تتميز الكنيسة القبطية (المصرية) الأرثوذكسية بتمسكها بالتقليد الكتابي والشفهي واحترامها للأعياد والمناسبات التي أوصي بها الكتاب وتعاليم الآباء الرسل والتقليد ففي العيد إعادة وتذكار لكل ما هو مفرح للقلب ومبهج للروح وفي أعياد الشهداء والقديسين نتذكر إيمانهم وأعمالهم وكلماتهم التي خدموا وطافوا في كل العالم بها فننظر إليهم ونتمثل بهم كما قال الكتاب اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا إلي نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم عب 13: 7 نعم إن الاحتفال بهذه الأعياد والمناسبات التي تخص الآباء الشهداء والقديسين ما هو إلا احترام وتذكار لسيرتهم الحسنة لعلهم يكونون قدوة لنا في زمن تاهت فيه القدوة.
الكتاب المقدس وأعياد القديسين
لقد أعطانا الكتاب المقدس نماذج حية لكثير من الأنبياء والصديقين في العهد القديم أحبوا الرب وأخلصوا في محبتهم وعاشوا تحت قيادته وسماع أوامره فأحبهم وأعطاهم كل احتياجتهم وهم أحياء وعندما جاءت ساعتهم كان الرب أمينا معهم وأوصي بتكريمهم وحفظ أجسادهم ليكونوا عظة ومثالا يحتذي به في كل الأجيال بدءا من سفر التكوين أول أسفار الكتاب المقدس الذي أشار في آياته إلي إكرام من يستحق الكرم وحماية من يحتاج الحماية كما فعل مع إبراهيم أب الآباء وقال لأبيمالك رد امرأة الرجل فانه نبي فيصلي لأجلك فتحيا وإن كنت لست تردها فاعلم أنك موتا تموت أنت وكل من لك تك20: 7 وكما كلم الرب لابان من أجل يعقوب قائلا احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر تك31: 24 وفي سفر العدد يتحدث الرب عن موسي قائلا أما عبدي موسي فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي فما إلي فم وعيانا أتكلم معه عد12: 7 كما نري إكرام إيليا من رئيس الخمسين الثالثة الذي جثا علي ركبتيه قائلا يا رجل الله لتكرم نفسي وأنفس عبيدك هؤلاء الخمسين في عينيك.. 2مل1: 13- 15 كما نصل مع الرب إلي قمة الاحترام والتكريم لمن أحبوه وتمسكوا به فيقول لأليفاز التيماني قد احتمي غضبي عليك وعلي كلا صاحبيك لأنكم لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلي عبدي أيوب وأصعدوا محرقة لأجل أنفسكم وعبدي أيوب يصلي من أجلكم لأني أرفع وجهه لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم لأنكم لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب أي42: 7-8 وهكذا نري السيد الرب يستمر في إكرام آباء العهد القديم كما يقول المزمور فلم يدع إنسانا يظلمهم بل وبخ ملوكا من أجلهم قائلا لا تمسوا مسحائي ولا تسيئوا إلي أنبيائي مز105: 114-15 إنها محبة إلهية عجيبة تستطيع أن تعطي الإكرام لمن يستحق الإكرام فإن كان الرب قد سمح أن يقيموا صلاة من أجل الخطاة أمامه وأن يرفعوا القرابين لكي يغفر ويسامح الخطاة والأثمة فبالأولي يحفظ لهم كرامتهم بعد انتقالهم ليكونوا نموذجا وتذكارا لنخبة من البشر عاشت علي الأرض حياة الملائكة لذلك قال الكتاب عزيز في عيني الرب موت أتقيائه مز116: 15 فهم عاشوا حياتهم في خوفه وماتوا علي رجاء مجيئه وإن كان العالم لم ينس أعمال الأباطرة والملوك والعظماء الذين أعطوه فهل ينسي الرب تعب المحبة من أولاده الذين تركوا كل شيء وتبعوه؟ أكيد لا فهو الذي قال في العهد الجديد الذي يسمع منكم يسمع مني الذي يرذلكم يرذلني الذي يرذلني يرذل الذي أرسلني لو10: 16 فعندما نكرمهم أننا نعترف بعمل محبتهم من أجل الرب ومن أجل توصيل الكرازة لنا فهم كواكب مضيئة استمدت نورها وكرامتها ومعرفتها وقوانين حياتها من النجم الأعظم الذي أتي إلينا فاديا ومخلصا هذا يا عزيزي القارئ القليل من الكثير الذي جاء في الكتاب المقدس بعهديه عن كرامة الآباء الشهداء والقديسين ولماذا نحن نكرمهم ونحتفل بتذكاراتهم فهو تاريخ بدأ من القديم عندما جاء أبوالآباء ابراهيم الي مصر وحتي سفك دماء كل واحد منهم في العهد الجديد علي اسم الله الذي أحبه لذلك كانت الأوامر الرسولية واضحة في الاحتفال بهم.
