الصليب رمز للألم وللبذل من أجل الحب
إن كنا نتألم معه, فسوف نتمجد معه
المهم هو أن تحمل صليبك في رضي وفي فرح
الصليب هو حمل خطايا الآخرين. فهل أنت كذلك؟
الألم طريق للفرح. نفرح في الألم ونفرح به
الصليب مجرد مرحلة, بعده أفراح القيامة, وأمجاد الصعود
بمناسبة عيد الصليب المجيد نود أن نتأمل قليلا في الصليب ومعانيه الروحية حتي ندخل إلي أعماقه.
فالصليب ليس مجرد قطعة من الخشب صلب عليها رب المجد, وليس هو مجرد علامة أو رشم أو شيء يعلقه المسيحيون علي صدورهم أو علي كنائسهم, إنما له معان نحب أن ندركها:
أولا:- للصليب معني عقيدي
فحينما نرشم علامة الصليب, من فوق إلي تحت, ومن الشمال إلي اليمين, إنما نقصد أن الله نزل من السماء إلي الأرض, لينقلنا من الظلمة إلي النور, ومن الموت إلي الحياة, ومن الخطيئة إلي البر.
وفي قولنا, ونحن نرشم الصليب, باسم الآب والابن الروح القدس الإله الواحد آمين, إنما نعترف بعقيدة التثليث والتوحيد, ونعترف أيضا بالتجسد والفداء.
هذه ناحية. ومن ناحية أخري..
ثانيا:- الصليب رمز إلي الألم وإلي البذل, وهما من أهم خصائص الحياة الروحية في المسيحية
فالمسيحية بدون صليب, لا تكون مسيحية علي الإطلاق. فقد دعانا رب المجد أن ندخل من الباب الضيق, وقال ضيق هو الباب, الذي يؤدي إلي الملكوت, وقليلون هم الذين يدخلون منه.
وقال الكتاب: بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله. وقيل لنا: في العالم يكون لكم ضيق.
والألم من أجل الرب, هو دليل الحب من نحو الرب
فالذين يحبون الرب من أجل خيراته ربما يحبون هذه الخيرات وليس الرب, والذين يريدون الحياة الروحية, كلها راحة ومتعة, واستجابة في كل ضيقة وعدم تحمل لأي تعب, هؤلاء لا يريدون أن يبذلوا شيئا من أجل الرب, ولا يعبرون عن حبهم له.
ما أجمل قول الرب لما دعا شاول الطرسوسي لخدمته سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجلي. وهوذا الرسول يقول:
إن كنا نتألم معه, فسوف نتمجد معه.
لذلك فالذي يهرب من الألم, إنما يهرب من الله, ومن المجد أيضا.
وقد قال السيد المسيح صراحة: إن أراد أحد أن يتبعني, فلينكر نفسه, ويحمل صليبه ويتبعني. ومن هنا نفهم أن حمل الصليب هو شرط لازم في المسيحية.
حياة المسيحي هي رحلة كاملة نحو الجلجثة, ومنها إلي أفراح القيامة.
انظروا كم كان رهيبا, ذلك الصليب الذي حمله الشهداء والمعترفون, وكل الذين تألموا من أجل الاعتراف بالإيمان.
وفي نفس الوقت كم كان مجيدا هذا الألم, وكم وهبهم من أكاليل..
إن كان قديس مثل مارجرجس قد نال مجدا هذا مقداره, فهذا راجع إلي الآلام الكثيرة التي تحملها لأجل الإيمان وكل هذا راجع إلي محبته العميقة لله حتي تحمل كل هذا لأجل اسمه.
والله لا يمكن أن ينسي تعب المحبة, ولا ينسي مطلقا الألم من أجله.
انظروا كيف قال لملوك كنيسة أفسس: أنا عارف أعمالك, وتعبك وصبرك وقد احتملت ولك صبر, وتعبت من أجل اسمي ولم تكل (رؤ2:2, 3).
إن كان الله لا ينسي كأس ماء بارد تعطيه لفقير, فهل ينسي آلامك من أجله.
