تكلمنا في المقال السابق عن الوعود الإلهية وعرفنا كيف أنها من أكثر الأمور التي تعزي الإنسان في حياته اليومية, فهي تعطي ثقة بوجود الله الدائم معه, يفرحه ويعطيه من روحه القدوس.
تكلمنا في المقال السابق عن الوعود الإلهية وعرفنا كيف أنها من أكثر الأمور التي تعزي الإنسان في حياته اليومية, فهي تعطي ثقة بوجود الله الدائم معه, يفرحه ويعطيه من روحه القدوس.
الوعود الإلهية نتعلمها من الكتاب المقدس, نطلبها بالصلاة, نقبلها بالإيمان, ننالها بالجهاد, واليوم نبدأ التأمل في أهم الوعود التي وعد بها الله البشرية وهي:
الوعد بالخلاص
أعطي الله الإنسان هذا الوعد بعد سقوط آدم وخروجه من جنة عدن مطرودا لمخالفته وصية الله ألا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر, وبعد أن فقد آدم وحواء كل شيء كان وعد الله لهما أن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك 3: 15) ونسل المرأة كان هو السيد المسيح الذي سحق رأس الحية, وأكمل عمل الخلاص.
مفهوم الخلاص في العهد القديم
وكان الخلاص في العهد القديم يعني الخلاص من الآلام والضيقات التي كانت تواجه الشعب, لذلك كان الكاهن أثناء اجتماعه مع شعب الله يطلب من أجل خلاص الشعب خلص شعبك وبارك ميراثك وارعهم واحملهم إلي الأبد (مز 28: 9), وهي نفس الطبة التي نستخدمها في نهاية كل اجتماع وخدمة ليتوريجية حتي اليوم.
وهكذا تحدث العديد من الشخصيات في العهد القديم عن خلاص الرب فها هو داود النبي عندما يتحدث عن خلاص الرب لقطيعه من يد الأسد يقول الرب نوري وخلاصي ممن أخاف (مز 27: 1).
كما يتكلم أشعياء النبي عن موقف الله من شعبه فيقول في الضيقات في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم (أش 63: 9).
***
مفهوم الخلاص في العهد الجديد
أما عن الخلاص في العهد الجديد فلم يكن هو الخلاص من الآلام والضيقات فقط بل أيضا يعني الخلاص من الخطية ونتائجها, وهذا هو الخلاص بدم السيد المسيح, لذلك يسمي الإنجيل في العهد الجديد إنجيل الخلاص فعندما بشر الملاك الرعاة بميلاد السيد المسيح قال لهم إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب (لو 2: 11).
كما نسمع أمنا العذراء مريم في تسبحتها تقول تبتهج روحي بالله مخلصي (لو 1: 47).
ويكتب معلمنا بولس الرسول في رسائله داعيا الجميع للتوبة قائلا هوذا الآن يوم خلاص (2 كو 6: 2).. لأن الكتاب المقدس يركز في العهد الجديد علي الخلاص الأبدي بفداء السيد المسيح بدلا من الخلاص المادي.
ولقد كانت الشرائع والممارسات في العهد القديم تهيئ ذهن الشعب لمجئ المخلص, لذلك عندما دخل السيد المسيح أورشليم صرخ الشعب أوصنا أي خلصنا, وكان كل من يشغل ذهنهم هو الخلاص المادي من الاستعمار, أما عمل السيد المسيح الأساسي فكان هو إتمام الخلاص من الخطية حتي يعيد الإنسان إلي الملكوت السماوي, لذلك كان يقول في تعاليمه الذي يصبر إلي المنتهي فهذا يخلص (مت 24: 13).. وكان يعني الخلاص الأبدي.
***
مفهوم الخلاص في الإيمان المسيحي
والخلاص كلمة يتداولها الكثيرين فغير المؤمنين يعتقدون أن الله يخلص ولكن بواسطة آخرين حيث يرسل نبيا.. رسولا.. قائدا.. إلخ, لكي يخلص, وهذا الخلاص في ذهنهم يرتبط بعمل مادي.
