قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(572)
خبر تصدر الصفحة الأولي من جريدة الأهرام في مستهل الأسبوع الماضي جعلني أعود إلي مقال صادم تلقيته علي بريدي الإلكتروني….الخبر بعنوان:واشنطن تضع سيناريوهات مهاجمة داعش في ليبيا,ويقول الخبر:اقتربت الولايات المتحدة من سيناريو مهاجمة معاقل تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا بعد تعاظم نفوذ التنظيم.اجتمع الرئيس باراك أوباما مع فريق الأمن القومي بالبيت الأبيض لبحث سبل تكثيف الحملة العسكرية ضد داعش علي جميع الجبهات وأصدر توجيهاته لفريق الأمن القومي بمواصلة الجهود لدعم عمليات مكافحة الإرهاب الحالية في ليبيا ودول أخري.
لم يسترع انتباهي هذا الخبر في حد ذاته,إذ باتت مثل تلك الأخبار التي تتواتر علينا منذ نحو عامين مدعاة للتهكم والسخرية,فهناك تحالف ضخم من دول حلف الأطلنطي-بقيادة الولايات المتحدة-تشكل منذ نحو عام ونصف العام لضرب فلول داعش والقضاء علي ممارساتها الإرهابية وتطهيرها العرقي وتدميرها للتراث والحضارة في العراق وسوريا وأسفر ذلك حتي الآن عن تعاظم هيمنة داعش واجتياحه لمساحات متنامية من الدولتين اقتربت من فرض نفوذه علي ما يتجاوز ثلث مساحتيهما,علاوة علي تمادي صلف وغرور وإرهاب هذا التنظيم وإطلاق تهديداته السافرة المستفزة لجميع دول العالم!!!….
والحقيقة أنني طالما تساءلت عن السر وراء عجز دول العالم بترساناتها العسكرية الرهيبة عن التصدي لذلك التنظيم الإرهابي الذي يعيد إحياء تاريخ التتار والمغول والبربر في القرن الواحد والعشرين,ولم أجد إجابة شافية سوي نظرية المؤامرة التي أكرهها وأتحاشاها,لكنها تظل تلح علي عقلي صارخة أن داعش ليس إلا صنيع الولايات المتحدة وحلفائها وتم إطلاقه ودعمه ليعيث فسادا بمنطقتنا سعيا لتدمير دولها والقضاء علي شعوبها!!!
لكن كما ذكرت في مقدمة هذا المقال,أحالتي الخبر إلي مقال صادم تلقيته علي بريدي الإلكتروني من صديق مصري مهاجر يعيش في الدانمرك وهو علي قدر عميق من الموضوعية ولم أعهده مندفعا في آرائه…لذلك رأيت أن أشارككم فيما كتب لأنه يدق جرس إنذار إزاء ما نعيشه علي مدي العامين الماضيين من بدعة تنظيم داعش وتقاعس دول العالم عن التصدي له…تلك الدول التي تصدت لألمانيا النازية بكل جبروتها ولليابان بكل غرورها في الحرب العالمية الثانية واستطاعت تخليص العالم من شرورهما,لكنها الآن وبعد سبعين سنة لا تستطيع القضاء علي داعش!!!…عفوا….هي تستطيع….لكنها لاتريد…تعالوا نقرأ معا مقال صديقي شريف العيوطي بعنوان:هما بيستهبلونا واللا أيه؟!!
كلما تأملت قضية تنظيم داعش تأكدت أننا تعيش واحدة من أعتي الخدع في التاريخ. فجأة يظهر علينا تنظيم داعش,وبين عشية وضحاها يكتشف العالم جيشا قوامه عشرون ألف جندي بكامل عتاده وتنظيمه…زيه العسكري وتسليحه واتصالاته الحديثة عبر الأقمار الصناعية,يستخدم أحدث آليات الدفع الرباعي القادرة علي الحركة فوق أية تضاريس بعيدا عن شبكات الطرق التقليدية…تخدمة خطوط إمداد وتموين ومستشفيات ميدانية وخدمات إيواء,عالية التنظيم والانضباط.ذلك الجيش غير المعروف ينجح في اجتياح نقاط تمركز القوات العراقية واحتلال قري ومدن بأكملها في العراق…وتبين للمتابعين أن ذلك الجيش ليس قوامه بعض فلول المرتزقة النازحة من صراعات الدول الأفريقية, إنما هو جيش علي قدر ملفت من التنظيم والمراتب العسكرية تحت قيادة قائد نصب نفسه خليفة ويخاطب العالم باعتباره يجلس علي قمة ما أسماهتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام…داعش.