وإن كان يعطينا فرصة للألم, فإنما هي فرصة لاختبار محبتنا له ومقدار بذلنا لأجله, إنما هناك شرط.
حسن أن تحمل صليبك وتتبعه, إنما المهم أن تحمل صليبك بفرح..
لا تتضجر, ولا تتذمر, ولا تتضايق ولا تشكر.. إنما تتحمل كل ألم من أجل الرب, ليس فقط في صبر, وفي صمت, وفي رضي, بل بالحري في فرح أيضا.
فتلاميذ المسيح حينما جلدوهم وسجنوهم, خرجوا فرحين, لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه (أع5:41).
ومعلمنا يعقوب الرسول يقول:
احسبوه كل فرح يا إخوتي, حينما تقعون في تجارب متنوعة (يع1, 2).
بل تشكر أيضا, لأن الله حسبك أهلا أن تحمل صليبك, وتشترك معه في آلامه.
وهذا ما سجله القديس بولس فقال:
لأعرفه, وقوة قيامته, وشركة آلامه, متشبها بموته (في3:10).
أتراك دخلت في (شركة آلامه)؟
أم أنت تنظر إلي آلام المسيح من بعيد وتتأملها, وتتحدث عنها, دون أن تشترك فيها؟!
هل تستطيع أن تصعد إلي جوار المسيح علي الصليب, وتغني مع القديس بولس الرسول أنشودته الحلوة:
مع المسيح صلبت (غل2:20)
وماذا كانت نتيجة ذلك؟
إنه يقول: مع المسيح صلبت, لكي أحيا لا أنا, بل المسيح يحيا في..
صلبت مع المسيح, أي تألمت مع المسيح, أو تألمت لأجل المسيح..
والمسيح لم يتألم بالمسامير فقط والشوك علي خشبة العار, إنما تألم خلال فترة تجسده, كما قال عنه الكتاب:
إنه كان رجل أوجاع ومختبر الحزن (إش53:3)
تعرض للإهانات الكثيرة, وللاتهامات ومرة أمسكوا حجارة ليرجموه, ووقف ضده الكتبة والفريسيون والصدوقيون, والكهنة ورؤساء الشعب, بل منذ طفولته أراد هيرودس قتله فهرب إلي أرض مصر.. وقام عليه شهود زور, وتعرض لمحاكمات, وأخيرا أحصي بين أثمة (إش53:12).
فهل أنت اشتركت في آلام المسيح؟ وهل كنت مثله في صمته واحتماله: شتموه أما هو فلم يشتم عوضا, بل كان كشاة تساق إلي الذبح.. هكذا لم يفتح فاه..
آلامك علي الأرض, هي أمجاد في السماء. والذي لا يأخذ حقه علي الأرض, يأخذه في السماء.
والكتاب يشرح لنا هذه الحقيقة في قصة الغني ولعازر المسكين, فأحدهما استوفي خيراته علي الأرض, أما الآخر فاستوفي البلايا, لذلك كان في السماء يتعزي.. إن عدل الله لا يسمح أن تتألم هنا وهناك, فإن تألمت لأجل البر فطوباك, إن أجرك عظيم في السماء.
هناك معني آخر جميل للصليب وهو حمل خطايا الآخرين
كان المسيح علي الصليب هو حمل الله, الذي يحمل خطايا العالم كله
وكما قال القديس إشعياء النبي:
هو مجروح لأجل معاصينا, مسحوق لأجل آثامنا… كلنا كغنم ضللنا, ملنا كل واحد عن طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا (إش53:5, 6).
فهل تنظر إلي الصليب في انسحاق قلب, وتشكر الرب الذي حمل خطاياك؟
وهل تقول له: إن كأس المر الذي شربته, كانت أكثر قطراته مرارة هي خطاياي. وكذلك كانت أقصي أشواك صليبك وجلداته, كلها بسببي..
وهل آلام المسيح علي الصليب, تزيدك حبا له, وتزيدك انسحاق قلب؟
وهل كما حمل المسيح خطايا الناس, تستطيع أنت أن تحمل خطايا غيرك؟
هل تقبل أن ينسب ذنب غيرك إليك, وتدفع أنت الثمن عنه, وتحسب نفسك خاطئا بدلا منه, كما فعل المسيح, البار لأجل الأثمة (رو5).
