حالة من القلق الشديد دخلها المجتمع بعد إعلان الثوار اعتصامهم والبحث عن خطوات للتصعيد للمطالبة بالإسراع بتحقيق أهداف الثورة التي وجدوا أن الحكومة متراخية في إنجازها ثم الإعلان عن العصيان المدني بدءا من إغلاق مجمع التحرير والتهديد بإغلاق مترو الأنفاق ومبني التليفزيون في القاهرة ومحاولة إغلاق البورصة في الإسكندرية ثم الحالة الأشد خطورة التي كانت في محافظة السويس بإغلاق طريق العين السخنة ومنع الوصول للميناء ثم التهديد بإغلاق قناة السويس الأمر الذي خرج إلي النطاق الدولي قناة السويس التي تمثل المرتبة الثانية من الدخل القومي المصري بعائد يقدر بـ500 مليون دولار.
أصيب المواطنون بحالة من الخوف من دخول البلاد إلي المجهول وماذا لو دخلنا إلي مرحلة من الرفض لكل ما يقدم من الحكومة وماذا عن ذلك الضغط الشعبي علي سير المحاكمات وهل بالفعل لا يريدون الأموال المنهوبة التي لن تعود إلا بالمحاكمات العادلة وليست العاجلة.
عشرات الأسئلة باتت تلح علي عقول المصريين لا اقتصاد مستقر ولا أمن محقق وحالة وصفها المراقبون بالخطيرة.
قال الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إنه في ظل كل الأحداث المتواترة التي تحدث وظهور بيان القوات المسلحة كان له من النقاط الإيجابية اثنان, إلا أن حدة الصوت وبعض إشارات التحذير التي استخدمت كان لها أثرها السيئ الذي قد يجعل البعض يغفل عن النقاط الإيجابية التي إذا ركز بها الجماهير وهذه النقاط الإيجابية الأولي منها الإقرار لأول مرة بوجود مبادئ فوق دستورية مثل المواطنة والمساواة والدولة المدنية, وهذا يجعلنا لا نتخوف كثيرا من إجراء انتخابات أولا قبل الدستور, ذلك ضمانا لتأسيس دولة مدنية.
وبخصوص اللجنة التأسيسية للدستور ستكون ليس بالضرورة من منتخبي مجلس الشعب الجديد, أيا كانت اتجاهاتهم, بل ستكون مسندة بالأكثر للقوي المدنية وأري أن هناك استجابات من المتظاهرين لهذه البيانات حتي وإن كانت ضئيلة.
توقع الدكتور عماد جاد أنه من ضمن التغييرات المقبلة أن يتولي وزارة الداخلية إحدي قيادات الجيش لأنها الطريقة الوحيدة للقضاء علي الانفلات الأمني المتفشي حاليا هو الجيش لما له من هيبة, هي المتبقية حتي الآن.
ويبقي السؤال: إن كان هذا هو الحل للقضاء علي الفوضي العارمة التي نعيشها كل يوم, لماذا يتم التفكير في قرار مثل هذا من زمن؟
ويؤكد جورج إسحق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أن هناك خطوطا حمراء لابد من عدم الاقتراب منها, فهي خطر للغاية مثل قناة السويس فأي مساس بها يعد مساسا بالأمن القومي لأن هناك من يتربص بنا من الأعداء, وكل ذلك يؤثر سلبيا علي الفقراء, فمثلا مبني مجمع التحرير الذي يقصده ذوو المعاشات والجوازات لمن يريد السفر للعلاج أو العمل مثل الجميع يحتاجه وكذلك قطع المواصلات فهو أمر شديد الخطورة لأن في ذلك عقاب للشعب المصري, ولكني رغم كل ذلك مع الاعتصام حتي تتحقق مطالبهم ولكن بما لا يضر بمصلحة المواطن.
البورصة تخسر 21 مليار جنيه
تسبب استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد, عقب تعرض محطة غاز البلوف بمنطقة الطويل, جنوب العريش, للتفجيرات في انهيار الأسهم بالبورصة خلال تعاملات اليوم الثلاثاء, ليتواصل المشهد الدامي لليوم الثالث علي التوالي, وواصلت الأسهم تراجعاتها الحادة عقب تصاعد الأحداث التي وصلت إلي حد منع المتظاهرين دخول السماسرة والموظفين مبني البورصة بالإسكندرية.
اضطرت القوات المسلحة إلي تكثيف تواجدها حول البورصة وتم تعزيز التواجد الأمني حول المبني الرئيسي بـ5 مدرعات خشية وصول البلطجية إلي المبني.
وأصيب المستثمرون الأجانب والمصريون الأفراد بحالة ارتباك عقب توتر الحياة السياسية واتجهوا إلي البيع المكثف, مما دفع الأسهم إلي خسارة نحو 11 مليار جنيه ليصل بذلك ما فقدته الأسهم خلال جلستين إلي 21 مليار جنيه ووصلت القيمة السوقية إلي 375 مليار جنيه.