أما مفهوم الخلاص في المسيحية فيتميز بأمرين هما:
* إنه خلاص من عمل الخطية.
* إنه خلاص مرتبط بشخص الإله المتجسد الذي يخلص بذاته, فالله في المسيحية مخلص وليس فقط ديان ورحيم ورحمن.
ونحن كمسيحيين نؤمن بمحبة الله لنا محبة غامرة جدا جعلته يأخذ لنفسه جسدا من أمنا العذراء مريم لكي يخلص البشرية إذ ليس بأحد غيره الخلاص (أع 4: 12) لذلك فمن ألقاب السيد المسيح التي أعلنتها السماء أنه مخلص هو المسيح الرب (لو 2: 11), كما نردد كثيرا في صلواتنا مخلصنا يسوع المسيح وهذا التعبير لا نجده في أي ديانة أخري..
وأيضا يذكر الكتاب كلمات سمعان الشيخ عندما حمل السيد المسيح علي ذراعيه, وأعلمه الروح القدس أن ذاك هو المخلص الذي انتظره.. فقد هتف قائلا عيني قد أبصرتا خلاصك (لو 2: 30).
وهنا نحتاج أن نفرق بين تعبيرين هامين في الإيمان المسيحي وهما مسئولية الخطية, ونتائج الخطية؟
فآدم أخطأ وحكم عليه موتا تموت, وطرد من الجنة, وهكذا كانت مسئولية الخطية تقع علي آدم وحواء.. أما أنا كإنسان فقد تحملت نتيجة هذه الخطية لأني ولدت خارجة الجنة!!
هكذا نحن لكي نعود إلي الملكوت مرة أخري كان لابد من وجود إنسان بشروط خاصة يدفع الثمن, ويقبل حكم الموت وهو الفادي الذي كان عليه أن يفدي آدم وحواء ونسلمها أيضا كما يقول الكتاب إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولي كثيرا نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين (رو 5: 15).
***
فما شروط هذا الفادي والمخلص
أن يكون المخلص غير محتاج للخلاص, عندما دخل الموت إلي العالم عن طريق واحد الذي هو ادم وأراد الله أن يخلص البشرية لم يجد هناك من يستطيع القيام بهذا الخلاص.
* فلا ملاك ولا رئيس ملائكة كان يصلح للقيام بعمل الخلاص لأن الملاك لا يمكنه أن يموت إذ هو روح, وأيضا الملاك لم يكن في درجة الإنسان الذي خلق علي صورة الله ومثاله.
* لا نبي ولا رئيس آباء. لأن النبي يكون قد اشترك مع الإنسان في الخطية, ويحتاج هو نفسه أيضا إلي الخلاص.
* ولا حتي العذراء مريم التي كانت إناء للتجسد الإلهي كانت تصلح لتقوم بعمل الخلاص فإيمان كنيستنا الأرثوذكسية هو أن أمنا العذراء كانت نقية ولكنها كانت تحمل نتائج الخطية في جسدها, ولذلك فهي محتاجة أيضا إلي الخلاص.. وتقول في تسبحتها تبتهج روحي بالله مخلصي (لو 1: 47).
أن يكون المخلص غير محدد
فخطية آدم كانت ضد الله غير المحدود, فالذي يدفع ثمن الخطية كان لابد أن يكون هو أيضا غير محدود لكي تكون قيمة الفداء معادلة للخطية, ولم يوجد في الخليقة من هو غير محدود سوي الله, فكان لابد لله المحب أن يأخذ جسد إنسان من أجل أن يتمم له الفداء.
قدرة المخلص علي الخلق والتصرف حتي في ذاته
والوحيد الذي له سلطان الخلقة, هو الله لذا كان عليه إن أراد أن يخلص الإنسان أن يأخذ جسدا ويولد من عذراء ويسلم ذاته للموت وهو بذلك يستطيع أن يقول لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضا (يو 10: 18).
وجميع هذه الشروط لا تنطبق إلا علي شخص ربنا يسوع المسيح الذي جاء إلي العالم متجسدا لكي يكمل الوعد بالخلاص, لذلك يقول الكتاب جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه (2 كو 5: 21).
