تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في يوم الأحد السابق لعيد القيامة بتذكار دخول السيد المسيح إلي أورشليم. هذا التذكار أطلقت عليه المسيحية في العصور الأولي(عيد الشعانين)وكلمة شعانين عبرية معناها يارب خلص ومنها جاءت الكلمة اليونانية أوصنا تفيد هذا المعني أيضا, واستخدم هذا التعبير في الهتاف الذي استقبل به أهل أورشليم السيد المسيح عند دخوله مدينة أورشليم, كما نعت هذا العيد بعد ذلك في العصور التالية بعدة أسماء كان أهمها عيد الأغصان أو أحد السعف لأن في هذا اليوم استقبل الشعب السيد وهم يحملون في أيديهم سعف النخيل تعبيرا منهم أنهم يستقبلون المسيا الملك المنتصر كما جاء في سفر الرؤيا7:9 وكان أيضا يطلق علي هذا العيد بأحد الزيتونة وهذا لأن الجموع في استقبالهم للسيد كانوا يحملون مع سعف النخل أعضان الزيتون التي تشير إلي ملك السلام كما أشار غصن الزيتون وحمامة نوح إلي السلام والأمان الذي رجع إلي الأرض بعد الطوفان وكانوا يهتفون أوصانا في الأعالي مبارك الآتي باسم الرب لذلك سمي هذا اليوم بأحد أوصانا وفي بعض الأحيان كانوا يطلقون عليه أحد المستحقين أي الذين يستحقون العماد بمعني انهم قبلوا الإيمان بالسيد المسيح كما قبله أهل أورشليم واستقبلوه بفرح وهتاف فكان في هذا اليوم يذهب الذين يريدون أن يعتنقوا المسيحية إلي الكنيسة وكانوا يعرفون هذا اليوم بيوم أحد غسل الرأس وهذه كانت عادة تستخدم في القديم لغسل رأس المقبلين إلي المسيحية إشارة إلي التطهير واستعدادا للتنصير وهكذ حمل لنا كل عصر من العصور السالفة اسما جديدا ومعني روحيا ساميا يشير إلي تجديد الفكر الكنسي نحو هذه الاحتفالية الكبري التي هي حسب ترتيب الأعياد في الكنيسة القبطية تعتبر واحدة من الأعياد السيدية السبعة الكبري التي رتبت الكنيسة الاحتفال به كل سنة فرحة به وبما يحمله من معان ورموز إيمانية لها أثرها الروحي في نفوس كل المؤمنين. ولأهمية هذا العيد والرموز الخاصة به كتب عنه كتاب البصخة المقدسة في مقدمة القراءات الخاصة بهذا العيد نصا جاء فيهحضر السيد المسيح العشاء الذي أعد له يوم السبت الواقع في9نيسان سنة5534 للخليقة في القرية المعروفة ببيت عنيا الذي تفسيره بيت البؤس أو النحس في بيت سمعان الأبرص حيث كان لعازر الميت الذي أقامه يسوع من الأموات حيث دهنت مريم قدمي يسوع بالطيب الخالص الكثير الثمن ومسحتهما بشعر رأسها كما يقول يوحنا الإنجيلي(ثم قبل الفصح بستة أيام أتي يسوع إلي بيت عنيا حيث كان لعازر إلخ)يو12:1 وبالطبع قبل الفصح بستة أيام يكون السبت.ثم قام في الغد قاصدا الدخول إلي أورشليم علانية يو12:12 والغد هو الأحد الموافق 10نيسان وهو اليوم الذي كان يأخذ فيه كل جماعة من بني إسرائيل خروف الفصح من القطيع فيحفظونه إلي اليوم الرابع عشر من هذا الشهر تم يذبحونه في العشية خر12:1-36.
