الميلاد##يسوع كلمة الله صار بشرا####يوحنا 1:14##
تبتهج الدنيا بأسرها بزيارة مللك السلام إلي أرض البشر ويصوغ كل شعب من شعوبها أطيب التهاني,دلالة علي جوع العالم كله إلي خبز من السعادة والخير والسلام.وفي الوقت عينه لا تغيب عن بالنا كثافة الزمن المادي واصطدام الصراعات بين أهل الآفاق الضيقة واصطحاب المجالات الرصبة من الحياة ونخشع أمام##مأساة##طفل المغارة ملك الملوك الذي ما إن وطأ أرضنا وحل علي الدنيا حتي سالت الدماء حوله من أعناق الأطفال في بيت لحم,وما إن فتح فاه ليعلمهم بشوئون الملكوت حتي واجهه أهل بيته بالرفض فانتهي إلي صليب يحمله وإلي موت يعبره ثمنا للقيامة وتثبتنا لإطلالة الخلاص الحقيقي.
يقول أحد كبار المفكرين اللاهوتين:##لولم يكون هذا العالم بحاجة إلي خلاص لما أتاه المخلص##.
##اليوم ولد لكم المخلص##هذا ما أنشده وقاله الملائكة للرعاة الساهرين في نواحي بيت لحم(لوقا 11:2)واليوم أيضا تردد الكنيسة علي مسامعنا قول الملائكة هذا وتؤكد أن المخلص معناوأنه يريد الحلول والسكن والإقامة في قلوبنا##صار بشرا فسكن بيننا##(يوحنا 14:11).
نقف أمام أنوار المغارة ونتأمل ونسأل:##ما معني أن يكون المسيح مخلصا وما الخلاص الذي يحمله بشارة سارة إلي بني البشر؟##.
* ما معني الخلاص:
المعني الأول للخلاص كما يتبادر إلي الأذهان يقترب من معني النجاة من مشكلة أو صعوبة أو ضيق وقعنا فيها أو من مصيبة داهمة وكارثه قوية حلت بنا ومرت علينا بأثقال لم نعد قادرين علي إزاحتها.فالمسيح مخلص أولا بهذا المعني,أي أن تدخله هو العمل الوحيد الذي صالح بين العلو والعمق بين الله والإنسان مفتديا الخليقة كلها بدم كريم.وقد أعاد بخلاصه هذا إلي الإنسان الأعمي قدرته علي أن يبصر وإلي الإنسان المقعد قدرته علي المسير.غير أن هذا المعني ليس هو المعني الكامل والنهائي للخلاص,فإن هذه الكلمة حتي في أصلها المادي تدل علي عمل ما يبدأ وينتهي أو علي مشروع يصل إلي اكتماله بحسب الخطة المرسومة له منذ بداية المشروع.أحدنا يخلص عمله عندما ينهيه والله يخلص العالم بابنه الوحيد,أي أنه يمكن العالم من أن يبلغ السعادة بحسب قلبه وإرادته القدوسين.فالمسيح لا يعود بهذا المعني متدخلا في تاريخ الخلاص بعمل محدود في الزمن كمن يصلح أعطالا لمركبة فضائية تعود وتدور بعد ذلك بدفعها الخاص.المسيح هو إلهنا معنا##عمانوئيل##وهو قوتنا في العمل والتحقيق حتي نهاية الدهر,أي حتي اكتماله وبه يكتمل عمل الخلاص بالذات.ولقد كرس هذه الرسالة رسالة الفداء بينه وبيننا عندما##صار إنسانا وبرا##(يوحنا 14:1)وهو الكلمة الأزلية النازلة من حضن الآب,لأنه بتجسدة قد اتخذ إنسانيتنا وطبيعتنا وأعطانا شركة في بنوته الإلهية ولو عن طريق التبني(غلاطية 5:4).وهكذا وحد بين لاهوته وطبيعتنا بين حياته وموتنا آخذا ما هو لنا ومعطيا إيانا ما هو له.
* الميلاد:فعل إيمان والتزام وعمل ومشاركة في تحقيق الخلاص:
ولد المسيح له المجد في العالم ليضع أساسا متينا في قلوبنا,ولكي يشركنا مع الآب في الحياة والقداسة شراكة أخوة وحب بين أهل الأرض قاطبة علي أن تنمو مع نمو الملكوت وتكتمل مع الكتماله إنهاالمبادرة التضامنية الكبري التي بدأت في التاريخ ولم تكتمل بعد.
علينا نحن أن نكون شهودا لها وأننا لنجد لها شهودا كثيرين في الأرض,لكن الشر يلاحقها من كل جانب,وإن كان الإنسان المقهور بالشر قد حرك قلب الله فأرسل إليه ابنه الوحيد لخلاصه فإن علي المؤمنين بالله إيمانا حقا أن يحركوا قلوبهم في رفع الظلم والقهر والخطيئة عن أي إنسان.عندئذ يكون الميلاد ويكتمل العيد.
أسقف الإسكندرية علي الأرمن الكاثوليك