يذكر لسان العرب أن جماع معني الفتنة الابتلاء والامتحان والاختبار, كما يذكر علي لسان ابن الأعرابي أن الفتنة هي المحنة, أما الطائفة فيكر أنها الجماعة من الناس وأن الطائفة من الشيء هي جزء منه, ومن هنا يبدو أن اختيار تسمية الفتنة الطائفية كان دقيقا في تعبيره عن محنة الوطن نتيجة اختلاف جماعة, وهو المعني العام, أما المعني الخاص الذي ينصرف إلي حوادث الفتنة الطائفية في مصر فهو الصراع الذي ينشأ لأسباب دينية أو سياسية ويلجأ فيه أحد الطرفين أو كلاهما إلي العنف المادي لفرض إرادته أو للدفاع عنها. والقضة هي إحدي قضايا هذا البلد وأمنه القومي وأطرافها من المسلمين والأقباط, فمشكلة الفتنة الطائفية حقيقية ينبغي تعريتها لاتجاهلها فقناعتنا أن تجاهل المشكلة لا يعني عدم وجودها بل قد يؤدي ذلك إلي إزكاء الجمر الخامد تحت الرماد, والواقع أن مسئولية الفتنة الطائفية في أي نظام لا يتوفر فيه النظام الديموقراطي العادل إنما تقع علي عاتق الحكام قبل المحكومين, فلم يكن الرئيس الراحل أنورالسادات في أي يوم بعيدا عن أفكار جماعة الإخوان المسلمين وعواطفهم, ولا السيد حسين الشافعي نائبه الذي وصلت به الأمور بعدئذ إلي حد الدروشة ولكنهما في ظل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لم تكن لهما جرأة كمال الدين حسين الذي لم يخف لحظة واحدة انحيازه المطلق للتطرف الديني, وقد نفذه طيلة عشر سنوات في كل ما وصلت إليه يداه من فرص التنفيذ, حتي بلغ التعارض بينه وبين النظام أقصي درجات فتنحي عن السلطة في البداية, ثم علم بمؤامرة الإخوان المسلمين المسلحة لقلب نظام الحكم في صيف عام 1965 حين عرضوا عليه رئاسة الجمهورية في حال نجاحهم ولم يبلغ عنهم فاعتقل عدة شهور بالاستراحة الملكية القديمة في منطقة الأهرامات بالجيزة, لم يكن الرئيس الراحل أنور السادات ولا السيد حسين الشافعي في جرأة كمال الدين حسين ولكنهما لم يختلفا عنه في الجوهر الفكري وكان الرئيس الراحل السادات هو أول من سمح بأن يخلعوا عليه لقب الرئيس المؤمن وأن تركز عليه الكاميرات وهو يصلي وأنه تظهر علامة الصلاة في جبهته.
* أسباب الفتنة الطائفية في مصر:
يذكر الدكتور فرج فودة أن للفتنة الطائفية في مصر أسبابا عديدة بعضها رئيسي والآخر فرعي, فالسبب الرئيسي هو سعي فئة من المسلمين إلي إقامة دولة دينية إسلامية واستجابة الرأي العام جزئيا إلي هذا السعي, أما الأسباب الفرعية فيمكن إجمالها فيما يلي: انكسار القضية القومية, التعصب الوظيفي, الإعلامي الرسمي, الإعلام غير الرسمي, الخلل الدستوري, الخط الهمايوني, يذكر قداسة البابا شنودة الثالث أن الفتنة الطائفية تسيء إلي سمعة مصر في الداخل والخارج وعند مواجهتها ينبغي أن تواجه بكل حزم حتي لو كانت نابعة من قلة قليلة, كل الأحداث التي وقعت لا تؤثر في حقيقة مصر وإن كانت الأحداث خطيرة فعلا, ولكنها في نظرنا لا تعبر عن حال الشعب كله والذين قاموا ويقومون بها يريدون إظهارها بحجم أكبر من حجمها الحقيقي قد تكون وراءها أهداف سياسية ترتدي ثياب الدين, علي اعتبار أن الدين له تأثير عميق في نفوس المصريين. ولكن علي أي الحالات, الحزن بسبب ما حدث لن يغيرنا والأجدي لنا هو التفكير في العلاج حتي لا تتكرر الأحداث وحتي نضع أساسا لمستقبل من الوحدة تتضافر فيه جهود الجميع.