خسائر الاقتصاد
وذكرت دراسة حديثة أعدها معهد التخطيط القومي أن الخسائر الإجمالية للاقتصاد المصري منذ بداية أحداث الثورة حتي منتصف مارس تقدر بنحو 37 مليار جنيه, بسبب توقف عدد كبير من الشركات المصرية المنتجة والمصانع الكبري بالمدن الصناعية وتخص تحويلات المصريين بالخارج التي تمثل 8% من الناتج القومي المصري وانخفاض الصادرات السلعية نحو 6% في الشهر الأول من الأزمة ووصل إلي 40% حاليا غير سقوط قيمة الجنيه المصري أمام الدولار واليورو والين الياباني وغيره.
رصدت الدراسة خسائر كل قطاع علي عدة حيث أكدت أن خسائر قطاع السياحة وصلت إلي 3 مليارات دولار حتي الآن ما يعادل 18 مليار جنيه نظرا لتناقص عدد السياح والسياحة العالمية بعد ثورة 25 يناير, والجدير بالذكر أن قطاع السياحة يمثل 31% من الناتج القومي الإجمالي ويعمل به نحو 3.5 مليون عامل.
مبادرة المصالحة واسترداد الأموال
هذه المبادرة التي أطلقها الدكتور يحيي الجمل التي تؤيد المصالحة لاسترداد الأموال المنهوبة التي أخذ تجربة جنوب أفريقيا نموذجا لها بات من الضروري التفكير بها خاصة بعد تصريحات رئيس مجلس الوزراء بأن استرداد هذه الأموال سوف يستغرق ما بين 15 إلي 19 عاما والأمر الأخطر الذي يجب أخذه في الاعتبار هو الضغط الشعبي بخصوص سير العملية القضائية مما قد يعيق قدرتنا علي استعادة هذه الأموال.
عن هذه المبادرة قال المستشار بهاء الدين أبوشقة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد, إن عملية استرداد الأموال التي تحصل عليها رموز النظام السابق بمن فيهم الرئيس السابق وزوجته ونجلاه وأصهاره سوف تستغرق سنوات طويلة, وأن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي وقعت عليها مصر, تشترط صدور حكم قضائي بات ونهائي لاستعادة الأموال والممتلكات التي خرجت بطرق غير مشروعة, وسوف تستغرق عملية التقاضي ما يتراوح بين ثلاث وخمس سنوات من الآن, ثم تبدأ الحكومة في مخاطبة الدول الأخري من أجل استعادة تلك الأموال والممتلكات, وتقوم بدورها بالتحقيق في القضية, مما يستغرق سنوات طويلة, تكون فيها هذه الأموال مجمدة ولا يستطيع الشعب المصري الاستفادة بها.
وأضاف أبوشقة أن الفلسفة العقابية للقوانين توازن ما بين حق المجتمع وحق المتضرر, أو المجني عليه, الذي يعتبر في الحالة الحالية هو الشعب المصري, وأن المتضرر أو المجني عليه في حاجة شديدة لتلك الأموال, لإقامة مشروعات وإنعاش الاقتصاد وتوفير فرص عمل ودفع رواتب العاملين في الدولة. والأولي أن يتم التصالح مع المتهمين مقابل سداد ما تحصلوا عليه دون وجه حق, وهذا حق المتضرر, أما حق المجتمع فيتمثل في إنزال عقوبة عليهم, وفي حالة السداد سوف يصدر ضدهم أحكام بالسجن مع إيقاف التنفيذ, وفي حالة العودة للجريمة نفسها أو ارتكاب جريمة أخري يتم تنفيذ العقوبة ضدهم, ومحاسبتهم علي الجريمة الجديدة.
اتفق معه د. مختار الشريف الخبير الاقتصادي أن الأموال المنهوبة من مصر في عهد النظام السابق التي جري تهريبها للخارج لن تعود إلي البلاد قبل 15 عاما علي الأقل, ودعا إلي ضرورة التصالح مع رجال الأعمال والوزراء الذين يثبت تورطهم في الفساد حتي نسترد الأموال, والدولة ممثلة في المجلس العسكري عليها أن تقر قانونا للمصالحة مع الفاسدين حتي تسترد الأموال في أسرع وقت لأن الدول التي سيثبت وجود الأموال المنهوبة بها لن ترد الأموال إلا بعد وجود أحكام قضائية تصدر من القضاء الطبيعي, كما أن هذه المحاكمات القضائية سوف يجري إعادتها في هذه البلدان وبنفس درجات التقاضي حتي يتم التأكد من عدالة هذه المحاكمات.