تابعنا وتابع العالم كله اندلاع ثورة الشباب المصرية التي انطلقت مع بذوغ فجر 25 يناير 2011. ثمانية عشر يوما من النضال المتواصل كتب شبابنا سطورا جديدة مشرقة من تاريخنا المعاصر بحروف من دم ونور علمت العالم كيف تحقق الشعوب تغيير أوطانها واستعادة حريتها من خلال مبدأ اللاعنف ورفع شعار الصمود والإرادة في نيل الحقوق والمضي نحو الكرامة والحرية والتقدم, وانطلقت شرارة الثورة لتعم عدة بقع في الوطن العربي من الجزائر إلي البحرين وإيران واليمن, فمصر دائما في قلب الأمة العربية وبنهوض القلب ينهض الجسد. فكما تدرس الكليات الحربية في العالم منظومة حرب أكتوبر 1973 دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما بلدان العالم كي تتعلم من شباب مصر كيف يحدثون التغيير المنشود من خلال الكلمة وروح المثابرة وليس الفوضي والتخريب. إن الشعب المصري تكلم وأصواته سمعت ولن تكون مصر أبدا هي نفسها التي كانت من قبل. لقد صار مجتمعنا الآن يتطلع إلي أمور معينة هي إمكانية التعبير عن أفكاره وإبداء رأيه بشأن الطريقة التي يحكم بها, والثقة في دولة القانون والممارسة النزيهة للقضاء, وإجراء انتخابات مؤسسة علي مبدأ تكافؤ الفرص وحكومة شفافة خالية من الفساد وحرية العيش كما يحلو له, إن ثورة شباب مصر حققت عدة مكاسب عجزت قيادات وأحزاب عريقة وجمعيات علي تحقيقها فلا أحد الآن له الحق في سلب هؤلاء من هذا المجد الذي حققوه, وعلينا أن نتعلم جيدا دروسا أخرجتها ثورة الشباب كما وصفتها عدة جهات, من بينها الحقيقة الوحيدة التي تغافل عنها الكثيرون وهي العلاقة مع الله, ومدي هذه العلاقة وعمقها وحميميتها. فالاتكال المطلق يكون علي الله وحده وعدم الاتكال علي بشر أو مال أو نفوذ أو حالة اجتماعية كما نقرأ في المزمور: لا تتكلوا علي العظماء, علي بني البشر الذين ليس عندهم خلاص لأنهم من تراب يومئذ تهلك جميع تدابيره (مز145). ثانيا: الإيمان بالعناية الإلهية ومشيئة الله, فأحيانا كثيرة نريد أن يكون المستقبل بأيدينا وليس بيد الرب ولكن لابد أن نعرف أن الله يعيننا, ويعني ذلك أن عينه علينا ساهرة لا تهتموا وتقولوا ماذا نأكل وماذا نشرب فهذا يطلبه الوثنيون, فالله هو الذي يعيننا وهو الذي يعرف ما تحتاج إليه وأبوكم السماوي يعرف أنكم تحتاجون إلي هذا كله. اطلبوا أولا ملكوت الله ومشيئته لا تهتم بأمر الغد.. فالغد يهتم بنفسه ولكل يوم من المتاعب ما يكفيه (متي 6: 23). نحن فخورون بالشباب وبثورتهم وحيويتهم, لهذا علينا الاهتمام بالشباب والإصغاء إليهم في الكنيسة والعائلة, نصغي إلي أفكارهم وطلباتهم, فالشغل الأول للأهل هو توفير الاحتياجات المادية للأبناء والجانب التعليمي لهم, ولكن هنالك ضعفا في الإصغاء للأبناء, كذلك مساعدة الشباب في الحياة العامة خصوصا في إيجاد عمل حتي في وقت الصعوبة لابد أن نساعد شباب المجتمع ككل ليس فقط أبناء كنيستنا.
والدرس الرابع لثورة اللوتس ألا نتهمش عن المجتمع فالأحداث تثبت أننا لا يمكن أن نهمش أنفسنا ولابد أن نتشارك وننخرط في الحياة السياسية كما يجب أن تكون لدينا الثقافة السياسية المناسبة والتي تؤهلنا لمشاركة فعالة داخل مجتمعنا. مازال الكثير منا ليست لديه معرفة بتكون الأحزاب السياسية في مصر وطبيعتها وتوجهاتها, فالكثيرون علي سبيل المثال لا يعرفون الفرق بين حزب الوفد وجماعة الإخوان علي عكس ما يحدث في لبنان. فالمواطنون هناك ذات معرفة سياسية كبيرة من حياة حزبية وبرلمانية داخل مفترقاتهم السياسية. لابد أن نعرف ما يحدث حولنا (وهذه من تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني). كذلك تغيير النظرة الاستهلاكية المستفزة لنظام معيشتنا وحياة البذخ الصارخ والاستهلاك. نحن لا نعطي لهم شهادة حسنة ومثالا صالحا. فهناك منطقة عشوائية حدودية علي كل مدينة جديدة يتم إنشائها, والإنجيل يعلمنا أن كل شئ مشترك بيننا وبين الآخرين وإعطاء مرتبات تغطي احتياجات الإنسان, لقد تعالت الهتافات الاحتجاجية في ميدان التحرير عيش وحرية وعدالة اجتماعية العدالة الاجتماعية هذه الكلمة استعملتها الكنيسة منذ خمسين سنة. وعلينا إذن الاهتمام بالفقراء والمعدومين. (تعاليم الكنيسة الاجتماعي). كذلك أن تكون علاقتنا مع إخوتنا المسلمين في الوطن الواحد طيبة, والابتعاد عما تروجه الفضائيات من روح كره وضغينة نحو الآخر, فما نطلبه دائما هو الثبات في الإيمان ومن هذا المنطلق أتعامل مع الآخر بكل محبة, وأشهد للمسيح وأحاور بكل محبة. وأخيرا علينا رفع الصلوات علي نية وطننا مصر.
رئيس المكتب الصحفي
للكنيسة الكاثوليكية