يضيف قداسة البابا قائلا: إن الشخص الذي يتقوقع في إقامة دولة دينية منعزلا عن الآخرين وعن المجتمع يصير متطرفا, والتطرف اتجاه انفعالي منحرف يغالي في البعد عن الخط السليم للحق والاعتدال, وأزمة بعض المتطرفين تكمن في الفهم الخاطئ للدين البعيد عن المفهوم الحقيقي له بمعني أن للبعض فهما وتفسيرا خاصا للدين, يريد أن يفرضه علي الناس أو يلزمهم به كنتيجة لقراءاتهم لشروح في الدين لها اتجاه معين مع عدم قبول هذه الشروح والتفسيرات من اتجاهات أخري, فالمتطرف في حاجة دائمة إلي التوعية بالمفهوم الصحيح للدين ليس من وجهة نظر محددة وإنما بفكر مفتوح علي كل الاتجاهات أما الأقباط فهم يعتبرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ من مصر ومن الوطن العربي كله لذلك ندافع عن قضايا مصر في كل موقف بل إن كل القضايا العامة التي نهتم بها هي قضايا عربية ومنها قضية السلام في العالم أجمع, ومصر لها صفات كثيرة بحكم موقعها الجغرافي الممتاز فهي من جهة عربية ومن جهة ثانية أفريقية ومن جهة ثالثة إسلامية ويمكن أن تكسب صفة جديدة من السياسة كأن تقول إنها من دول عدم الانحياز, صفات مصر لا تنفي بعضها البعض ولذلك لا يمكن أن يكون هناك جدل حول عروبة مصر.
ويستطرد قداسته مؤكدا أن أقباط مصر هم جزء من نسيج الشعب الواحد يري مستقبله كامنا في الوطن الواحد مع إخوانهم المسلمين, وأن هذا المجتمع القبطي المتناثر في جميع أنحاء مصر رغم احتفاظه باستقلاله الداخلي قد أسهم بدور ما داخل المجتمع الإسلامي حتي ولو كان دورا محدودا ومختلفا في بعض الأحيان.
وفي داخلي شعور ويقين أن هذه الأحداث ليست فتنة طائفية, فمصر ليست بها مشكلة طائفية, المسلمون والأقباط بينهم تاريخ طويل مشترك وبينهم نقاط التقاء كثيرة, واجبنا أن نعمل جميعا علي تعميق نقاط الالتقاء ولا نعطي فرصة لمن يحاول إثارة المشاعر من هنا, أو من هناك.
* هموم الأقباط في مصر
في تحليل لموقف النخبة المثقفة المصرية بشأن التعامل مع المسألة القبطية, وهم مثقفون ينتمون إلي كافة التيارات السياسية, وقدموا رؤي متنوعة بخصوص سبل الحل وهي رؤية تمس دور الهياكل والأبنية الرسمية والفكر الديني تجاه مواطنة الأقباط والمذاهب والأساطير الشعبية تجاه الآخر الديني وجاءت تحليلاتهم علي الصور الآتية:
أجمع المثقفون باختلاف قناعاتهم ومشاربهم الفكرية واتجاهاتهم السياسية أن هناك مجموعة من المشاكل يعاني منها المواطنون المصريون الأقباط بسبب قبطيتهم, وهذا في حد ذاته يمثل اختلافا عن الموقف الحكومي أو الرسمي تجاه هذه المسألة, وهو موقف ينزع تلقائيا إلي نفس الشواهد الحياتية وإنكار وجود مشكلات قبطية من الأصل أو التهوين بشأنها وحصرها في إطار الفعل ورد الفعل بين متطرفين أو متشنجين أو مغالين, من هنا بدأ الإحساس بالهم القبطي يتنامي بين مثقفين أقباط مما يعني أن درجة الإحساس بهذا الهم بين القاعدة الشعبية صارت أكثر ارتفاعا وتصبح هناك حالة إنتاج واستلاب متبادل بين المثقف القبطي في إطار ثقافة الهموم القبطية, وإن كان هذا لا ينفي سعي عدد من المثقفين الأقباط المسيسين علي وجه التحديد إلي طرح القضية في أفق المواطنة والهروب من دائرة الطائفية المغلقة.