لذلك قال عنه يوحنا المعمدان هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يو 1: 29).
ولأن هذا هو صلب الإيمان المسيحي المبني علي الخلاص بالسيد المسيح الإله المتجسد الذي ليس بغيره الخلاص (أع 4: 12).
فإن الكنيسة في حكمتها تقدم لنا الرب يسوع ذاته في سر التناول حيث يتحول القربان المختمر إلي جسد الرب بعد حلول الروح القدس, ومن حكمة الكنيسة أنها تقدم خبزا مختمرا وليس فطيرا دون خمير لأن الخمير يرمز في الكتاب المقدس إلي الخطية.. كأنها تقول لنا وهكذا حمل السيد المسيح خطيتنا في جسده.
كما ترنم الكنيسة في تسبح نصف الليل هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له.
***
فإن كان الرب قد اختار أن يخلص العالم فلماذا اختار موت الصليب؟
كانت أقصي عقوبة في العهد القديم هي الصليب ومكتوب ملعون كل من علق علي خشبة (غل 3: 13), لذلك اختار يسوع الصليب لكي يقدم الفداء ويحتمل الموت في أقصي صوره, وأعمق آلامه.. وعندما قال علي الصليب أنا عطشان (يو 19: 28) قدموا له خلا فلم يرد أن يشرب لأن الخل يعطي نوعا من التخدير وتسكين الآلام, وهو يريد احتمال الآلام في عمقها لكي يوفي الدين كاملا.
وكان الموت بالصليب يقتضي سفك الدم والكتاب يؤكد بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عب 9: 22).. لذلك كانت الذبائح في العهد القديم ترمز إلي دم المسيح الفادي حيث يضع الإنسان الخاطئ يده علي رأس الذبيحة ويعترف بخطأه ويسفك دم الخروف بدلا من المخطئ.
ولذلك فنحن في العهد الجديد نؤمن أيضا أنه ليس هناك خلاص إلا من خلال دم ربنا يسوع الذي يطهر من كل خطية, وهذا الدم مفاعيله غير محدودة لأنه يقول هو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا (1 يو 2: 2).
***
ضرورة الخلاص بدم المسيح
الإنسان الذي يؤمن بالإله الواحد فقط دون أن يؤمن بدم المسيح لا يكون له خلاص فالكتاب يقول أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه (يو 1: 12).. أي المؤمنين به كفادي ومخلص.
فمهما كان الإيمان الذي في قلبي بالله الخالق العادل الرحيم, وكانت لي الكثير من الأعمال الحسنة لكني لا أؤمن بالله الذي سفك دمه من أجل خلاصي يصير هذا الإيمان باطلا.
وهنا أحب أن أؤكد علي خلاصة الإيمان المسيحي الذي نؤمن به أنه ليس هناك خلاص بأعمال الإنسان أيا كانت إلا في استحقاق دم المسيح.
***
الأسرار المقدسة والخلاص
في إيمان كنيستنا الأرثوذكسية نعتبر أن المعمودية هي مدخل الأسرار كلها, لأنها تذكار لعمل السيد المسيح الذي مات وقبر وقام, كما نؤمن أنها يمكن أن تكون علي إيمان الإشبين إذا كان الشخص المعمد طفلا, فالكتاب يؤكد من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن (مر 16: 16).
هل يكفي الإيمان والمعمودية, ولا ضرورة للأعمال؟
هنا خطورة الالة الواحدة – كما يعلمنا مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة – لذلك لابد أن نضع الآيات التي تتحدث عن المعمودية مع بعضها, فنجد هناك ضرورة للإيمان بربنا يسوع ثم الدفن مع المسيح في المعمودية في استحقاقات الصليب, ثم تأتي الأعمال التي هي ثمرة الإيمان.
لذلك فنحن في يوم سر المعمودية نمارس ثلاثة أمور:
* إعلان توبة.
* إعلان الإيمان بربنا يسوع المسيح.
