قد يظن البعض أن الكتابة عن واقعة التحرش الجماعي التي حدثت في المهندسين…كلام قديم أو أنه تناول إعلامي متأخر,ولكن الحقيقة أننا نكون مقصرين بل وقاصثدي الرؤية إذا تعاملنا مع هذا الموضوع وكأنه مجرد حادثة مرت وأخذت وقتها,لأن المصيبة مازالت كائنة بل ومتربصة لكل سيدة وكل فتاة قررت أن تخرج من بيتها,وقد تكون لها تداعيات كثيرة ومعقدة علينا وعلي بناتنا,فقد قالت لي إحدي الفتيات التي حصلت علي دبلوم صنايع بتفوق يؤهلها لاستكمال دراستها في الهندسة إن والدها رفض بشدة استكمال مشوار التعليم خوفا من تعرضها للتحرش في المواصلات أو الشارع,وتوجه الكثير من أولياء الأمور إلي مرافقة بناتهم في الوصول إلي المدرسة أو الجامعة أو الدرس الخصوصي خوفا عليهن من ذلك الشبح المتربص بهن في الطريق…ألهذا الحد قد نتعرض إلي ردة مجتمعية تصيب بناتنا!!..خاصة وأنه لم يعد مجديا نصيحة بناتنا بالاحتشام في الملابس أو المشية المؤدبة أو السير في طريق أو شارع فأهول بالناس للحماية من التحرش…فكل هذا لم يعد يحول دون تعرضهن للأذي,فالمتحرش لم يعد يختشي.
المشكلة أنه في تحليل ما حدث في عيد الفطر مؤخرا أن أرجع المتخصصون السبب إلي الأزمة الاقتصادية وإلي تأخر سن الزواج وآخرون أصروا علي أن البنت(المايعة) المتبرجة هي السبب,وهذا ما نراه بوضوح في تعليقات الناس في المنتديات الإلكترونية علي الانترنت أو في تعليقاتهم علي ما ينشر بالصحف والمجلات الإلكترونية والتي أري أنها أحسن وسيلة لقياس نبص المجتمع دون زيف أو تجميل لكنه للأسف موجع للغاية ويفضح مدي التردي الأخلاقي الذي انزلقنا فيه…والكارثة أن تحليل ما حدث بدا أقرب إلي التماس الأعذار لهؤلاء الجوعي جنسيا!!وانحرفت بعض الأقلام لتعتبر المجرمين ضحية الفقر والعوز!!..فلماذا أصبحنا نستسيغ أن نبرئ المذنب ونذنب البرئ؟!
كالعادة نترك المشاكل تتفاقم ويصبح حلها محتاجا إلي ترسانة حربية.
منذ سنوات عندما خرج المجلس المصري لحقوق المرأة بدراسة تكشف أن84% من النساء يتعرضن يوميا للتحرش,لم نلتفت لجرس الإنذار بل صممنا الأذن وتجاهلنا الخبر واعترض البعض بأنه يسئ لسمعة مصر!!
إن كنا نأمل اليوم في صدور قانون يعاقب التحرش عقوبة صارمة فإننا نحتاج بالتوازي لنشر الثقافة القانونية التي تحفز عن الإبلاغ لأنه حتي العقوبة الموجودة مثلا في قانون العقوبات لا يتم استغلالها ونحتاج إلي رجال شرطة مدربين بل مؤمنين بفداحة تلك الجريمة حتي لا تتحول البنت الضحية في قسم الشرطة إلي متهمة,ولا يمكن أن نتجاهل دور التربية في الأسرة والمدرسة في تعميق المبادئ والأخلاق واحترام جسد الإنسان وآدميته ونظرته المحترمة للمرأة جسدا وفكرا وكيانا.
[email protected]