كابوس حقيقي ولغز لم تكشف أسراره بعد, فمنذ يوم 28 يناير هناك علامات استفهام تدور حول تفسير الانسحاب الأمني غير المبرر من ساحات ميدان التحرير وشوارع المحافظات وعدم تأمين المواقع شديدة الحساسية.
التكهنات التي جعلت الأمر برمته في أيدي الخارجين عن القانون لارتكاب أحداث من شأنها تشويه صورة مصر واهتزاز وضعها دوليا, التي كان آخرها التعدي علي مبني وزارة الداخلية واقتحام السفارة الإسرائيلية, ولا نعلم أين كانت الشرطة وأين ذهبت عناصرها؟ وهل ضاعت هيبة الدولة مما دعا المجلس العسكري للإعلان عن إضافة بنود جديدة لتفعيل حالة الطوارئ وسط ردود أفعال متباينة ما بين مؤيد ومعارض للقرار.
معاقبة للشعب
قالت فريدة النقاش – رئيس تحرير جريدة الأهالي: هناك اتجاه داخل جهاز الشرطة وفي بعض أوساطها يسعي لما يسمي بمعاقبة الشعب المصري بعد فضح أساليبها في تعذيب المتهمين بالسجون وأقسام الشرطة بشكل عام قبل ثورة 25 يناير, وعندما ضغطت الحركة الجماهيرية علي اللواء منصور عيسوي وزير الداخلية أحال فقط 500 من ضباط للاستدعاء رغم أن هناك عشرات الآلاف من الضباط ينتهجون نفس الممارسات الخاطئة في حق المواطنين, فللأسف سقط رأس النظام وسقط عد كبير من أفراده وبقي جهاز الشرطة كما هو وقرر معاقبة الشعب المصري.
وعن مسألة ضياع هيبة الأمن ممثلا في وزارة الداخلية نتيجة الانسحاب الأمني وسط الأحداث أضافت فريدة النقاش: ينبغي علي الجيش أن ينأي بنفسه عن هذه القضية لكونه يحظي بتقدير من قبل الشعب المصري لموقفه المسرف أثناء الثورة, وبالتالي عليه الإسراع في بحث قضية إعادة بناء جهاز الشرطة.
ولا أظن أن هذا القرار هو الوسيلة لضبط الخارجين علي القانون, والدليل أنه طيلة الـ30 عاما الماضية من حكم مبارك قامت الاحتجاجات الاجتماعية والمظاهرات وصولا إلي ثورة 25 يناير التي قامت رغم وجود حالة الطوارئ, لذلك فالوصول إلي الاستقرار يقتضي أمرين أولهما وجود نظرة سياسية جديدة وثانيا إعادة بناء جهاز الشرطة.
الانسحاب غير متعمد
أوضح اللواء فؤاد علام – الخبير الأمني ووكيل جهاز أمن الدولة الأسبق: مسألة الانسحاب الأمني وسط الأحداث أمر غير صحيح, فما حدث يوم 28 يناير هو فقدان وسيلة الاتصال بين القيادات والقواعد الأمنية نتيجة لانقطاع الإنترنت والاتصالات ليصل الأمر إلي حد تصرف كل في موقعه من تلقاء نفسه.
ولا نغفل بعد تنحي الرئيس السابق تدمير 99 قسم شرطة و11 سجنا وهروب أكثر من 22 ألف سجين مع الاستيلاء علي كافة الأسلحة وكل هذه العوامل تسببت في ما يسمي بالعجز في قدرات الشرطة خاصة مع هروب أفراد شرطة مجندين منذ بداية الأحداث وحتي الآن, وحتي نستعيض ذلك العجز نحتاج لوقت.
وأضاف اللواء علام: الشرطة علي عكس ما يقال طبقا لتصريح اللواء منصور عيسوي أن الشرطة في تواجدها أكثر مما كانت عليه منذ 25 يناير, فإننا نعيش في حالة انفلات أمني يقابلها تزايد لعمليات لبلطجة في ظل شرطة منسحبة نتيجة وجود حوالي 300 ألف أو 350 ألف مسجل خطر يعيثون في الأرض فسادا ويقلدهم شباب كثيرون, ولكن ما يؤسفنا هو تصور القوي السياسية بأن الأمر متعمد من قبل الشرطة مما ينعكس بالسلب في زيادة الهوة بين الشرطة والشعب.