* الميلاد الجديد في المعمودية في استحقاقات الصليب.
إذا كان الشخص المعمد ناضجا يعلن إيمانه, ويقول أجحدك أيها الشيطان وأؤمن بالله الواحد.
أما إذا كان المعمد طفلا, فإن الإشبين يعلن الإيمان والتوبة نيابة عنه حتي تتم معمودية الطفل, وهكذا يستحق السماء, فالسيد المسيح يعلمنا دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله (لو 18: 16).
وفي كنيستنا عادة ما تكون مادة السر لها علاقة بالبركة التي نحصل عليها, ومادة سر المعمودية هي الماء الذي يغسل من كل خطية.. وهذه هي كلمات الكتاب المقدس بمقتضي رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تي 3: 5).
***
كيف ننال استحقاقات الوعد بالخلاص
وبذلك يكون استحقاق الوعد بالخلاص في المفهوم الأرثوذكسي يحتاج إلي عدة أمور:
* الإيمان بدم المسيح.
فنحن نعرف أن كل شيء يمكننا أن نناله في دم المسيح, ولكن لكي يكمل عمله فينا لابد أن نؤمن به أولا مثل سجان فيلبي لكي ينال الخلاص.. كان لابد له من الريمان أولا آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك.. (أع 16: 31).
فالمدخل إذن هو الإيمان بالرب يسوع الفادي والمخلص.
* المعمودية المقدسة.
التي من خلالها ننال شركة دم المسيح في دفنه وقيامته.
* ممارسة الأسرار اللازمة للخلاص.
فإذا أخطأت لابد من التوبة وممارسة التوبة والاعتراف.
* الأعمال الصالحة الإيمان العامل بالمحبة.
يتكلم معلمنا بولس الرسول في رسالة رومية عن أعمال الناموس مثل الختان والذبائح.. إلخ, يقول إن هذه كلها لا تخلص فنجده يقول أما البار فبالإيمان يحيا (رو 1: 17), وهو بذلك يتكلم عن أعمال الناموس الذي ليس به خلاص ولا بر.
أما مفهوم الأعمال في الإيمان المسيحي في العهد الجديد فإنك إذ كنت تؤمن بالمسيح فلابد أن تتم وصيته, فالأعمال تؤكد إيمانك ولذلك تحدثت رسالة يعقوب الرسول عن أعمال راحاب الزانية التي أظهرت بها إيمانها (يع 2: 25).
كل هذه المعارف اللاهوتية تاهدف أن توصلنا إلي مفهوم الفداء الذي كان ترجمة عملية لمحبة الله للبشرية هكذا أحد الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو 3: 16), فليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه (يو 15: 13).
فمحبة السيد المسيح لنا هي محبة غير محدودة وهو من عظم محبته لنا أخلي ذاته آخدا صورة عبد, وعندما نسأله لماذا فعلت ذلك؟ فيجيب لأني أحبك.
فأقول له أنا أيضا أريد أن أحبك يارب.. وهذه هي الخلاصة الروحية من الفكر اللاهوتي لمفهوم الخلاص.
وهنا تحتاج أن تسأل نفسك الآن هل تستطيع أن تقول أنا أحبك يارب لأنك أحببتني؟!
هل تقول إني أحبك يارب وأنت مازلت:
* تتحدث بكلام غير لائق.
* ولم تدخلني إلي بيتك.
* ولم تهتم بإخوتي الأصاغر.
الآن.. الله يقرع علي قلب كل واحد ويقول له من أجل محبتي لك أنا, أرسلت لك الأنبياء, تجسدت من أجلك, وبذلت ذاتي, وقدمت لك الكتاب المقدس, والكنيسة بكل ما فيها من خدام وممارسات.. وأنت ماذا فعلت لكي تبادلني هذا الحب؟1
هل هناك خطية محبوبة في حياتك؟
هل تحب الخطية أكثر مني؟
هل تحب كبريائك ومجدك الشخصي أكثر من مجد ربنا؟
يارب كل الأشياء التي تعطل محبتي لك سوف أضعها تحت قدميك لكي أتمتع بعمل خلاصك.