جاء في الدسقولية فليمتنعوا عن العمل في أعياد الرسل وفي عيد أسطفانوس أول الشهداء وفي أعياد القديسين الذين فضلوا المسيح علي حياتهم رأس 3 ودسق 31 والمجموع وجه 200-203 أما آباء الكنيسة في العصور المختلفة كانت لهم أقوال كثير تحث المؤمنين علي الاحتفال بأعياد القديسين فورد لنا في الرسالة التي كتبت في استشهاد القديس بوليكاربوس تلميذ القديس يوحنا الرسول في القرن الثاني الميلادي سنة 197م ليحتفلوا بالفرح والسرور عند استشهاد وذكرا لمن ماتوا بالجهاد المجيد وتذكرة وتثبيتا للخلف بمثال كهذا وقال أيضا يوحنا ذهبي الفم وهبت رجلين لتمشي بهما في طريق الأعمال الصالحة أعني زيارة المرضي والمسجونين والكنائس في تذكار الشهداء م 26 وقال أيضا نحن الآن نكمل تذكار الشهداء لأن تذكار الشهداء موجود وأنت متكاسل قد كان: لكان تحضر في هذا الميدان الروحاني لتنظر الشيطان كيف هو مغلوب والقديس غالب م31 ويقول في هذا الصدد القديس أغريغوريوس إن ذكر الرجل الصالح هو ذاته بركة وتقديس وأمر عظيم للتحريض علي الفضيلة وهكذا تناول آباء الكنيسة منذ العصر الرسولي الأول وحتي الآن التحريض علي إقامة الاحتفالات الروحية للآباء الرسل وللشهداء والقديسين الذين أحبوا الملك المسيح ولا ننسي ما قاله قداسة البابا شنودة الثالث أطال الله حياته في كتاب كلمة منفعة عن أعياد القديسين أعياد القديسين مجال لتجمعات ضخمة من المؤمنين تطلب شفاعة أولئك القديسين في ملء الإيمان بدالة القديسين عند الله وبقبول الله لصلواتهم وشفاعتهم والإيمان بخلود الروح وعملها بعد الموت والصلة الدائمة بين الكنيسة علي الأرض وأرواح القديسين الذين انتقلوا وكثيرا ما تحدث معجزات في هذه الأعياد نتيجة إيمان الناس ومنح الرب لهم سؤل قلوبهم حسب إيمانهم وكم كان الأجدر بنا تسجيل كل المعجزات التي تحدث في أعياد القديسين تسجيلا يقوي إيمان الجميع ويريهم أن عهد المعجزات لم ينته أبدا ولم يقتصر علي العصور الأولي فغرض الكنيسة من إقامة أعياد الرسل والشهداء والقديسين هو إحياء لاسمهم وتجديد لذكراهم واعتراف بفضلهم وتعبهم كما ورد في المزمور 112: 6 الصديق يكون لذكر أبدي ولكي نتذكر أعمالهم التي كانت من أجل مجد الرب والكنيسة وللدلالة علي أنهم أحياء حتي ولو ماتوا بالجسد كما في الاحتفال بهم نتذكر الفضيلة التي عاشوها ونحيا نحن فيها وأعود مكررا ما قاله القديس بولس قائلا اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا إلي نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم عب13: 7 لقد اقترب منا عيد استشهاد القديسين بطرس وبولس فياليتنا نستعد لاستقباله ونتأمل في فضائل كل منهما ونتعلم منهما الجهاد في الطريق الروحي لتكون لنا أعياد القديسين بركة كبيرة بخاصة بعد اهتمام الآباء الأساقفة بها في الكنائس الأثرية والأديرة التي نقصدها لنحصل علي بركتهم وشفاعتهم نعم إن هذا النوع من الأعياد له رحلة طويلة في الكتاب المقدس والتاريخ نحتاج إلي دراسة أوسع مجالا لنكتب عنه وإلي اللقاء في عيد آخر له تاريخ.
المصادر:- الكتاب المقدس – الدسقولية تعاليم الآباء الرسل – سنكسار الكنيسة القبطية – تاريخ الكنيسة القبطية – اللآليء النفيسة – كتاب كلمة منفعة لقداسة البابا
[email protected]