إن القديس يوحنا ذهبي الفم يقول: إن لم تستطع أن تحمل خطايا غيرك, وتغسلها في حب إلي نفسك..
فعلي الأقل لا تشهر بغيرك ولا تدينه ولا تعلن خطاياه.
إن منظر يسوع المصلوب البار الذي يحمل خطايا الأثمة, هو منظر مؤثر للجميع. وقف أمامه الزعيم غاندي وبكي.
ونحن ننظر إلي صورة الصليب, ونتخذها شعارا لنا, شعار المحبة الباذلة التي أحبنا بها الرب, حتي مات عنا.
ولذلك في كل مناظر حياة المسيح المتعددة, لم تتخذ سوي هذه شعارا لنا.
ومن أجل هذا, قال بولس الرسول:
حاشا لي أن افتخر, إلا بصليب ربنا يسوع المسيح, الذي به صلبت العالم, وصلب العالم لي..
إننا نفتخر بهذا الحب, وبهذا البذل, ونعجب أن لنا إلها له كل هذا الحب.
هكذا أحب الله العالم, حتي بذل ابنه الوحيد, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية (يو3:16).
ولكن ليس معني وجود الصليب في حياة المؤمن, إنها كلها ألم, بل فيها الفرح. ويقول الرسول: افرحوا في الرب كل حين, وأقول أيضا افرحوا.
فالألم هو طريق الفرح الحقيقي, بل إننا نفرح في الألم وبالألم.
لو عرفت مقدار البركة, التي يكافأ بها الإنسان نتيجة لآلامه من أجل الرب, ما كنت تعتفي إطلاقا من الألم, بل كنت تطلب منه مزيدا وتفرح به..
وفي الألم تفرح أيضا, إذ تتأكد تماما أنك سائر في طريق الرب, لأن كل الذين يعيشون بالتقوي في المسيح يسوع يتألمون ويعيشون في شركة آلامه.
وهكذا كان آباؤنا الشهداء يغنون ويسبحون داخل السجون, وكانوا يسيرون في الطريق إلي الاستشهاد فرحين, يغنون أغانيهم الروحية.
كانوا يرون في الألم أكاليلهم التي لا تفني.
ولما أراد أهل رومة أن ينقذوا القديس أغناطيوس الأنطاكي من إلقائه إلي الأسود المفترسة, توسل إليهم قائلا: يا إخوتي أخشي أن محبتكم تسبب لي ضررا. وهذا الضرر كان إنقاذه من الألم ومن الموت لأجل الرب, ومنع الصليب عنه..
ومات شهيدا, وتكلل بالمجد..
يا أخي, لا تبحث عن المجد في المظاهر والعظمة الخارجية, وإنما في الألم من أجل الرب:
إن لم يكن في ألم الاستشهاد, فعلي الأقل تعب الخدمة والصوم والنسك وتداريب الاحتمال وضبط النفس.
اسأل نفسك أيهما تحب:
النور المبهر علي جبل طابور حيث التجلي, أم الدم المسفوك علي جبل الجلجثة, والعرق المسفوك كقطرات الدم في بستان جثسيماني..؟
ليتك تصلي علي الدوام وتقول:
أريد يارب أن أتعب وأن أتألم من أجلي. هبني نعمة الألم
وثق أنك إن ثقل الصليب عليك, وإن خار جسدك تحت ثقله, فإن الله لابد سيرسل لك قيروانيا جديدا يحمله عنك, ولو جزءا من الوقت.
والله لا يمكن أن يجعلك تتألم فوق ما تطيق, بل هناك نعمة خاصة بالألم تسند جميع المتألمين.
إن الصليب خطوة بعدها أفراح القيامة, وبعدها أمجاد الصعود, والجلوس عن يمين الآب في السماء.
وعليك أن تجتاز المرحلة الأولي, وستجد المراحل الأخري في انتظارك, في آخر الطريق..
وليكن الرب معك.