ومرة أخري يجد هؤلاء المثقفون الأقباط أنفسهم في موقع الاختلاف الحاد مع فئة أخري من المثقفين الأقباط الذين لا يفترون عن إنكار وجود مشاكل وهموم قبطية في معظمهم من الأقباط الذين عرفوا المؤسسات النيابية عن طريق التعيين, وهو ما يجعلهم في موقف تمثيل الحكم وليس الأقباط رغم أن قبطيتهم كانت عاملا محوريا في دفعهم لتولي وتبوؤ مواقعهم السياسية.
الخلاصة أن للأقباط مجموعة من الهموم يمكن حصرها فيما يلي: الصعوبات التي يواجهها الأقباط في بناء وإصلاح وترميم الكنائس ودور العبادة بصفة عامة, التعتيم الإعلامي الرسمي التام علي الأرقام الفعلية لتعداد الأقباط علي المستوي الشعبي, استبعاد الأقباط من شغل عدد من المواقع والوظائف الحيوية في الدولة, استبعاد تاريخ الأقباط من برامج الإعلام والتعليم في المناهج الدراسية, ضعف الوجود القبطي في المؤسسات والقطاعات النيابية, التأكيد علي الهوية الدينية وانحسار الهوية المصرية القومية, دخول الدولة طرفا غير محايد دائما في حالات تغيير العقيدة, إساءة استخدام وضع الأقباط من جانب المجتمع بما في ذلك الأقباط أنفهسم, تجاهل مشاكل الأقباط التي تراكمت علي مدي عقود طويلة وعدم التصدي الكامل لها, عدم إلحاح القيادات القبطية علي المطالبة المستمرة بحقوق الأقباط كمواطنين مصريين وباعتبارهم ليسوا أقلية وإنما باعتبارهم جزءا من الكتلة الإنسانية الحضارية للشعب المصري ككل, تهميش الحياة الاجتماعية مما أدي إلي خلق مشكلة الأقلية القبطية, هذا إلي جانب تأثير الثقافة الوافدة ذات الطابع البدوي في تغذية معاداة الآخر الديني, بالإضافة إلي التأثير الخطير لدور الاستعمار في تأجيج مشاعر التفرقة بين المسلمين والأقباط, هناك أيضا الاستهداف الدائم للأقباط في مصر من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة, وكذلك عدم حضور وتواجد فعال ودائم للمواطنين الأقباط في البرامج الإعلامية بصورة كافية, وأيضا النص في الدستور علي مرجعية دينية للدولة المصرية واعتبارها دولة إسلامية.
نجد أيضا السيطرة الكاملة من جانب بعض الاتجاهات المتعصبة علي أجهزة الإعلام وطرح أفكار ومبادئ دينية متطرفة ضد المسيحيين علي الدوام, إلي جانب تآكل الوعي والذاكرة المصرية لدي الجيل الحالي, تديين الحياة السياسية والاجتماعية, التشكيك في مواطنة الأقباط علي أساس أنهم أهل الذمة, شيوع مناخ طائفي يستبعد الآخر الديني ويشكك في إيمانه, استيلاء وزارة الأوقاف علي بعض من الأوقاف القبطية, استبعاد الأقباط من دخول جامعة الأزهر رغم أنها تمول من دافعي الضرائب المسلمين والأقباط علي حد سواء, الخط الهمايوني وما يفرضه من عقبات علي عملية بناء دور العبادة, عدم حضور الأقباط بشكل يتناسب مع تعدادهم الفعلي في البرلمان.
