ذهب الرئيس محمد مرسي إلي ميدان التحرير الجمعة قبل الماضي-بعد أن أدي صلاة الجمعة في الجامع الأزهر-حيث التقي بالجموع وخطب فيهم خطبة حماسية شبهها البعض بخطب جمال عبد الناصر,ثم فاجأ الجميع بقيامه بحلف
ذهب الرئيس محمد مرسي إلي ميدان التحرير الجمعة قبل الماضي-بعد أن أدي صلاة الجمعة في الجامع الأزهر-حيث التقي بالجموع وخطب فيهم خطبة حماسية شبهها البعض بخطب جمال عبد الناصر,ثم فاجأ الجميع بقيامه بحلف اليمين الدستورية في الميدان معلنا أنه يستمد سلطته وشرعيته من الشعب…لكن لم يحل ذلك دون ذهابه صبيحة اليوم التالي إلي المحكمة الدستورية العليا ليحلف اليمين الدستورية ذاتها أمام الجمعية العمومية للمحكمة لتترسخ بذلك شرعيته الدستورية كرئيس للبلاد خلال السنوات الأربع المقبلة.
وبالرغم من أنني اعتبرت حلف اليمين في ميدان التحرير هو بمثابة مغازلة لعواطف الجماهير إلا أنه لامانع من ذلك طالما التزم الرئيس بالحلف الرسمي لليمين أمام المحكمة الدستورية العليا لما في ذلك من مدلولات مهمة علي احترامه للشرعية الدستورية حتي وإن كان يغازل عواطف الشرعية الثورية أو الجماهيرية,وذلك كان اختبارا مهما أتصور أنه أراح سائر الواقفين في دوائر المعارضة والذين كانت تتملكهم هواجس كثيرة مرتبطة بوصول الدكتور محمد مرسي إلي مقعد الرئاسة.
الآن تبدأ الجمهورية الثانية في مصر علي أسس دستورية وقانونية سليمة, والواجب أن يسلك الرئيس في جميع خطواته وسياساته وقراراته بما يتفق مع تلك الأسس,وحتي إن اقتضي الأمر أن يتفاعل مع الجماهير أو مع تطلعات الثوار يجب ألا يتناقض ذلك مع الشرعية الدستورية والقانونية…هذا المسلك حيوي ومهم جدا من أجل التأكيد علي سلطة الدولة واستعادة هيبتها,تلك الهيبة التي كانت معلقة علي المحك بسبب استباحتها والعبث بها-بل اختطافها واغتصابها أحيانا-خلال تداعيات ثورة 25يناير حين كانت مصر تتأرجح بين الثورة والفوضي.
تصريحات الرئيس منذ الإعلان عن فوزه بمقعد الرئاسة سواء ما جاء خلال خطبه العامة أو ما جاء خلال لقاءاته الخاصة تبعث علي الارتياح وتستدعي الروح الوسطية التي حكمت وعوده الانتخابية,فهي في مجملها تطمئن سائر أطياف المصريين أننا مقبلون علي عهد يتسم بالاعتدال واحترام الحريات وقبول التعددية والعمل علي ترسيخ المساواة لعلاج شتي أوجه الخلل التي كانت سائدة تفرز بين المصريين…لكن يجب أن يعرف الجميع-وعلي رأسهم الرئيس محمد مرسي نفسه-أن التصريحات الطيبة وحدها لاتكفي لتغيير الواقع المعوج وخلق واقع مستقيم,التصريحات هي إعلان عن النوايا الحسنة وبعث للأمل والطمأنينة في نفوس الشعب,لكن يلزم تحويل تلك التصريحات إلي تشريعات وقوانين ولوائح وقرارات تنعكس علي واقع الحياة المعاشة وتضبط صفو المجتمع وتحاسب كل من يعكر هذا الصفو.
أقول ذلك وقد استرعي انتباهي ما صرح به الرئيس خلال لقائه الخميس قبل الماضي برؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والخاصة,فاللقاء حفل بتصريحات طيبة لكن تعوزها آليات تفعيلها…وها نحن بصدد كتابة الدستور الجديد لمصر التي وصفها الدكتور محمد مرسي في كلمته التي أعقبت حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا السبت قبل الماضي بالدولة المدنية الديموقراطية الحديثة وهذا أعتبره التحدي الأول الواجب إنجازه بما يعكس طبيعة الدولة المصرية,وسوف تنشأ الحاجة إلي تنقية وتعديل تشريعات كثيرة بل وسن تشريعات جديدة بناء علي ذلك الدستور.
أما عن التصريحات التي أشرت إليها والتي صرح بها الرئيس في لقائه برؤساء تحرير الصحف فقد جاء ضمنها تأكيده علي استحالة اهتزاز أركان الدولة المصرية في أي اتجاه وكان ذلك في معرض رده علي الاتهامات الموجهة إلي جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بالعمل عليأخونة الدولة المصرية واستطرد أن تلك الاتهامات بعيدة عن الواقع وغير واردة علي الإطلاق…وهنا أسجل أن الطريق طويل وشاق لترسيخ تصريحات الرئيس في الدستور والتشريع وعلينا أن نبدأه فورا وبكل يقظة وحسم.
كما أعلن الدكتور محمد مرسي ردا علي مطالب البعض بطمأنة الأقباط في مصر, أن لجميع المواطنين حقوقا متساوية ثم تساءل:أطمئن المسيحيين علي ماذا,هذا بلدنا جميعا وحقوقنا متساوية…وأقول للدكتور مرسي,شكرا علي التصريح المعسول,لكنه لايكفي لأنه لايعترف بالوضع المختل الذي تعتريه أوجه غير قليلة للفرز وعدم المساواة بل يقفز علي ذلك الوضع لينفي أي فوارق بين المصريين,وهنا لاتكفي النوايا الطيبة إنما يتحتم الالتزام بالفحص الشجاع والأمين لرصد أوجه الخلل ووضع سبل الإصلاح سواء في مواد الدستور أو في القوانين التي طال انتظارها لتفعيل معايير المساواة والمواطنة.
وفي هذا الصدد لا يفوتني أن أتندر بالتصريح الذي دأب الرئيس السابق مبارك علي إلقائه في وجوهنا للتعتيم علي مشاكل الأقباط وهولافرق عندي بين مسيحي ومسلم وكان يعتبر أن التصريح في حد ذاته يحل المشاكل المتأججة…لكن أظن أن المرحلة التي نحن بصددها لإعادة تشكيل مستقبل مصر لن تكفي فيها التصريحات المعسولة أو النوايا الطيبة دون وضع النقاط فوق الحروف ودون المواجهة الشجاعة لشتي أوجه الخلل والتصدي لإصلاحها.