أعاد صدور الإعلان الدستوري الجدل السياسي والقانوني في المجتمع الذي ظهر مؤخرا عقب التعديلات الدستورية, حيث عبر خبراء القانون والسياسيون عن عدم رضاهم من خطوات إدارة المرحلة الانتقالية والتحول الديموقراطي, واعتبروا أن المرحلة الراهنة التي تمر بها البلاد هي مرحلة مرتبكة وغير واضحة المعالم , وأن فترة وجود المجلس الأعلي للقوات المسلحة في الحكم قد تطول بالرغم من الإعلان المبكر علي تحديد فترة لا تزيد عن 6 أشهر كمرحلة انتقالية لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.
تضمن الإعلان الدستوري الجديد 62 مادة دستورية بالإضافة إلي مادة النشر, ويحتوي علي مباديء فوق دستورية مهمتها تحديد شكل الدولة وسيادة القانون, مع العلم أن هذه المباديء ثابتة ولا تتغير, وتنص المادة الأولي علي أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديموقراطي يقوم علي أساس المواطنة, والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة, كما نص الإعلان الدستوري علي حرية الصحافة وسيادة القانون مع إلغاء الرقابة علي الصحف وكافة وسائل الإعلام, وحظر إلغاء أي وسيلة إعلامية بأي طريقة إدارية, وأيضا الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات, وتقليص سلطات ومهام مجلس الشوري, وألا يمثل مجلس الشوري عائقا أمام أي تشريعات جديدة.
وفي أول رد فعل علي الإعلان الدستوري انتقد شباب ائتلاف ثورة 25 يناير الإعلان الدستوري لعدم مساسه بالصلاحيات الهائلة التي تمتع بها رئيس الجمهورية في دستور 1971 وعدم إلغاء كوتة المرأة ومجلس الشوري , إلي جانب أن الإعلان لم يتضمن المطالب التي يري الائتلاف وجوب تنفيذها العاجل, مثل حق إنشاء النقابات والجمعيات وإصدار الصحف بإخطار جهة قضائية مختصة وحل المجالس المحلية.
وأكد الشباب أن مهمة الائتلاف خلال المرحلة المقبلة الدعوة الملحة لوضع دستور جديد, والعمل علي استمرار تحقيق مكتسبات الثورة وحراستها, والمشاركة في محاولة التأسيس لحياة سياسية سليمة في مصر.
إعلان دستوري أم دستور كامل؟
من جانبه قال الدكتور حسام عيسي أستاذ القانون بجامعة عين شمس إن المجتمع يواجه مشكلة حقيقية, حيث إنه لا يجوز أن يتم إجراء انتخابات مجلس الشعب أو انتخابات رئيس الجمهورية في ظل إعلان دستوري, وإنما لابد من وجود دستور واضح ومحدد المهام ينظم ويحدد مهام كل من مجلس الشعب ورئيس الجمهورية, وأن أي بلد يشهد عملية تحول ديموقراطي يتم فيه وضع إعلان دستوري مؤقت به مواد عامة تحدد سياسات عامة للدولة, بينما ما حدث هو إعلان دستوري مطول أقرب إلي الدستور الكامل.
أوضح د.حسام عيسي أن ما يحدث حاليا في إدارة البلاد غير واضح, حيث عقب سقوط النظام أعلن السياسيون وأساتذة القانون أن دستور 1971 سقط بسقوط النظام , وأنه لابد من وضع دستور جديد, ثم أعلن المجلس الأعلي للقوات المسلحة عن تعديلات دستورية , وحينما تمت الإشارة إلي أن هذا الأمر يعيد الروح لدستور 1971 تم إلغاء الدستور ووضع إعلان دستوري به المواد التي قام الشعب بالاستفتاء عليها وإضافة مواد أخري اليها, وبالتالي لم يكن من المجدي عمل التعديلات الدستورية لأن الشعب اختار مواد في هذا الإعلان الدستوري ولم يختر البعض الآخر ووضعها المجلس الأعلي منفردا وبالتالي كان ينبغي من البداية إصدار هذا الإعلان بالرغم من الاختلاف حول مواده.