نؤكد أيضا علي عدم قيام الأجهزة الأمنية بواجبها علي أكمل وجه ممكن لحماية الأقباط من الجماعات الإرهابية المتطرفة, الإصرار علي ذكر بند الديانة في بطاقة الهوية وسائر الأوراق الرسمية, تديين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية, الكراهية التي يحملها عدد كبير من المسلمين لإخوانهم المسيحيين وهم معذورون في ذلك بسبب التعليم الخاطئ والوعظ في بعض المساجد وبعض الكتابات التي تسيء دائما إلي الديانة المسيحية والمسيحيين وهو ما دعا الأقباط إلي الاتجاه للهجرة للخارج أو إلي التقوقع والانحسار عن المشاركة في المجتمع سياسيا واجتماعيا وعلي كافة المستويات الأخري.
* تأكيد الدور الوطني للأقباط والكنيسة
الحقيقة أننا لا نبالغ لو أكدنا ضرورة البداية بكتابة التاريخ المصري بكل حلقاته ومراحله كتابة صحيحة بدلا من إسقاط حلقات أساسية منه ونعني علي وجه الخصوص أنه لابد من نشر المعرفة الصحيحة عن الحقبة القبطية المجيدة في التاريخ المصري والتركيز علي الدور الوطني للكنيسة القبطية.. هذه المعلومات شيء أساسي لابد للمواطن المصري المسلم والقبطي أن يلم به من خلال برامج التعليم من الحضانة إلي الجامعة, ويرتبط بذلك ضرورة إعطاء الثقافة القبطية مساحة أوسع في الصحف وفي الإذاعة والتليفزيون وفي المحاضرات والندوات العامة, ولابد في إطار نشر قيم ومبادئ وثقافة التسامح والمحبة أن نراقب مراقبة فكرية وثقافية وليس مراقبة أمنية الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي علي حد سواء لكي ننقيه من شوائب الجهالة والتعصب وذلك بممارسة النقد الاجتماعي والثقافي المسئول, الواعي, فحين نذهب مثلا إلي معرض الكتاب نجد أنه من بين المعروض من الكتب القبطية نسبة لا تتعدي واحدا في المائة أو أقل, إذن لابد أن تصدر كتب عامة في المجتمع وليس لفئة خاصة, ففي كتاب الوزارة الخاص بالطفل في الفرقة الثالثة الابتدائية نجد مكتوبا فيه ما يلي: ما هو وطنك؟ الإجابة: مصر, ما هو دينك؟ الإجابة الإسلام, ما هو اسم نبيك؟ الإجابة: محمد, فحين يقرأ التلميذ المسيحي هذا الكتاب المقرر عليه والذي سيؤدي الامتحان بموجبه ما الذي سيقوله؟ هذا الكتاب كان مقررا علي الصف الثالث الابتدائي حتي وقت قريب في بداية التسعينيات أليس هذا الإعلام الخاطئ الذي يسبب فتنة طائفية؟ وهل يعقل أيضا أن الإذاعة والتليفزيون في مصر لا يبثان عن الأقباط والدين المسيحي سوي ليلتي عيد الميلاد والقيامة وحوالي خمس وأربعين دقيقة فقط في الإذعة أسبوعيا, نحن لا نقول إننا نريد مثل إذاعة القرآن الكريم التي تبث معظم ساعات الليل والنهار في اليوم الواحد, ولا مثلما تتعددا لبرامج الدينية في اليوم الواحد في الإذاعة وفي التليفزيون ولكننا نريد شيئا معقولا ولا يؤكد أو يشير إلي وجود تفرقة دينية من الأساس.
