إنها الحرب التي لن تقع. من يراهن علي مواجهة أميركية – إسرائيلية إنما يراهن علي سراب, أقله في المدي المنظور. لن ترد الإدارة الأميركية علي التحدي الإسرائيلي بأفعال محددة. ستكتفي بكلام قاس من النوع الذي صدر عن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون… في انتظار اليوم الذي ستكون فيه إسرائيل في حاجة اليها لسبب إيراني أو غير إيراني. لم يقدم الإسرائيليون علي ما أقدموا عليه لجهة التعاطي مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة. سبق ذلك اختبار للإدارة الأميركية الجديدة منذ اليوم الأول لدخول باراك أوباما البيت الأبيض قبل أربعة عشر شهرا تقريبا. وجد الإسرائيليون للأسف الشديد أن الإدارة علي استعداد للتراجع في كل مواجهة بينها وبين حكومة بنيامين نتنياهو. لماذ لا تستمر إذن الهجمة الإسرائيلية علي الإدارة بشكل دؤوب…
قبل انتخابه رئيسا ردد أوباما أمام الذين التقاهم, بمن فيهم رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عباس, أنه لن ينتظر الأشهر الأخيرة من ولايته الثانية, كما فعل بوش الابن, كي يباشر الاهتمام بالنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. شدد في الوقت ذاته علي أن استمرار النشاط الاستيطاني غير مقبول وأن المطلوب وقفه كي تتهيأ الأجواء لمفاوضات بين الجانبين تفضي الي تسوية. جس الإسرائيليون نبض أوباما خلال الزيارة التي قام بها نتنياهو لواشنطن. ولما وجدوا أنه علي استعداد لتقديم التنازل الأول, عن طريق استخدام عبارات مائعة في الحديث عن الاستيطان وضرورة وقفه, كرت السبحة. كانت زيارة بايدن لإسرائيل وما تخللها من مفاجآت, تتسم بمقدار كبير من الاستخفاف بالإدارة, خير دليل علي أن حكومة بنيامين نتنياهو مستعدة لتجاوز كل حدود في فرض سياسات معينة علي واشنطن غير آبهة بأي ردود فعل من أي نوع كان. تقبل بايدن الإهانة ظاهرا وتناسي علي وجه السرعة أن وزارة الداخلية الإسرائيلية اختارت لحظة وصوله الي إسرائيل لتعلن عن مشروع استيطاني جديد في القدس الشرقية يشمل ألف وستمئة وحدة سكنية, علما أن القدس الشرقية أرض محتلة في العام 1967 باعتراف الإدارة الأميركية الحالية نفسها والإدارات السابقة, بما في ذلك إدارة بوش الابن الطيبة الذكر!
لم يسبق في تاريخ العلاقات الأميركية- الإسرائيلية أن بلغت درجة التحدي والاستخفاف بالرئيس الأميركي نفسه الحد الذي بلغته في هذه الأيام. الأكيد أن أوباما ليس دوايت ايزنهاور أو جورج بوش الأب… أو حتي بيل كلينتون. لكن الرسالة الإسرائيلية تبدو واضحة وفحواها أنها كشفت ضعف الرئيس الأميركي وغياب السياسات المتماسكة لدي إدارته. كشفت أنه عاجز عن خوض مواجهة معها وأنها قادرة علي الذهاب الي أبعد الحدود في تحديه.
لم تكن تلك الرسالة الوحيدة التي صدرت عن إسرائيل. هناك رسائل أخري لعل أهمها أن حكومة نتنياهو لا تريد مفاوضات, لا من النوع المباشر ولا من النوع غير المباشر, مع الجانب الفلسطيني. كل ما تريده فرض أمر واقع يتلخص بأن علي الفلسطينيين أن ينسوا القدس وأن يقيموا دولتهم المستقلة, إذا شاؤوا ذلك, ضمن الحدود التي تسمح بها إسرائيل وهي حدود المستوطنات. ولعل السبب الحقيقي لصدور ذلك التحدي للإدارة الأميركية, خلال وجود بايدن في إسرائيل, تسليم الخارجية الأميركية عبر القنصل في القدس, السلطة الوطنية الفلسطينية موقفا واضحا يؤكد أن القدس الشرقية أرض محتلة, كذلك الضفة الغربية, وأن مرجعية المفاوضات خطوط العام .1967
ما الذي في استطاعة الفلسطينيين عمله في هذه الحال؟ قبل كل شيء, يتبين أن الموقف العربي الذي أمن غطاء للمفاوضات غير المباشرة كان موقفا وطنيا بامتياز. تبين أن العرب والفلسطينيين ليسوا عقبة في طريق السلام. الأهم من ذلك كله أن الموقف العربي كشف لكل من يعنيه الأمر أن لا مجال لأي رهان, أقله في الوقت الراهن, علي مواجهة أميركية- إسرائيلية من جهة, وأن لا رغبة إسرائيلية في السلام, ما دام بيبي نتنياهو في السلطة, من جهة أخري. كل ما في الأمر أن علي الفلسطينيين ترتيب البيت الداخلي ومتابعة العمل علي بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. وهذا ما تفعله السلطة الوطنية حاليا ممثلة بمؤسساتها الرئاسية وبحكومة الدكتور سلام فياض التي كسبت ثقة المجتمع الدولي ودعمه. عاجلا أم آجلا, سيتبين لأي إسرائيلي يمتلك حدا أدني من المنطق أن خيار الدولتين الذي يشمل قيام دولة فلسطينية ##قابلة للحياة## عاصمتها القدس الشرقية هو الحل الوحيد بالنسبة الي كل من يريد العيش بسلام في المنطقة. اللهم إلا إذا كان الإسرائيلي يتصور قيام دولة واحدة تضم كل أراضي الضفة الغربية تكون فيها أكثرية عربية بحلول السنة 2020 أو حتي قبل ذلك!
المهم أن يمارس الفلسطينيون ضبط النفس وأن لا ينجروا الي أي نوع من المزايدات بما في ذلك الكلام عن انتفاضة مسلحة جديدة لن تعود عليهم سوي بالويلات, تماما كما حصل بين العامين 2001 و2006 في الضفة الغربية وفي أواخر السنة 2008 وأوائل السنة 2009 في قطاع غزة. العجز الأميركي ليس نهاية العالم. ستجد إسرائيل قريبا أنه, في حال كانت مهتمة بالفعل في مواجهة ما تسميه ##الخطر الإيراني##, فلا غني لها عن الإدارة الأميركية. صحيح أن الإدارة الحالية التي تعاني من مشاكل ضخمة في الداخل والخارج, ليس وارد الذهاب الي أبعد من توجيه كلمات لوم الي حكومة نتنياهو, لكن الصحيح أيضا أنها لن تسمح لها بجرها الي حرب مع إيران. لا تزال لدي الإدارة الأميركية ورقة قوية تتمثل في أن إسرائيل ليست قادرة علي خوض معركة, أي معركة سياسية أو عسكرية, مع إيران من دون دعم أميركي. صار ثمن الدعم الأميركي معروفا. مطلوب من إسرائيل أن تعيد النظر في موقفها من الاستيطان. هل لا تزال هناك بقايا منطق في إسرائيل… أم لم يعد فيها مكان سوي للتطرف والمتطرفين؟