقرير جهات القضاد من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا ويحظر النص في القوانين علي تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.
ومن ناحية أخري تتيح الفقرة الأخيرة من المادة179من الدستور وكذلك المادة6من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة1966 للسيد رئيس الجمهورية نقل المدنيين إلي محاكمات عسكرية, وكما تعلم عزيزي القاريء أن في المحكمة العسكرية القضاة غير طبعيين وأحكامها غير قابلة للاستشكالجاري تعديل قانون الإجراءاتوقد أدانت منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية مثل هذه المحاكمات, مؤكدة علي أنالمحاكمات التي تجري أمام هذه المحاكم العسكرية تنتهك المقتضيات الأساسية للقانون الدولي للمحاكمات العادلة,بما في ذلك الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة شكل بموجب القانون والحق في تقديم استئناف إلي محكمة أعلي لذلك نريد قانون يمنع تحويل المدنيين إلي المحاكم العسكرية تحت أي سبب من الأسباب, وكذلك أن تتمتع أحكامها بحق النقض ويتمتع أعضائها بالحيدة والإستقلالية الكافية.
المثال السادس:مواد دستورية يفضل بل هناك ضرورة ملحة لنقل تفاصيلها من دائرة المبدأ إلي دائرة القانون:
1- المادة76 من الدستو,ر بحيث يقتصر المبدأ الدستوري علييتم انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الحر المباشر في انتخابات تعددية تنافسية ويعتبر فائزا المرشح الذي يحصل علي الأغلبية المطلقة لعدد من أدلوا بأصواتهم من الناخبين وفي حالة عدم حصول أحد من المرشحين علي الأغلبية المطلقة يعاد الانتخاب بعد زسبوعين بين الاثنين الحاصلين علي أعلي الأصوات, علي أن تنتقل شروط وإجراءات الترشح إلي القانون المنظم لها.
2- المادة179من الدستور بحيث يقتصر المبدأ الدستوري عليتعمل الدولة علي حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الأرهاب, علي أن ينظم القانون إجراءات الاستدلال والتحقيق التي تقتضيها ضرورة مواجهة هذه الأخطار علي أن ترفع الفقرة الثانية التي تنص علي تعطيل مباديء دستورية سابقة عليها وهي المواد (41,44,45) وتتصادم مباشرة مع حقوق الإنسان ومعاييرها الدولية.
هناك العديد من الأمثلة التي يمكن ضربها علي الخلط بين المبدأ والقانون وكذلك علي اتساع المسافة بين المبدأ الدستوري والقانون المنظم له ولكن سوف أكتفي بهذه الأمثلة أملا من قوي التغيير سواء في قوي الواقع أو في المعارضة وبصفة خاصة مؤسسات المجتمع المدني التركيز وبذل المزيد من الجهود والضغط في اتجاه الإعلاء من شأن المبدأ بحيث يكون دائما متوافقا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ورفع الخلط بين المبدأ والقانون وتقليل المسافة بينهما حتي تكتسب المباديء الدستورية المصداقية الكافية وتكتسب القوانين الاحترام الكافي ولكي ننتقل إلي مصاف الدول التي تتمتع بالقدرة علي النمو والتقدم.