الحقيقة أن الإعلام بوسائله كافة المرئية والمسموعة والمقروءة مسئول عما يحدث بشكل كامل من حوادث تؤدي إلي الفتنة الطائفية في مصر وليس فقط بامتناعه عن تقديم ما يدعم الوحدة الوطنية وإنما بتمكينه دعاة ضربها من الوصول إلي الأجهزة الثلاثة والأمثلة علي ذلك كثيرة, فأغلب ما نراه من تجاوزات تسبب الفتنة الطائفية هي في جوهرها مخالفات لنصوص قوانين قائمة سارية لكن أحدا لا يطبقها لوجود خلل دستوري مثال ذلك ظاهرة الإزعاج بالميكروفون وهو عمل مخالف لقانون قائم يمنع مكبرات الصوت وتستطيع الدولة أن تقضي علي هذه الظاهرة في ساعات قليلة بإعمال وتفعيل نصوص القوانين الحالية ودون اللجوء إلي إصدار وتشريع قوانين جديدة, أيضا نجد استخدام مكبرات الصوت الصغيرة في الدعوة الدينية في وسائل النقل العام أو علي محطات الأتوبيس وهو أمر يحرمه القانون القائم, طبع الأشرطة المثيرة للفتنة الطائفية دون أن تخضع لرقابة المصنفات الفنية أمر يحرمه القانون القائم, أيضا التجمهر لمنع المواطنين من الاحتفال بأعياد شم النسيم وتهديدهم لو فعلوا ذلك عن طريق منشورات وخطب منبرية, أما الحديث عن الخط الهمايوني والمطالبة بإبطاله وإلغائه فتكلم عنها الكثيرون من الكتاب والمفكرين المسلمين والمسيحيين لما له من عواقب وخيمة للوحدة الوطنية.
والحقيقة أن الإعلام الرسمي لم يخرج من وصفه لأي حدث اضطهادي وقح ومقزز سوي بأنه أمر عادي ويحدث بين أعضاء الأسرة الواحدة!! يا سادة في النصف الثاني من القرن الماضي أصبح الأقباط أكثر معاناة بالنسبة للتاريخ الحديث, وعلي سبيل المثال لا الحصر في الثمانينيات من القرن الماضي أفتي عمر عبدالرحمن بجواز قتل الأقباط والاستيلاء علي أموالهم وفرض الإتاوات عليهم من أجل دعم الدعوة الإسلامية ونشر الجهاد في سبيل الله!! وبعد هذه الفتوي انتشرت موجة قتل الصاغة الأقباط ونهب محالهم, وانتشرت في بعض قري الصعيد ظاهرة فرض الإتاوات علي أغنياء الأقباط من قبل الإرهابيين والبلطجية, وهكذا فإن الأقباط عانوا مبكرا من الإرهاب والبلطجة التي عاني منهما المجتمع الدولي فيما بعد, وفي مدارسنا وحتي نهاية التعليم الثانوي ماذا يعرف التلميذ المسلم عن الدين المسيحي وماذا يعرف زميله المسيحي عن الدين الإسلامي؟! طبعا نعلم جميعا أن القبطي يحفظ بعض السور والآيات القرآنية يأتي ضمن مادة اللغة العربية, لكن المسلم كل ما يعرفه أن المسيحيين كفرة.. وإنجيلهم محرف, والعجيب أن الأقباط وحدهم الذين يطلب منهم المحافظة علي وحدة العنصرين!! تحرق الكتب المقدسة, ويحرق المسيحيون أحياء ولا يسمي هذا اعتداء علي وحدة العنصرين, ولكن عندما يقف الأقباط محتجين علي الوضع الحالي يقال لهم وحدة العنصرين وحدة العضوين!! يجب أن نفهم وحدة العنصرين فهما سليما, الأمر ليس مجرد تمثيل وادعاء نتبادله دائما مع مواطنينا المسلمين, وإنما يجب أن يكون وحدة خالصة ومحبة متبادلة وتعاونا صادقا مع مراعاة المساواة التامة في كل شيء, ومن ناحيتنا كمسيحيين فإننا حافظنا علي هذه المحبة محافظة اعترف بها التاريخ واعترف بها المواطنون جميعا وسجلتها محاضر مجلس الوزراء, وبقي علي العنصر الآخر أن يظهر محبته محافظا علي هذه الوحدة لأننا لا نستطيع أن نسكت إطلاقا عندما تحرق لنا كنيسة ولا نستطيع أن نسكت عندما يحرق المسيحي حيا, لا لذنب إلا لأنه مسيحي, وأؤكد أن مواطنينا المسلمين يوافقوننا علي احتجاجنا, بل لعلهم يصفون احتجاجنا بالوداعة والهدوء بينما لو سكتنا لوصفنا المسلمون أنفسهم بأننا جبناء ضعاف الإيمان, ولم يكن المسيحيون جبناء أو ضعاف الإيمان في أية لحظة من لحظات تاريخهم الطويل منذ أن سكن المسلمون معهم في مصر وقبل أن يسكنوا معهم بأجيال.
