مع إشراقات العام الجديد تتطلع البشرية إلي مولود بيت لحم, هذا الذي بميلاده انقسم التاريخ إلي شطرين, وأصبح نور الميلاد حدا فاصلا بين عهدين, ففي ضوء ميلاد السيد المسيح انكشف سر الحب الإلهي للنفس البشرية, إذ أن النور قد جاء إلي العالم (يو3:16), والشعب الجالس في الظلمة أبصر نورا عظيما (مت4:16), وبذلك دخلت البشرية مرحلة جديدة مستنيرة بنور الطفل الإلهي.
لقد جاء الرب متجسدا علي أرضنا لكي يفتح للبشرية طريق العودة لمستقبل أبدي خالد مع الله, وهذا هو مرمي التجسد الذي هو التحام بين الله والإنسان لنكون واحدا معه, وبهذه الوحدانية نتخطي حاجز الزمن ونأخذ حق التبني وامتلاك ميراث أبدي, ويأتي ذلك منذ اللحظة الأولي للميلاد الثاني, وهذا هو الخبر السار الذي يلخص كل الإنجيل والخبر المحيي الذي يحيي أموات النفوس, ويبعث في النفوس نور الرجاء بعد أن تملكتها ظلمات اليأس.
ويعطي ميلاد السيد المسيح النفس البشرية صورة نورانية مشعة تتجلي تجليا باهرا حتي يحيا الإنسان في صورتها الواقعية الجديدة. لقد صار السيد المسيح داخلا حتما في نسيج الحياة الجديدة علي مستوي الاتحاد الفعلي, اتحاد يشفي النفس من بؤسها وينعش القلب ويجدد الحياة, وهو ما عبر عنه الكتاب المقدس بقوله: والكلمة صار جسدا وحل بيننا (فينا), ورأينا مجده (يو1:4), وهو الوجه الحقيقي للميلاد وفيه يعلن المسيح نفسه كإله حقيقي له حضورشخصي في واقع دنيانا, بل في صميم كياننا البشري: الرب إلهك في وسطك. جبار يخلص. يبتهج بك فرحا.. يبتهج بك بترنم (صف3:17).
يقدم لنا الميلاد تأملا روحيا جميلا, وهو أن اختيار المزود موضعا لهذا الحدث الغريب لم يكن مصادفة بل هو فعل إلهي مقصود.. نزل إلي حضيض بؤس البشرية التي انحدرت إلي مستوي غير لائق بالآدمية, حتي يرفعها إلي علو السماء وأمجاد الأبدية والأنوار الإلهية.