أنا أؤمن بعمل فدائك العظيم علي الصليب من أجل خلاصي وأتبعك أينما تمضي حتي أسمع صوتك الإلهي ادخل إلي فرح سيدك (مت 25: 21).
الوعود الإلهية نتعلمها من الكتاب المقدس, نطلبها بالصلاة, نقبلها بالإيمان, ننالها بالجهاد, واليوم نبدأ التأمل في أهم الوعود التي وعد بها الله البشرية وهي:
الوعد بالخلاص
أعطي الله الإنسان هذا الوعد بعد سقوط آدم وخروجه من جنة عدن مطرودا لمخالفته وصية الله ألا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر, وبعد أن فقد آدم وحواء كل شيء كان وعد الله لهما أن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك 3: 15) ونسل المرأة كان هو السيد المسيح الذي سحق رأس الحية, وأكمل عمل الخلاص.
مفهوم الخلاص في العهد القديم
وكان الخلاص في العهد القديم يعني الخلاص من الآلام والضيقات التي كانت تواجه الشعب, لذلك كان الكاهن أثناء اجتماعه مع شعب الله يطلب من أجل خلاص الشعب خلص شعبك وبارك ميراثك وارعهم واحملهم إلي الأبد (مز 28: 9), وهي نفس الطبة التي نستخدمها في نهاية كل اجتماع وخدمة ليتوريجية حتي اليوم.
وهكذا تحدث العديد من الشخصيات في العهد القديم عن خلاص الرب فها هو داود النبي عندما يتحدث عن خلاص الرب لقطيعه من يد الأسد يقول الرب نوري وخلاصي ممن أخاف (مز 27: 1).
كما يتكلم أشعياء النبي عن موقف الله من شعبه فيقول في الضيقات في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم (أش 63: 9).
***
مفهوم الخلاص في العهد الجديد
أما عن الخلاص في العهد الجديد فلم يكن هو الخلاص من الآلام والضيقات فقط بل أيضا يعني الخلاص من الخطية ونتائجها, وهذا هو الخلاص بدم السيد المسيح, لذلك يسمي الإنجيل في العهد الجديد إنجيل الخلاص فعندما بشر الملاك الرعاة بميلاد السيد المسيح قال لهم إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب (لو 2: 11).
كما نسمع أمنا العذراء مريم في تسبحتها تقول تبتهج روحي بالله مخلصي (لو 1: 47).
ويكتب معلمنا بولس الرسول في رسائله داعيا الجميع للتوبة قائلا هوذا الآن يوم خلاص (2 كو 6: 2).. لأن الكتاب المقدس يركز في العهد الجديد علي الخلاص الأبدي بفداء السيد المسيح بدلا من الخلاص المادي.
ولقد كانت الشرائع والممارسات في العهد القديم تهيئ ذهن الشعب لمجئ المخلص, لذلك عندما دخل السيد المسيح أورشليم صرخ الشعب أوصنا أي خلصنا, وكان كل من يشغل ذهنهم هو الخلاص المادي من الاستعمار, أما عمل السيد المسيح الأساسي فكان هو إتمام الخلاص من الخطية حتي يعيد الإنسان إلي الملكوت السماوي, لذلك كان يقول في تعاليمه الذي يصبر إلي المنتهي فهذا يخلص (مت 24: 13).. وكان يعني الخلاص الأبدي.
***
مفهوم الخلاص في الإيمان المسيحي
والخلاص كلمة يتداولها الكثيرين فغير المؤمنين يعتقدون أن الله يخلص ولكن بواسطة آخرين حيث يرسل نبيا.. رسولا.. قائدا.. إلخ, لكي يخلص, وهذا الخلاص في ذهنهم يرتبط بعمل مادي.
أما مفهوم الخلاص في المسيحية فيتميز بأمرين هما:
* إنه خلاص من عمل الخطية.
* إنه خلاص مرتبط بشخص الإله المتجسد الذي يخلص بذاته, فالله في المسيحية مخلص وليس فقط ديان ورحيم ورحمن.
