في مزمور 72 نري الملك العادل الذي يناصر المظلومين ويوقف أخطاء الظالمين,فعندما يكون الملك عادلا يري الناس عدالة السماء واضحة,فتمتلئ القلوب بمخافة الربيخشونك ما دامت الشمس,وقدام القمر إلي دور فدور.وتستمر أنوار التقوي ساطعة من القلوب مادامت أنوار الشمس والقمر قائمة ويخشي الناس الله تحت الشمس والقمر من جيل إلي جيل.
وملكوت الله ملكوت عادل يفرح القلوب:ينزل مثل المطر علي الجزاز,ومثل الغيوث الذارفة علي الأرض يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام,إلي أن يضحمل القمر(آيتا6, 7).وجاءت آية6 في ترجمةدار المشرق:ينزل كالمطر علي العشب,وكالرذاذ الذي يروي الأرض.والأصل العبري يحتمل معنيالجزازأو العشبفالجزاز جمع جزة وهي صوف الغنم,وربما تشير إلي جزة جدعون(قضاة6:37).والعشب رمز وفرة الطعام للحيوان والإنسان,وفي عهد الملك العادل يرتوي الشعب من محبة الله الذي يأتي إلينا كالمطر.كمطر متأخر يرون الأرض(هوشع6:3)والعدالة تقود إلي النجاح فالملك العادل يتولي دوما مملكة تتوفر فيها كل احتياجات مواطنيها.وهذا ما قاله داود النبي في نشيده الأخير:إذا تسلط علي الناس بار يتسلط بخوف الله,وكنوز الصباح إذا أشرقت الشمس.كعشب من الأرض في صباح صحو مضئ بعد المطر(2صم23:3, 4) فتكونأمطار بركة(حزقيال34:26) وتأتي أوقات الفرج من وجه الرب(أع3:19).
وبسبب عدالة الملك يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام,إلي أن يضمحل القمر.فيكونون فرحين مشرقي الوجوه,أصحاب مكانة عالية,فيكثر السلام إلي أن ينتهي الزمان ويضحمل القمر,ويتحقق القول:أما الصديقون فيزهون كالورق(أم11:28).
ويذكر مزمور 72 ملكوت المسيا بأن ملكوت شامل(آيات8-15) فعندما يعرف الناس عن هذا الملك العادل,ويتمتعون بعدالة حكمه يحبون أن يجتمعوا تحت لوائه,فيصبح ملكه شاملا ممتدا يصل إلي كل الأرض:يملك من البحر إلي البحر,ومن النهر إلي أقاصي الأرض(آية8).وهذا وصف رمزي لاتساع المملكة مقتبس من حدود أرض الميعاد:اجعل تخومك من بحر سوف إلي بحر فلسطين,ومن البرية إلي النهر(خر23:31) ومقتبس أيضا من حدود مملكة سليمان:وكان سليمان متسلطا…من النهرأرض فلسطين وإلي تخوم مصر…علي كل ما عبر النهر من تفسح إلي غزة,علي كل ملوك عبر النهر.وكان له صلح من جميع جوانبه حواليه(1مل4:21, 24).ويوصف هذا الامتداد بالقول:يأتون إليك من أشور ومن مدن مصر,ومن مصر إلي النهر,ومن البحر إلي البحر,ومن الجبل إلي الجبل(ميخا7:12).فالعالم كله ملك للرب يعطيه لمسيحهوسلطانه من البحر إلي البحر ومن النهر إلي أقاصي الأرض(زكريا9:10).
(ب)وملكوت المسيا هذا تضخع له الشعوب:أمامه تجثو أهل البرية,وأعداؤه يلحسون التراب(آية9).أهل البرية بدو رحل,أحرار في حركتهم,لا يلتزمون بحدود.ولكنهم يرتمون علي الأرض أمام صاحب الملكوت الشامل في خضوع كامليلحسون التراب كالحية.كزواحف الأرض يخرجون بالرعدة من حصونهم.يأتون بالرعب إلي الرب إلهنا(مي7:17).وهذا ما سيتم عند مجئ المسيح ثانية عندماتجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن علي الأرض ومن تحت الأرض,ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب(في2:10, 11).
بل أنه ملكوت تخضع له الملوك:ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمه.ملوك شبا وسبا يقدموت هدية ويسجد له كل الملوك كل الأمم تتعبد له(آيتا10, 11) هدايا أولئك الملوك الأغنياء واجب عليهم يجيئون بها,تعبيرا عن الخضوع للملك المسيامن كل مكان بعيد وقريب:من ترشيش التي كانت مستعمرة فينيقية غنية في جنوب إسبانيا,وهي أبعد جزء من العالم المعروف وقتها,ومن الجزائر المتناثرة في البحر الأبيض والتي كان يصعب الوصول إليها.ومن شبا في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية المعروفة بغناها وتجارتها,ومن سبا وهي الحبشة.وعندما يقدم الملوك تقدماتهم وهداياهم ويسجدون لصاحب الملكوت الشامل تتعبد له كل شعوبهم.وقد تحققت هذه الكلمات جزئيا في سليمان فقيل:كان سليمان متسلطا علي جميع الممالك..كانوا يقدمون الهدايا ويخدمون سليمان كل أيام حياته..وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان,من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته(1مل4:21, 34) وستتحقق هذه النبؤة بكاملها روحيا وماديا في المسيح عند مجيئه ثانية إلي أرضنا:فأعطيك الأمم ميراثا لك وأقاصي الأرض ملكا لك(مز2:8).
ويتقدم المرنم في مزمور72 ليحدثنا عن أسباب امتداد ملكوت المسيا:(آيات12-15) فيقول:
(أ)إن شفقة المسيا:لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين إذ لا معين له يشفق علي المسكين والبائس ويخلص أنفس الفقراء(آيتا12, 13) لا يمتد ملك المسيح(المسيا الملك)بالسيف,بل العدالة والمحبة وتقديم المعونة للاتباع,فإن هذا الملكوت روحي وانتصاره أيضا روحي وقلبه ملكه عامر بالشفقة والمحبة والحنان والرحمة,وهو قادر لا يعسر عليه أمر ,وعادل لا يقبل الظلم ويقدر احتياج الفقير الصارخ إليه العاجز عن إنقاذ نفسه,وليس له من ينقذه ينجيه الرب المشفق عليه من ظلم الآخرين له,ومن ظلمه لنفسهويزداد البائسون فرحا بالرب,ويهتف مساكين الناس بقدوس إسرائيل(إش29:19).
(ب)فداء المسيا:من الظلم والخطف يفدي أنفسهم ,ويكرم دمهم في عينيه(آية14) ينقذ المسيا الراعي الصالح حملانه من الذئاب ,يفدي أنفسهم لأنه يبذل نفسه عنهم,ويكرم دمهم الذي هو حياتهم(لا17:11)ويراهم مستحقين أن يفديهم بذبح عظيم, ويعطيهم كل احتياجهم ويقول:البائسون والمساكين طالبون ماء ولا يوجد لسانهم من العطش قد يبس. أنا الرب استجيب لهم أنا إله إسرائيل لا أتركهم(إش41:17)عندما كان الملك شاول يطارد داود وقع في يد داود فلم يقتله داود بل غفر له,فقال شاول لدواد:نفسي كانت كريمة في عينيك اليوم(1صم26:21) ونحن أسأنا للرب بخطايانا ونستحق أن يهلكنا, ولكنه في رحمته يحسب نفوسنا في عينيه ويفدينا من ظلمنا لأنفسنا ومن ظلم الخطية لنا ويخلصنا.