القس بولس بشاي – أسيوط
ما من شك ان كل واحد فينا حين يقرأ عن شخصية محبوبة لديه لم يكن قد رآها من قبل يرسم عنها فى خياله صورة تحوى و تجسد كل ما يعرفه عنها و بنعمة الله عزيزى القارىء الفنان نود ان نرسم للقديس بولس فى مخيلتنا ايقونة تجسد شخصيته من خلال بعض المعلومات و المعطيات الكتابية.
ان هذا القديس كثيراً ما تكلم و علم و عاش الرقة بكل تفاصيلها إذ يذكر مثلاً فى رسالته الى اهل فيلبى “كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض” (فى 4 : 32) و فى رسالته الى القديس تيطس يقول “و يكونوا غير مخاصمين حلماء مظهرين كل وداعة لجميع الناس” (تي 3 : 2) و حتى عندما يريد ان يؤدب يقول عن نفسه “انا نفسى بولس الذى فى الحضرة ذليل بينكم ” (2 كو 10 : 1) و حينما يضع نفسه فى ميزان الخدام الكارزين فى مسكنة شديدة يقول “و آخر الكل كأنه للسقط ظهر لى انا لأنى اصغرالرسل انا الذى لست اهلاً لأن ادعى رسولاً” (1 كو 15 : 8 – 9) ذلك القديس الذى احس بالضعفاء و المقيدين كأنه معهم بالجسد فنراهيحامى عن انسيمس العبد اللص الهارب و يتحمل هو تبعات اخطاء انسيمس و يعتبر رسالته لسيده فليمون بمثابة صك او وصل امانة حرره على نفسه متعهداً بالوفاء بكل ما على انسيمس و قال “انا بولس كتبت بيدى انا اوفى” (فل : 19). حقاً انه ايقونة للرقة و اللطف
الآن لنرى الوجه الآخر لهذه العملة الذهبية النفيسة اوباقى خصائص هذه الشخصية:-
عندما كان يكرز فى فيلبى قُبض عليه مع سيلا و ضربا بالعصى ضرباً شديداً والقيا فى السجن بدون محاكمة و هو ما يخالف القانون الرومانى لأنهم اصحاب جنسية رومانية نرى القديس بولس فى صلابة لا تعرف التهاون او التفريط فى الحق تمرد على الظلم و عندما امر الولاة بالافراج عنهما رفض باصرار شديد الخروج و قال فى حسم و حزم “ضربونا جهراً غير مقضى علينا و نحن رجلان رومانيان و القونا فى السجن أفالآن يطرودوننا سراً؟! كلا . بل ليأتوا هم انفسهم و يخرجوننا” (اع 16 : 37) لن اسمح لهم بالخروج من مأزقهم إلا بعد اعتذار رسمى يرد الاعتبار و بالفعل جاءوا و تضرعوا اليهما و اخرجوهما من السجن باكرام جزيل.
و عندما كان يجد خطأ من أياً من كان بمنتهى الحسم يصوب هذا الخطأ ففى قضية التهود واجه القديس بطرس بكل صراحة و شجاعة برغم احترامه الكامل له واعتباره اياه واحداً من اعمدة الكنيسة مبتغياً فقط الحق الانجيلى فيوضح لأهل غلاطية فى رسالته اليهم “لما اتى بطرس الى انطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً” (غل 2 : 11) “لما رأيت انهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الانجيل قلت لبطرس قدام الجميع ان كنت و انت يهودى تعيش اممياً لا يهودياً فلماذا تلزم الأمم ان يتهودوا؟” (غل 2 : 14)
نكاد لا نصدق ان هذا الرجل الوديع فى مواقف كثيرة هو نفسه الرجل الحازم الحاسم فى مواقف اخرى و الحقيقة ان شخصية بولس الرسول لم تكن متناقضة و لا متأرجحة بين الوداعة و الحزم لكنها متكاملة فبينما يشدد القول على اسكندر النحاس صارخاً “اسكندر النحاس اظهر لى شروراً كثيرة. ليجازه الرب حسب عمله” (2 تى 4 : 14) نجده و بعد سطر واحد يغفر للذين تركوه وحده فى محاكمته و يقول “لا يحسب عليهم”
ان المسيحى الحقيقى هو صورة المسيح له المجد الذى عاش بالوداعة و قال “تعلموا منى لأنى وديع و متواضع القلب” (مت 11 : 29) , و هو ذاته الذى صنع سوطاً من حبال و طرد الذين كانوا يبيعون و يشترون فى الهيكل. و هو الذى تقبل آلام الصلب الرهيب دون ان يدافع عن نفسه و لكن عندما لطمه عبد رئيس الكهنة اثناء المحاكمة رفض هذه اللطمة قائلاً “ان كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردىو ان حسناً فلماذا تضربنى” (يو 18 : 23)
ليعطنا الله ان نعيش فى ملء الوداعة و اللطف وبإفراز نتمسك بالحزم و القوة عند الحاجة لئلا عوض ان ندان على الخشونة و عدم الوداعة ندان على التراخى و عدم الحسم , فى هذا يقول قداسة البابا شنودة: ان الفضائل لا تتعارض بل تتكامل لذلك يجب ان نزن كل فضيلة بميزان دقيق و لا نمارسها وحدها بغير حكمة.