ونحن كمسيحيين نؤمن بمحبة الله لنا محبة غامرة جدا جعلته يأخذ لنفسه جسدا من أمنا العذراء مريم لكي يخلص البشرية إذ ليس بأحد غيره الخلاص (أع 4: 12) لذلك فمن ألقاب السيد المسيح التي أعلنتها السماء أنه مخلص هو المسيح الرب (لو 2: 11), كما نردد كثيرا في صلواتنا مخلصنا يسوع المسيح وهذا التعبير لا نجده في أي ديانة أخري..
وأيضا يذكر الكتاب كلمات سمعان الشيخ عندما حمل السيد المسيح علي ذراعيه, وأعلمه الروح القدس أن ذاك هو المخلص الذي انتظره.. فقد هتف قائلا عيني قد أبصرتا خلاصك (لو 2: 30).
وهنا نحتاج أن نفرق بين تعبيرين هامين في الإيمان المسيحي وهما مسئولية الخطية, ونتائج الخطية؟
فآدم أخطأ وحكم عليه موتا تموت, وطرد من الجنة, وهكذا كانت مسئولية الخطية تقع علي آدم وحواء.. أما أنا كإنسان فقد تحملت نتيجة هذه الخطية لأني ولدت خارجة الجنة!!
هكذا نحن لكي نعود إلي الملكوت مرة أخري كان لابد من وجود إنسان بشروط خاصة يدفع الثمن, ويقبل حكم الموت وهو الفادي الذي كان عليه أن يفدي آدم وحواء ونسلمها أيضا كما يقول الكتاب إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولي كثيرا نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين (رو 5: 15).
***
فما شروط هذا الفادي والمخلص
أن يكون المخلص غير محتاج للخلاص, عندما دخل الموت إلي العالم عن طريق واحد الذي هو ادم وأراد الله أن يخلص البشرية لم يجد هناك من يستطيع القيام بهذا الخلاص.
* فلا ملاك ولا رئيس ملائكة كان يصلح للقيام بعمل الخلاص لأن الملاك لا يمكنه أن يموت إذ هو روح, وأيضا الملاك لم يكن في درجة الإنسان الذي خلق علي صورة الله ومثاله.
* لا نبي ولا رئيس آباء. لأن النبي يكون قد اشترك مع الإنسان في الخطية, ويحتاج هو نفسه أيضا إلي الخلاص.
* ولا حتي العذراء مريم التي كانت إناء للتجسد الإلهي كانت تصلح لتقوم بعمل الخلاص فإيمان كنيستنا الأرثوذكسية هو أن أمنا العذراء كانت نقية ولكنها كانت تحمل نتائج الخطية في جسدها, ولذلك فهي محتاجة أيضا إلي الخلاص.. وتقول في تسبحتها تبتهج روحي بالله مخلصي (لو 1: 47).
أن يكون المخلص غير محدد
فخطية آدم كانت ضد الله غير المحدود, فالذي يدفع ثمن الخطية كان لابد أن يكون هو أيضا غير محدود لكي تكون قيمة الفداء معادلة للخطية, ولم يوجد في الخليقة من هو غير محدود سوي الله, فكان لابد لله المحب أن يأخذ جسد إنسان من أجل أن يتمم له الفداء.
قدرة المخلص علي الخلق والتصرف حتي في ذاته
والوحيد الذي له سلطان الخلقة, هو الله لذا كان عليه إن أراد أن يخلص الإنسان أن يأخذ جسدا ويولد من عذراء ويسلم ذاته للموت وهو بذلك يستطيع أن يقول لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضا (يو 10: 18).
وجميع هذه الشروط لا تنطبق إلا علي شخص ربنا يسوع المسيح الذي جاء إلي العالم متجسدا لكي يكمل الوعد بالخلاص, لذلك يقول الكتاب جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه (2 كو 5: 21).
لذلك قال عنه يوحنا المعمدان هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يو 1: 29).