عيد الشعانين والتقليد القديم
ارتبط عيد الشعانين بالتقليد اليهودي القديم فجاء المرموز إليه ليلغي الرمز ويحقق ما جاء بالعهد القديم من نبوءات عن هذا اليوم العظيم الذي أطلق عليه البعض الدخول الانتصاري للسيد المسيح إلي أورشليم المقدسة. وفي هذا الصدد سجل لنا كتاب القراءات الكنسية للبصخة المقدسة هذا النص الذي جاء فيهولما كانت خراف الفصح تفرز وتجعل تحت الحفظ بضعة أيام في المدينة المقدسة هكذا بقي حمل الله الذي يرفع خطايا العالم بين جدران أورشليم مترددا بين الهيكل وبيت عنيا ولما قرب الوقت المعين لإتمام العمل دخل أورشليم باحتفال عظيم كما تنبأ عنه زكريا قائلاابتهجي جدا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب علي إتان وعلي جحش بن إتانزك9:9.
وفي العهد الجديد رتبت الكنيسة الاحتفال بهذا اليوم لأهمية أحداثه الخلاصية التي تذكر الإنسان المؤمن بخلاصه وانتصاره بالجهاد وقبوله الإيمان بدخول المسيح له المجد إلي أورشليم حياته أي قلبه وكما يحمل قلب النخل الأبيض وهو السعف يجب أن يكون قلبه أيضا أبيض نقيا وكما يحمل أعضان الزيتون التي ترمز إلي السلام فهكذا يجب أن يكون الإنسان المؤمن صاحب سلام لأن المخلص قالطوبي لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعونمت5:9.
الاحتفال بعيد الشعانين علي مر العصور المختلفة
كانت لأحد الشعانين علي مر العصور المختلفة مظاهر مختلفة تناسب كل عصر للاحتفال به ولكن كان لها ثوابت في الاحتفاظ برمز السعف وأغصان الزيتون فيروي لنا المقريزي في خططه عن الاحتفال به في عهد الدولة الفاطمية قائلا:أما في أحد الشعانين (السعف)كان القبط يخرجون من الكنائس حاملين الشموع والمجامر (المباخر)والصلبان خلف كهنتهم ويسير معهم المسلمون أيضا ويطوفون الشوارع وهو يرتلون وكانوا يفعلون هذا أيضا في خميس العهد, وكان الفاطميون يضربون(سك عملة ذهبية لتوزيعها)خمسمائة دينار علي شكل خراريب ويوزعونها عي الناس وكان يباع في أسواق القاهرة من البيض المصبوغ ألوان ما يتجاوز حد الكثرة فيقامر به العبيد والغوغاء, وكان القبط يتبادلون الهدايا من البيض الملون والعدس المصفي وأنواع السمك المختلفة كما يقدمون منها لإخوانهم المسلمينوهكذا استمر الاحتفال بأحد الشعانين وكأنه عيد وطني يجمع بين الأخ وأخيه بصرف النظر عن الاعتقاد الديني فالدين لله والوطن للجميع ولايبقي بين الإخوة إلا روح الود والفرح والسلام ولعل ما يحدث الآن في شوارع القاهرة حتي وإن انحصرت ظاهرة بيع السعف وأغصان الزيتون والورود في الشوارع والأزقة المجاورة للكنائس إنما تدل علي أنه كان هناك جذور تاريخية لهذا اليوم وهذه الاحتفالية التي فيها يخرج الكل معبرا عن الفرح الذي يعم الأمة وإن كان الأمر كذلك فهل كانت الدولة الفاطمية أكثر اعتدالا من ثورة يوليو التي غيرت بعض الملاحم الوطنية ونسيت أن تضع هذا العيد ضمن أعيادنا الوطنية التي كانت نقطة تلاحم وتماسك بين أغصان الوطن الواحد.. أرجو أن لا ننسي أننا جميعا أبناء مصر ومصر تعيش فينا.والتاريخ لا يكذب ولا يتجمل.
المصادر:الكتاب المقدس-سنكسار الكنيسة القبطية-كتاب قراءات البصخة المقدسة-اللآلئ النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة-الخطط للمقريزي الجزء الأول-كنوز النعمة-أعياد مصر بعض المواقع المختلفة علي الإنترنت.