المستمع لخطب باراك أوباما سوف يسترعي انتباه الكثير من الأقوال والأفكار المأخوذة عن الرئيس السادس عشر لأمريكا – إبراهام لينكولن, والحقيقة لم يكن لينكولن هذا القائد المغوار الذي حارب من أجل ترسيخ العدالة الاجتماعية والقضاء علي العنصرية فحسب ولكنه عاصر أكثر انهيارين اقتصاديين بأمريكا عامي 1837 و1857.
ولعل باراك أوباما يري أن أمريكا اليوم في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة في أمس الحاجة لآراء هذا الرئيس العظيم الذي مضي علي مولده مائتي عام, ولكن هناك الكثير من الدروس المستفادة يمكن أن تعاون باراك علي إدارة الدفة في نصابها الصحيح.
عاش إبراهام لينكولن معظم حياته يفكر في المال – ليس لأنه طماع أو مادي ولكن العكس تماما.. لقد كان دائما يفكر من منطلق طفولته الفقيرة التي تعلم من خلالها أن النقود أداة قوية, وهي رافعة تستطيع أن تحول الطموح إلي حقيقة. وقد كان يؤمن تماما بأن هناك طريقا واحدا فعالا يمكن أن يستند إليه الفقير حتي يذوق حلاوة الغني.. هذا الطريق لابد أن يبدأ بالعمل الشاق كأجير, ورويدا رويدا يسعي إلي إدخار الفائض من دخله لشراء مستلزماته من أدوات أو أراضي ثم يعمل لحسابه الخاص وسرعان ما يزداد ربحه, ويبدأ هو بتأجير عمال لمساعدته في أعماله, وتدور العجلة هكذا.
عندما كانت الأزمة طاحنة في الستينيات من القرن التاسع عشر والهوة عميقة بين الأغنياء والفقراء قال لست أؤمن أن هناك قانونا يستطيع أن يحرم أي إنسان من أن يكون غنيا, فالضرر سيكون أكبر من الفائدة, وفي الوقت الذي أناشد فيه بعدم شن الحرب علي رؤوس الأموال, أنادي أيضا بأن تتاح الفرصة للرجل البسيط أن يأخذ فرصته ويصبح غنيا مثل الآخرين.
إن أفكار لينكولن اليوم عن التطور الاقتصادي والنظام البنكي في غاية الأهمية حتي يومنا هذا لأنها تذكر بأفضل سمات الاقتصاد الأمريكي التي ليست الهدف منها الخروج من الأزمة الاقتصادية بقدر ما هو معالجة الأسباب لتخطي تلك الأزمة. كانت الدعائم الاقتصادية كما يعتقد لينكولن هي تطوير شبكات المواصلات والاتصال.. وكان يؤمن أن الحكومة يجب أن تلعب دورا في بناء البنية التحتية للاقتصاد المتطور, ولكن ذلك يجب أن يكون من خلال الفرص المتساوية.
وقد أدرك لينكولن منذ زمن بعيد أن حرية الاقتصاد هي العمود الفقري للحرية السياسية التي من خلالها يمكن مقاومة الاستعباد الاقتصادي.
عندما ولد لينكولن يوم الأحد الموافق 12 فبراير 1809, كانت الظروف المحيطة لا تنم عن شيء سوي اليأس والمرارة.. كانت أمه في حالة خطرة جدا ولم تنقذها سوي الجدة التي تم استدعاؤها رغم بعد المسافة.. ولعدم وفرة المياه, غسلوا الطفل في جدول مياه أعلي الجبل, ولفوه في قطعة من جلد حيوان لتحميه من صقيع الشتاء.
كانت ذكريات الصبي مفعمة بموت أمه وأخيه الأصغر وأخته سارة التي كانت تكبره بعامين.. هجره أباه توماس لينكولن في ولاية أنديانا وذهب الأب إلي ولاية كنتاكي وهناك تزوج سارة جونستون التي أصرت علي رجوعه لولده.. كانت زوجة الأب هي الدافع الذي غير حياة الصبي الصغير.
شجعت جونستون لينكولن علي القراءة ونيل المعرفة خاصة من الصحف. كان مشروع شق قناة إيري الذي يصل بين ولايات كثيرة أمريكية الدافع الذي جعل لينكولن يفكر بطريقة اقتصادية. فرغم الانتقادات التي وجهت للمشروع علي أنه إهدار لمال الدولة, إلا أن هذه القناة أصبحت تنقل بضائع كافة المزارعين وأصحاب الصناعات الصغيرة والمتوسطة لأسواق بعيدة, وخلقت نهضة اقتصادية عالية فكان لها التأثير الأكبر علي الطبقة الفقيرة والمتوسطة الذين استطاعوا تسويق منتجاتهم وبيعها بأسعار عالية.
وعندما انتقل لينكولن إلي ولاية إلينوي, كان قد كون في عقله بعض المبادئ الاقتصادية وفقا لقراءاته المتعددة, وأهم الأشياء التي كان يؤمن بها هي أن الاستثمار الخاص وحده لا يمكن الاعتماد عليه لبناء القنوات والكباري والسكة الحديد والطرق والأنهار, ولذلك عندما أصبح عضوا في اللجنة التشريعية في ولاية إلينوي استطاع عمل خطة برنامج لمشروعات تقوم بها الدولة وذلك بدعم من البنوك.
خلال الأزمة الاقتصادية الطاحنة عام 1837 عندما تجمدت الأسواق المالية وارتفعت ديوم الحكومة الأمريكية وانقلب الرأي العام علي سياسات البنوك ورجال الاقتصاد, كان هدف لينكولن حماية المشروعات العامة وأهمها السكة الحديد والقنوات لأنها العمود الفقري لنقل البضائع وتسيير عملية التجارة ومن ثم زيادة الدخل القومي والفردي علي السواء.
لم ينجح لينكولن بصورة مطلقة, ولكن عندما أصبح رئيسا ترك دروسا للعالم لمحاربة العبودية وتطوير الاقتصاد وإصدار الأسهم والسندات حتي يصبح الشعب جزءا من القوة الاقتصادية.
لينكولن يحثنا اليوم للمخاطرة علي ألا نفقد الهدف الأساسي وهو الحرية الاقتصادية للفرد وحق الجميع للنهوض والارتقاء.
عن مجلة تايم