تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في العشرين من يناير 2009عهدا سياسيا جديدا مصحوبا بحدث كبير هو دخول رئيس أسود البيت الأبيض الأمريكي.نعم يجلس باراك أوباما باسمه غير المألوف ودمه الأفريقي الأصل بالمكتب البيضاوي باعتباره الرئيس الأمريكي الرابع والأربعين بعد أن جلس من قبله ثلاثة وأربعون رئيسا أبيض اللون.
ودخول أوباما البيت الأبيض من المؤكد أن يحسن من أمرين كان من الصعب إحداث تحسين بهما,أحدهما يرتبط بسمعة أمريكا بالخارج,والآخر يتعلق بالمزاج العام في الداخل الأمريكي
فقد أثمرت فترة ولايتي الرئيس جورج دبليو بوش تدهورا دراماتيكيا في صورة أمريكا أمام العالم حتي أن العداء لكل ماهو أمريكي حول العالم أصبح له جذور ابتداء من عواصم أوربا وانتهاء بالشارع العربي…والصورة ربما أتضحت في دراسة ميدانية أجريت في أكتوبر 2008 حيث اعتقد 10% فقط من الأمريكيين المشاركين بالدراسة أن بلادهم تسير في المسار الصحيح.
وها هو أوباما يتسلم منصبه الرفيع وسط هذه الأجواء,وعليه بالطبع أن يصلح كل شيء ويعالج…بيد أن دخوله البيت الأبيض يمثل قمة ثورة الحقوق المدنية ,وهو ما سوف يساهم أيضا في إصلاح علاقات أمريكا ببقية العالم.
فمن الصعب علي المسلمين أن يتهموا أمريكا بأنها مصدر ضرر لهم بينما اسم رئيسها الأولباراكينطق بالعربية بما يعني المبارك واسمه الأوسط حسين.
أيضا من الصعب علي الأوربيين أن يتهموا أمريكا بالغفظاظة ورئيسها أوباما متميز الثقافة ومؤلف لكتابين.
ولعل ميزان القوة في واشنطن يميل أيضا لصف الرئيس الجديد فالديموقراطيون هم أصحاب الأغلبية في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه وبالذات في مجلس الشيوخ,وهو المجلس الذي طالما كان في معظم الأحيان مصدر إحباط للرئيس.
ولكن مستر أوباما المحظوظ بالمنصب الأكبر سوف يواجه ثلاث مشاكل كبيرة في عام .2009
المشكلة الأولي تتعلق بالتوقعات الضخمة نتيجة الوعود الكبيرة التي أطلقها الرئيس أثناء حملته الانتخابية ممثلة في تبني رعاية صحية غير مسبوقة للأمريكيين ,والاستثمار في البنية التحتية,والتقدم في مجال الطاقة الخضراء,وخفض انبعاثات الغازات وغيرها.
وسوف يرث الرئيس أوباما واحدة من أكبر التركات الرئاسية صعوبة منذ عهد الرئيس ترومان متمثلة في حربين واقتصاد غير مستقر وفجوة مالية سوداء.فالدين الأمريكي القومي يتخطي العشرة تريليونات دولار,وفي عام 2009 من المتوقع أن يزيد العجز في الميزانية الفيدرالية علي تريليون دولار مع الأخذ في الاعتبار تكلفة الخروج من الأزمة المالية الطاحنة.
المشكلة الثانية هي الوضع الراهن في واشنطن حيث يتحمل الرئيس ومعاونوه المسئولية وعليهم أن يكونوا جديرين ويتمسكوا بحقيقة أن السلطة الآن في واشنطن وديعة في يد الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس.
ثالث مشكلة يواجهها أوباما هي شخصية بالأكثر .ففي عام 1992 مثل بيل كلينتون عقيدة الديموقراطية الجديدة المترابطة,حيث العولمة واقتصاديات السوق والخدمات العامة مثل التعليم وتوزيع الدخل بقدر من الإصلاح.وأوباما عليه أن يكرس جهدا أكبر لوضع فلسفة سياسية ,فالقوي التي كانت تحمل مسئولية كل شيء في عام 1992 هي الآن محل تساؤل شديد خاصة داخل حزبه الديموقراطي.
علي أوباما أن يجيب علي تساولات مهمة حول العولمة وإعادة وضع اللوائح المنظمة للعمل.وعليه أيضا أن يتعامل مع جمهور الناخبين ممن وقعوا في حالة تشويش مع النتيجة.
ولعله من باب المقارنة أن يوصف أوباما بريجان الليبرالي وهو الرئيس صاحب الكاريزما الذي يجسد التغيير.لكن انتخابات 2008 مثلت رفضا لجورج بوش أكثر منها احتضانا لحكومة ذات ليبرالية أوسع.
بيد أن الخطر الأكبر علي إدارة أوباما هو أنه بعد الاندفاع الأول بحسن النية وراء الوعود سوف تنحرف الإدارة عن مسارها من جراء افتقارها الأموال التي تفي بها وعودها,وصعوبة أداء الاقتصاد الأمريكي والمناخ العالمي العصيب بل والتمزق بين آمال وطموحات أوباما والأوضاع من حوله.
ولكن من الخطأ التقليل من قيمة ما يطمح إليه أوباما,ففي عام 2008 واجه الرجل أقوي شخصيتين سياسيتين في واشنطن هيلاري كلينتون داخل حزبه الديموقراطي,وجون ماكين عن الحزب الجمهوري المنافس وهزمهما.وفي عام 2009 سوف نري أوباما السياسي الموهوب يواجه عددا من التحديات الصعبة.
عن إيكونوميست
كاتب ومترجم