يعرف الفلاسفة الإنسان بأنه حيوان عاقل
وهذا يعني أن الإنسان كائن حي زائد ملكة الفكر والعقل التي تميز الإنسان عن سائر الخليقة الحية.
والعقل يدفع الإنسان للتفسير ومحاولة الفهم.
والإنسان الأول أو البدائي كان كائنا ضعيفا ومن ثم خائفا إزاء ظواهر الطبيعة القاهرة من زلازل وبراكين ورعد وبرق وأمطار وسيول وانهيار للتربة.
في ظل هذه الحالة من القلق والترقب والخوف شطح خيال الإنسان في سعي دءوب لتفسير هذه الظواهر التي لاقبل له بها فكان أن أضفي علي الطبيعة وظواهرها صفات خارقة وقدرة فائقة,ونظر إليها علي أنها قوي روحية إلهية تتحكم فيه وفي مصيره كإ نسان.
من هنا نشوء الأسطورة كتفسير خيالي لظواهر الطبيعة وإقرار وإيمان بفاعليتها في حياة الإنسان المحكوم بها.
وكان السؤال الملح كيف نتجنب غضب الآلهة وكيف نحوز رضاها عنا؟
هنا ابتدع الإنسان الدين بقواعده وطقوسه وعقائده ,وبالتالي رسم الطريق أمام الإنسان فيما يجوز فعله وقوله وما لايجوز بكلمة واحدة نشأت الدوجما التي تعني مجموع العقائد التي نعتقد في صحتها اعتقادا أكيدا جازما.
ويترتب علي هذا أن تحكم الدوجما سلوك الإنسان العملي,ولما كانت الدوجما بهذا المعني إيمانا جازما ,صحته أكيدة فإن الخروج عليها بل مجرد إعادة التفكير فيما يعد خروجا علي الدين ومستوجبا غضب الآلهة.
من هنا مقاومة المجتمع ورجال الدين لكل جديد والنظر إليه علي أنه خطر علي العقيدة ,فعلينا السير في طريق الآباء وبالتالي تقديس واحترام وتبجيل كل ما هو قديم ورفض كل ما هو جديد.
هنا يظهر مصطلح الأصولية وهذا اللفظ مشتق من الأصل والأصول بمعني الوقوف عند القديم وعدم تجاوزه.
ولو أدي النظر العقلي والتفكير إلي رأي وحكم مخالف لما قالت به الأصولية,علينا التنكر للنظر العقلي وبراهينه والالتزام بما قررته الأصولية,ومن ثم عقاب من جرؤ علي مخالفة الأصول القديمة.
وهذا ما حدث في القرن الخامس قبل الميلاد مع أنكساجورس حين ذهب إلي أن القمر أرض بها جبال ووديان وأن الأجرام السماوية مجرد أجسام ملتهبة لاتختلف عن الأجسام الأرضية.
هنا أنكساجورس اصطدم مع الأصولية الدينية التي كانت تقول بأنه كل ما هو سماوي هو إلهي,فاتهم بالإلحاد مما اضطره إلي مغادرة أثينا.
هنا الأصولية بالإضافة لكونها تمسكا بالأصول والأعراف والعقائد القديمة,فإنها ضد أعمال العقل وضد التغير والتجديد مما يعني تحجر المعرفة وتجمدها وعدم تطورها,وبالتالي فإن الأصولية ضد الحضارة الإنسانية التي تعني إضافات متراكمة وتجديد مستمر وتطور دائم.
فهي تغلق الباب دون مسار الحضارة بتراكمها المعرفي وتجددها وتجديدها وتطورها.
ولعل هذا ما حدث مع ابن رشد حين أراد إيجاد حل لمعضلة التناقض الظاهري ما بين الشرع والعقل ,فأبدع نظرية التأويل كحل لهذه الإشكالية والتي فيها ذهب إلي إمكانية رفع هذا التناقض من خلال تأويل النص الديني لينسجم مع العقل,وبالتالي يسمح ويجيز استمرارية المعرفة وتراكمها.
هنا اصطدم ابن رشد بالمؤسسة الأصولية التي رأت في إبداعه الأصيل خروجا علي صحيح الدين,فنفي إلي أليسانة وأحرقت مؤلفاته.
وذات التصرف حدث مع جالليو حين أيد نظرية
كوبرنيكوس القائلة بدوران الأرض حول الشمس,علي العكس من الاعتقاد السائد, فنظرت إليه الأصولية الدينية ممثلة في الكنيسة الكاثوليكية علي أنه خارج علي الكتاب المقدس وأجبر علي إنكار القول بدوران الأرض.
من كل ما تقدم نخلص إلي أن الأصولية موقف يرتد إلي الماضي ويقف عنده ولايتجاوزه ومن خلاله ينظر إلي المعرفة في تجديدها وتغيرها وتطورها نظرة إنكار ورفض مما يعني تحجر وجمود المعرفة وبالتالي فإن الأصولية ضد الحضارة الإنسانية إذا العلاقة بين الحضارة والأصولية علاقة تضاد فماذا عن علاقة الحضارة بالعلمانية؟
العلمانية لغويا من العالم فهي علمانية بفتح اللام ويرجع هذا المصطلح إلي فترة العصور الوسطي ,إذ أطلق علي الكاهن الذي يتحمل مسئولية إبراشية,فيقال عن الكاهن في هذه الحالة أن الكاهن تعلمن وهذا يعني أن الكاهن أصبح لايهتم فقط بالأمور الروحية,بل عليه بحكم إدارته للإبراشية أن يهتم بأمور دنيوية زمنية.
إذا فالعلمانية ترد إلي العالم وشئون وقضايا العالم المعيش,فهي منهج أو مذهب في المعرفة تحصر النظر في حدود العالم المادي المعيش وبالتالي تصرف النظر عما يند ويتجاوز هذا الواقع.
فما هو وراء الوجود المادي رغم إقرارنا بوجوده,لانملك عنه معرفة علمية وعلي هذا فمجاله هو الإيمان والتسليم.
بهذا المعني العلمانية ليست ضد الدين وليست دعوة إلحادية ولكنها تفرق بين مايستطاع معرفته معرفة علمية وبين مالا يستطاع.
الأول علم والثاني إيمان وبالتالي تنكر العلمانية إمكانية امتلاك الحقيقة المطلقة فتقر بالنسبية والتغير مما يدفع بحركية واستمرارية وتطور المعرفة وعدم تحجرها.
ومن ناحية أخري يعني إنكار إمكانية امتلاك الحقيقة المطلقة إقرارا بالتعدد والاختلاف وبالتالي الإقرار بعقائد للآخرين وحقهم في أن يختلفوا فتنتفي الحرب والصراع باسم امتلاك الحقيقة المطلقة ومن ثم فإن العلمانية منهج للسلام والتعايش بين الشعوب المختلفة ذات العقائد المختلفة.
والعلمانية بهذا المعني تنسجم مع مسار الحضارة الإنسانية,بل هي العامل الرئيس في دفع مسار الحضارة وتطورها.
.. العلمانية حضارة والأصولية وأد للحضارة .
[email protected]