وعبر د.عيسي عن رفضه لإجراء انتخابات مجلس الشوري بعد انتخابات مجلس الشعب, لأنه في ظل الظروف الحالية لماذا الإصرار علي عقد انتخابات مجلس الشوري وتحميل ميزانية الدولة أموالا إضافية, فلابد من تقليل العجز في الموازنة عبر تقليل المصروفات, وهو الأمر الذي ينبغي الاهتمام به والنظر إليه بجدية.
دعا د.عيسي إلي ضرورة البدء في تأسيس جمعية منتخبة لوضع دستور جديد , وأن ياتي الرئيس القادم ليحكم البلاد في ظل هذا الدستور, لأن الشعب عليه أن يضع الدستور, ثم يأتي الرئيس ليعمل وفق ما هو موجود, لأنه من غير المقبول أن تكون بداية مرحلة انتقالية جديدة في المجتمع عقب ثورة شعبية من خلال مرحلة مرتبكة يتم كل يوم تبديلها.
الانفراد بالقرار
وفي هذا الإطار قال حسين عبد الرازق عضو المجلس الرئاسي لحزب التجمع إنه للمرة الثالثة يقوم المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإصدار قرارات مهمة دون التشاور مع المجتمع أو القوي السياسية, فالإعلان الدستوري صدر قبله قانون الأحزاب وقانون التظاهر, ولم يتم إجراء أي حوارات حول هذه القوانين أو حول الإعلان الدستوري بالرغم من المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد, وبالتالي ضرورة إشراك الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والتشكيلات المدنية الموجودة في صنع مستقبل البلاد وتحديد السيناريوهات الخاصة بمستقبل مصر.
أوضح عبد الرازق أن ما صدر من القوات المسلحة ليس إعلانا دستوريا وإنما دستور جديد, فالإعلان تكون مواده قليلة , وليس مواد تفصيلية كما جاء بالإعلان, والإصرار علي وضع إعلان يضم 62 مادة هذا أمر غير مسبوق وغير منطقي.
شدد عبد الرازق علي أن الاعلان الدستوري ترك الفترة الانتقالية مفتوحة وحدد 6 أشهر لإجراء الانتخابات البرلمانية بينما الانتخابات الرئاسية غير محددة, وبالتالي القوي السياسية لديها مخاوف من احتمالية أن تطول الفترة الانتقالية, كذلك حدد الإعلان الدستوري في المادتين 25 و56 سلطات للرئيس القادم , وهي سلطات تكاد تتطابق مع سلطات رئيس الجمهورية في دستور 71 وهي سلطات مطلقة تجعل من يتمتع بها ديكتاتورا, وأيضا جاء الإعلان الدستوري ببعض المواد من الدستور السابق وترك مواد أخري لأسباب غير مفهومة وغير مبررة, وكل ذلك يقدم تساؤلات عديدة ينبغي الإجابة عنها.
دعا عبد الرازق المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالإسراع في عملية نقل السلطة إلي رئيس منتخب , وأن يتم تهيئة المناخ لبيئة سياسية صحية تنهي النظام السابق وتؤسس لنظام جديد أساسه المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة وحرية تداول المعلومات وتداول سلمي للسلطة.
ارتباك ومستقبل ضبابي
من جانبه أكد محمد زارع مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي أن الفترة التي تتم بها إدارة البلاد مرتبكة, وبعد إجراء التعديلات الدستورية تم الإعلان عن إعلان دستوري مؤقت به مواد عديدة من دستور 1971 , وبالرغم من أن ثورة يناير أنهت وأسقطت النظام السابق, إلا أن هذا لم يظهر علي أرض الواقع, وبالرغم من الإعلان عن نية المجلس العسكري لتسليم السلطة في وقت قصير, إلا أن الطريقة التي تتم بها إدارة البلاد تنم عن تطويل للفترة الانتقالية بشكل لا يعرفه أحد , ومنح المجلس العسكري لنفسه صلاحيات عديدة في الإعلان الدستوري دون التشاور مع قوي المجتمع المختلفة وهذه الطريقة في إدارة البلاد تفجر تخوفات في المجتمع وينبغي علي المجلس العسكري أن يكون واضحا لمنع الالتباس في الأمور.