ولأن هذا هو صلب الإيمان المسيحي المبني علي الخلاص بالسيد المسيح الإله المتجسد الذي ليس بغيره الخلاص (أع 4: 12).
فإن الكنيسة في حكمتها تقدم لنا الرب يسوع ذاته في سر التناول حيث يتحول القربان المختمر إلي جسد الرب بعد حلول الروح القدس, ومن حكمة الكنيسة أنها تقدم خبزا مختمرا وليس فطيرا دون خمير لأن الخمير يرمز في الكتاب المقدس إلي الخطية.. كأنها تقول لنا وهكذا حمل السيد المسيح خطيتنا في جسده.
كما ترنم الكنيسة في تسبح نصف الليل هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له.
***
فإن كان الرب قد اختار أن يخلص العالم فلماذا اختار موت الصليب؟
كانت أقصي عقوبة في العهد القديم هي الصليب ومكتوب ملعون كل من علق علي خشبة (غل 3: 13), لذلك اختار يسوع الصليب لكي يقدم الفداء ويحتمل الموت في أقصي صوره, وأعمق آلامه.. وعندما قال علي الصليب أنا عطشان (يو 19: 28) قدموا له خلا فلم يرد أن يشرب لأن الخل يعطي نوعا من التخدير وتسكين الآلام, وهو يريد احتمال الآلام في عمقها لكي يوفي الدين كاملا.
وكان الموت بالصليب يقتضي سفك الدم والكتاب يؤكد بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عب 9: 22).. لذلك كانت الذبائح في العهد القديم ترمز إلي دم المسيح الفادي حيث يضع الإنسان الخاطئ يده علي رأس الذبيحة ويعترف بخطأه ويسفك دم الخروف بدلا من المخطئ.
ولذلك فنحن في العهد الجديد نؤمن أيضا أنه ليس هناك خلاص إلا من خلال دم ربنا يسوع الذي يطهر من كل خطية, وهذا الدم مفاعيله غير محدودة لأنه يقول هو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا (1 يو 2: 2).
***
ضرورة الخلاص بدم المسيح
الإنسان الذي يؤمن بالإله الواحد فقط دون أن يؤمن بدم المسيح لا يكون له خلاص فالكتاب يقول أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه (يو 1: 12).. أي المؤمنين به كفادي ومخلص.
فمهما كان الإيمان الذي في قلبي بالله الخالق العادل الرحيم, وكانت لي الكثير من الأعمال الحسنة لكني لا أؤمن بالله الذي سفك دمه من أجل خلاصي يصير هذا الإيمان باطلا.
وهنا أحب أن أؤكد علي خلاصة الإيمان المسيحي الذي نؤمن به أنه ليس هناك خلاص بأعمال الإنسان أيا كانت إلا في استحقاق دم المسيح.
***
الأسرار المقدسة والخلاص
في إيمان كنيستنا الأرثوذكسية نعتبر أن المعمودية هي مدخل الأسرار كلها, لأنها تذكار لعمل السيد المسيح الذي مات وقبر وقام, كما نؤمن أنها يمكن أن تكون علي إيمان الإشبين إذا كان الشخص المعمد طفلا, فالكتاب يؤكد من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن (مر 16: 16).
هل يكفي الإيمان والمعمودية, ولا ضرورة للأعمال؟
هنا خطورة الالة الواحدة – كما يعلمنا مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة – لذلك لابد أن نضع الآيات التي تتحدث عن المعمودية مع بعضها, فنجد هناك ضرورة للإيمان بربنا يسوع ثم الدفن مع المسيح في المعمودية في استحقاقات الصليب, ثم تأتي الأعمال التي هي ثمرة الإيمان.
لذلك فنحن في يوم سر المعمودية نمارس ثلاثة أمور:
* إعلان توبة.
* إعلان الإيمان بربنا يسوع المسيح.
* الميلاد الجديد في المعمودية في استحقاقات الصليب.
إذا كان الشخص المعمد ناضجا يعلن إيمانه, ويقول أجحدك أيها الشيطان وأؤمن بالله الواحد.