المعادلة صعبة ومتفقون أننا في حالة غير مستقرة وعلينا مواجهة السلوك الإجرامي قبل الدخول للانتخابات, وهذا ما يدعنا نقول إن تفعيل حالة الطوارئ لم يكن الحل فقانون الطوارئ من الأساس سمعته ليست طيبة ومرفوض شعبيا لذا أقترح علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إعادة النظر لإصدار قانون مكافحة الإرهاب والذي تقاعس النظام السابق عن إصداره أو العمل علي صدور قانون جديد يجرم ظاهرة السلوك الإجرامي حتي لا يثير قرار تفعيل حالة الطوارئ حفيظة المواطنين.
مبرر ولكن
قال الدكتور جمال عبدالجواد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: الأداء الضعيف في الوقت الراهن مبرر ومفهوم بعد الهزيمة التي لحقت بالأمن بعد الثورة وما تعرض له جهاز الشرطة بالكامل وتحويلهم إلي متهمين, وأصبح هناك اضطراب شديد في تعريف دور جهاز الأمن: هل يطلق الرصاص أم لا؟ هل يلتزم بالأوامر أم يناقشها؟ وهذه أسباب تضعف أي جهاز أمني وتدمر ما لحق به, فحتي وجود دليل علي أن هذا الانسحاب مقصود, فطبقا للتحليل السياسي والضميري أقبل حجة أن انسحاب الأمن يعود كما يبررون ذلك لتجنب الصدام مع المتظاهرين مثلما حدث قبل ذلك مثل أحداث البالون وأن الموقف المتشدد بعد هذه الأحداث هو عمل صادق بوجه عام.
أما بالنسبة لقانون الطوارئ فهو جاء بناء علي تغيير اتجاه الرأي العام حيث أرق الشعب من الانفلات الأمني والبلطجة وأصبح مستعدا لتأييد أي تيار يستطيع أن يحكم البلد وهذا الموقف استفاد منه المجلس العسكري في تأييده الكامل في تطبيقه وتشديد قبضته, وأن كان وجود الأمن والقبضة الأمنية شيء مطلوب ولكن اتخاذه ذريعة لتعطيل عملية التطور الديموقراطي في أقصي حالات مصر من لتطور خطأ فادح.
أضاف عبدالجواد: أحمل المسئولية علي النشطاء السياسيين الذين دعوا إلي التظاهر في جمعة تصحيح المسار لأن من نظم هذه المظاهرة عليه أن يبذل جهدا للسيطرة عليها وإدارتها مع مراعاة الظروف السياسية واحتمال تسلل متآمرين يريدون عمل انتفاضة لتحويل التيار الذي اتخذته مصر وتوجيه الأمور إلي الفشل.
أما الحل فيتمثل في وجود قانون لتنظيم التظاهر في مصر.
تواطؤ لاستخدام لعودة الأمن
قال عصام الشريف المنسق العام للجبهة الحرة للتغيير: انسحاب الأجهزة الأمنية أثناء الهجوم علي السفارة الإسرائيلية وتركها للمتظاهرين يهدمون الجدار العازل ويقتحمون مبني السفارة, أولا هذا يرجع إلي الغضب الشعبي مما حدث للجنود المصريين علي الحدود المصرية – الإسرائيلية حيث لم يجد المواطن أي رد لكرامة المصري.
والحل لمواجهة عدم عودة الأمن إلي ما كان هو توحيد جهود القوي السياسية من أجل رفض قانون الطوارئ والتأكيد علي أن مجلس العسكري يحظي بالتأييد من ميدان التحرير, وعليه أن يسلم البلاد إلي سلطة مدنية بأقصي سرعة والتأكيد للشعب أن أي مطلب منذ الثورة لم يتحقق إلا من خلال الحراك الشعبي والضغط حتي يستجيب لمطالبنا.