نوه زارع إلي أن التراجع عن التحول السريع للتحول الديموقراطي وفي ظل الضغوط التي يتعرض لها المجلس العسكري من فئات عديدة بالمجتمع, جعلت المستقبل ضبابيا, خاصة مع ظهور تيارات متشددة تعبث باستقرار البلاد وتبحث عن تحقيق مصالح خاصة بها.
أكد أن المجتمع المصري عاني كثيرا من غياب الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة, ومن غير المتوقع أن يحدث تغيير جذري في المجتمع ويتم اختيار المرشحين في انتخابات مجلس الشعب أو الرئيس المقبل وفق اختيارات جديدة, حيث سيتم اتباع نفس الطرق التقليدية ما لم يتم تغيير الثقافة العامة بالمجتمع, خاصة أن سطوة التيار الديني ورأس المال هما الأكثر تأثيرا علي صوت الناخبين, ومن ثم يتطلب هذا جهدا أكبر من القوي المدنية بالمجتمع للحفاظ علي الهوية المدنية وتقديم خطوات مناسبة يتمكن من خلالها المواطن من اختيار الأصلح وفق الاختيارات الجديدة التي تتناسب مع ثورة 25 يناير, ولابد لكل القوي السياسية أن تعمل علي تغيير المجتمع خاصة أن الثورة لاتزال مستمرة ولم تتحقق مطالبها بعد, وعلي كل القوي الاتحاد من أجل مصرنا الجديدة.
دعا زارع إلي وضع دستور جديد, ليكون دستورا عصريا يتوافق مع المجتمع خلال 50 سنة مقبلة, خاصة أن أي دستور يستمر أكثر من 50 سنة ويكون التعديل في أضيق الحدود , فالدستور يكون محددا للسياسات العامة والتغيير يكون في القوانين عكس ما يحدث في مصر من تعديل مستمر للدستور حتي فقد ملامحه, مؤكدا أن المشكلة الأكبر التي ستواجه المجتمع هي أن الدستور الجديد سيضعه مجموعة من نواب مجلس الشعب المنتخبين بشكل ديموقراطي وحقيقي أم سيضعه نواب نجحوا بدافع تأثير الدين أو المال؟
أما عبد الحميد كمال عضو مجلس الشعب السابق أكد أن الإعلان الدستوري لم يحدد العديد من الأمور المهمة, فكان لابد أن يكون التعديل موزعا لاختصاصات مجلس الشعب والرئيس, وتحديد النظام السياسي بحيث تكون مصر جمهورية برلمانية أو جمهورية رئاسية, والتأكيد علي الحقوق الخاصة بالمجتمع, وكان يتوقع أن يتم تعديل بعض المواد تمهيدا لتعديلها في الدستور الجديد, ووضع مواد لمساءلة الرئيس الجديد حتي يتم إلزامه بعمل دستور جديد.
أوضح كمال أن أبرز عيوب الإعلان الدستوري عدم تحديد فترة زمنية واضحة للتحول الديموقراطي , ولم يحدد فترة زمنية لكل مرحلة محددة حتي يتمكن الشعب من محاسبة المسئول عن عدم تنفيذ ما هو موجود بدلا من ترك الأمور مفتوحة.
أشار كمال إلا إنه كان يمكن وضع الإعلان الدستوري بعد الحوار الوطني, فهذا الحوار ظهر وكأنه لا يوجد أهمية لعقده, حتي يشعر المجتمع بأن الحوار يؤتي بثماره, بدلا من الفكرة الدارجة عن مثل هذه الحوارات بأنها مجرد دردشة, فلابد أن يدار حوار واسع يجمع كل أطياف المجتمع وتحديد القضايا المراد مناقشتها وتحدد مستقبل البلاد خلال الفترة المقبلة.