أما إذا كان المعمد طفلا, فإن الإشبين يعلن الإيمان والتوبة نيابة عنه حتي تتم معمودية الطفل, وهكذا يستحق السماء, فالسيد المسيح يعلمنا دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله (لو 18: 16).
وفي كنيستنا عادة ما تكون مادة السر لها علاقة بالبركة التي نحصل عليها, ومادة سر المعمودية هي الماء الذي يغسل من كل خطية.. وهذه هي كلمات الكتاب المقدس بمقتضي رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تي 3: 5).
***
كيف ننال استحقاقات الوعد بالخلاص
وبذلك يكون استحقاق الوعد بالخلاص في المفهوم الأرثوذكسي يحتاج إلي عدة أمور:
* الإيمان بدم المسيح.
فنحن نعرف أن كل شيء يمكننا أن نناله في دم المسيح, ولكن لكي يكمل عمله فينا لابد أن نؤمن به أولا مثل سجان فيلبي لكي ينال الخلاص.. كان لابد له من الريمان أولا آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك.. (أع 16: 31).
فالمدخل إذن هو الإيمان بالرب يسوع الفادي والمخلص.
* المعمودية المقدسة.
التي من خلالها ننال شركة دم المسيح في دفنه وقيامته.
* ممارسة الأسرار اللازمة للخلاص.
فإذا أخطأت لابد من التوبة وممارسة التوبة والاعتراف.
* الأعمال الصالحة الإيمان العامل بالمحبة.
يتكلم معلمنا بولس الرسول في رسالة رومية عن أعمال الناموس مثل الختان والذبائح.. إلخ, يقول إن هذه كلها لا تخلص فنجده يقول أما البار فبالإيمان يحيا (رو 1: 17), وهو بذلك يتكلم عن أعمال الناموس الذي ليس به خلاص ولا بر.
أما مفهوم الأعمال في الإيمان المسيحي في العهد الجديد فإنك إذ كنت تؤمن بالمسيح فلابد أن تتم وصيته, فالأعمال تؤكد إيمانك ولذلك تحدثت رسالة يعقوب الرسول عن أعمال راحاب الزانية التي أظهرت بها إيمانها (يع 2: 25).
كل هذه المعارف اللاهوتية تاهدف أن توصلنا إلي مفهوم الفداء الذي كان ترجمة عملية لمحبة الله للبشرية هكذا أحد الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو 3: 16), فليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه (يو 15: 13).
فمحبة السيد المسيح لنا هي محبة غير محدودة وهو من عظم محبته لنا أخلي ذاته آخدا صورة عبد, وعندما نسأله لماذا فعلت ذلك؟ فيجيب لأني أحبك.
فأقول له أنا أيضا أريد أن أحبك يارب.. وهذه هي الخلاصة الروحية من الفكر اللاهوتي لمفهوم الخلاص.
وهنا تحتاج أن تسأل نفسك الآن هل تستطيع أن تقول أنا أحبك يارب لأنك أحببتني؟!
هل تقول إني أحبك يارب وأنت مازلت:
* تتحدث بكلام غير لائق.
* ولم تدخلني إلي بيتك.
* ولم تهتم بإخوتي الأصاغر.
الآن.. الله يقرع علي قلب كل واحد ويقول له من أجل محبتي لك أنا, أرسلت لك الأنبياء, تجسدت من أجلك, وبذلت ذاتي, وقدمت لك الكتاب المقدس, والكنيسة بكل ما فيها من خدام وممارسات.. وأنت ماذا فعلت لكي تبادلني هذا الحب؟1
هل هناك خطية محبوبة في حياتك؟
هل تحب الخطية أكثر مني؟
هل تحب كبريائك ومجدك الشخصي أكثر من مجد ربنا؟
يارب كل الأشياء التي تعطل محبتي لك سوف أضعها تحت قدميك لكي أتمتع بعمل خلاصك.
أنا أؤمن بعمل فدائك العظيم علي الصليب من أجل خلاصي وأتبعك أينما تمضي حتي أسمع صوتك الإلهي ادخل إلي فرح سيدك (مت 25: 21).