يتلو ذلك تصريح الرئيس الأمريكي أن مواجهة تنظيم داعش تمثل أكبر تهديد للولايات المتحدة والعالم وأن تلك المواجهة مقدر لها أن تستغرق زمنا طويلا…علي الأقل سوف تدوم نحو عقدين من الزمان مثلها مثل مواجهة تنظيم القاعدة الذي تواري خجلا أمام داعش!!…ولكن الملفت أن الرئيس الأمريكي لايتحدث عن الاتحاد السوفيتي في زمن الحرب الباردة,أو عن الصين تحت زعامة ماوتسي تونج, أو عن أباطرة تجارة المخدارت في طالبان أفغانستان,أو عن تنظيم القاعدة المدعوم من السعودية…إنه يتحدث عن قادم جديد لساحة الإرهاب يسمي داعش ويصفه بأنه يمثل أعتي تهديد للغرب!!…لكن لو تأملنا داعش سنجد أنه لا يمتلك أقمار تجسس,ولا أنظمة رادار مضادة للصواريخ,ولا صواريخ باتريوت ولاقبة صاروخية ولا طائرات إف-16 ولا قاذفات من طراز ستيلث أو سوخوي أو طائرات إنذار أواكس أو طائرات بدون طيار أو حتي طائرة رش مبيدات!!!…والملاحظ أن المطارات التي يستولي عليها داعش يستخدم مهابطها كساحات للصلاة الجماعية ولإلقاء العظات علي الأسري في تلك المناطق حول تصوره للإسلام ولتنفيذ عمليات جماعية لقطع رؤوس أعدائه الذين لا يخضعون للخليفة القائد!!!
جيش داعش بهذا الشكل ليس سوي هدف عار لتكنولوجيا الحرب الغربية سواء كان داخل مبني أو كهف جبلي أو حتي في أنفاق صحراوية تحت الأرض,فهو جيش ضعيف مكشوف لا يملك أي وسائل حديثة أو أسلحة دمار شامل…لاقوات جوية ولا بحرية…والملفت أن قائده لم يصرح أبدا أنه سيقضي علي إسرائيل أو اليهود, إنما هو يتصدي لسائر المسلمين علاوة علي المسيحيين الذين يخيرهم بين التحول للإسلام أو قطع رقابهم بالسيف.
أليس ملفتا أن داعش له قواعد عسكرية ومراكز تدريب ومستشفيات في تركيا…الدولة عضو حلف الأطلنطي؟!!…والتي تستضيف ممثلي داعش وترسل من يتم تجنيدهم لحساب داعش عبر أراضيها إلي العراق وسوريا؟!! أليس غريبا أن جميع أبناء الدول الغربية, ينضمون لتنظيم داعش يعودون إلي بلادهم عقب مشاركتهم في الأعمال الحربية أو الإرهابية في الشرق الأوسط آمنين ودون أية مساءلة؟!!…أليس عجيبا أن التحالف الغربي الذي يزعم التصدي لداعش غير قادر علي تحديد مكان تخفي أبو بكر البغدادي قائد داعش والقضاء عليه؟!!…التكنولوجيا الغربية بكل جبروتها تستطيع تعقب أي كائن علي وجه الأرض وتحدد مكانه بكل دقة وتستطيع التنصت علي بلايين المحادثات والاتصالات في أية بقعة علي كوكب الأرض,لكنها تفشل في العثور علي البغدادي!!!
ووسط هذا العبث نتابع كيف يستولي تنظيم داعش علي منصات إنتاج النفط ويبيع إنتاجها لرجال أعمال أتراك,وينقض علي كل ما يصل إليه من بنوك ومراكز إقامة ويغتصب التحف والآثار ويعرضها للبيع علي الإنترنت ومن حصيلة ذلك يدفع مستحقات جيشه ويشتري احتياجاته الغذائية وذخيرته وأسلحته ويتم ذلك من خلال حسابات بنكية وقنوات مصرفية دون أدني تدخل أو محاولة عرقلة من المؤسسات النقدية الغربية التي تتعقب حركة أي دولار عبر العالم كله بغية إخضاعهللضراب…لكنها تفشل في اعتراض اقتصاد داعش!!!
علي ما يبدو وسط ذلك المشهد العبثي أن داعش يمتلك أعتي الخبراء الماليين والتسويقيين والإعلاميين والعسكريين وأجهزة المخابرات وحتي أجهزة الدعاية…إن التنظيم بهذا الشكل يمتلك واحدة من أكثر الحكومات دهاء علي وجه الأرض!!!… والملاحظ أن تواجد التنظيم علي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لايحده شئ وبات يهدد جميع القنوات الإعلامية العالمية إن هي تجاسرت وبثت مواد مناهضة له!!!
والآن تنظيم داعش قام في المناطق التي يحتلها بتدمير المناهج التعليمية بإلغاء مقررات الكيمياء والفيزياء والتاريخ والفنون,كما حرم ممارسة الرياضة…وفرض علي الرجال اللحية وعلي النساء النقاب,كما أسس أسواق العبيد المنتشرة في المناطق التي حررها!!!
إنني أهيب بضمائركم:من المسئول عن خلق داعش؟… وهل يستقيم مع كل ذلك أن يخرج علينا بين الحين والآخر ليزعم أنه عقد العزم علي الخلاص منه؟!!!…الحقيقة أننا أمام مهزلة تمثل واحدة من أخطر الخدع عبر التاريخ.
***
وأنا أقف أمام هذا المقال التحليلي للصديق شريف العيوطي متسائلا:لماذا تفشل تصريحات الرئيس الأمريكي أن تتسلل إلي عقلي, بينما هذا المقال يقتحم عقلي ويمكث فيه؟