وفي كلمة قداسة البابا شنودة الثالث علي هامش الأحداث الماضية يقول قداسته: أنت أيها الشعب القبطي ليس الحرق بجديد عليك بل إن تاريخك في الاضطهاد حافل بأمثال هذه الحوادث وبما هو أبشع وأقسي, والمسيحية في مصر كانت قد سارت في الطريق الضيق علي الدوام منذ استشهاد كاروزها الأول القديس مرقس الرسول عبر الأجيال الطويلة قاست الحرق والصلب والرجم والجلد والعصر والإلقاء للوحوش الضارية وذاقت شتي أنواع التعذيب المختلفة, فصبرا جميلا, وطوبي لكم إذا اضطهدوكم, لقد كان آباؤكم يفرحون عندما يستشهدون, لكن هذا لا يمنعكم إطلاقا من المطالبة بحقوقكم, إن بولس الرسول ضرب وسجن وجلد ورجم حتي ظن الجميع أنه مات واحتمل كل اضطهاد في فرح عظيم, ولكن ذلك لم يمنعه من أن يقول لقائد المائة في استنكار: أيجوز لكم أن تجلدوا رومانيا غير مقضي عليه؟, وهكذا خاف قائد المائة وخاف الوالي وعرض أمر الرسول علي القيصر, ولكن في احتجاجكم كونوا عقلاء وكونوا مسيحيين بحق, طالبوا بحقوقكم بكل الطرق الشرعية التي يكفلها القانون وقبل كل شيء ارفعوا قلوبكم إلي الله ونحن واثقون أنه لا وزير ولا رئيس ولا أي حزب مهما عظم خطره يستطيع أن يتحمل صلاة ترفعونها بقلب نقي خاشع ومتضرع إلي الله العظيم, بل إننا نخشي علي كل هؤلاء من صلواتكم, ونود أن نقول لرئيس الوزراء إن أقل ما يطلب من حكومة مصرية تقدر مسئوليتها بحق هو القبض علي الجاني بعد ارتكاب جريمته وتقديمه للمحاكمة السريعة حتي ينال العقوبة الرادعة, وهذا بعض ما نطلبه الآن, أما الحكومة القوية فهي التي تحمي الشعب وتمنع الجريمة قبل وقوعها….
* المراجع:
* الأقباط النشأة والصراع من القرن الأول الميلادي إلي القرن العشرين – ملاك لوقا.
* أقباط القرن العشرين – ملاك لوقا.
* وطنية الكنيسة وتاريخها المعاصر – المجلد الثالث والرابع – الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني.
* الطائفية إلي أين؟ – الدكتور فرج فودة.
* مجلة مدارس الأحد – العددان الأول والثاني – عام 1952.
* مجلة الكرازة – مقال لقداسة البابا شنودة الثالث – عام 1952.
* الفتنة الطائفية من وجهة النظر القبطية – مدحت فؤاد.