اضطلع محمد عبدالسلام رئيس البورصة المصرية بمهمة عاجلة في الشهر الماضي عندما سافر إلي الخليج العربي لمناشدة الأثرياء العرب للاستثمار في مصر مدعيا أن أسعار الأسهم المنخفضة والمخاطر السياسية المحدودة قد جعلت السوق المصرية ##أكثر جاذبية من أي وقت مضي.##
وقد كان عبد السلام محقا علي الأقل في حديثه عن أسعار الأسهم المنخفضة. ففي أعقاب ##ثورة البردي## كان الهبوط في المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية ##إي جي إيكس 30## ##الذي يقيس أداء أكبر 30 شركة مقيدة] مشابها لانخفاض مؤشر ##داو جونز## الأمريكي الذي تلي أحداث 11 سبتمبر. وقد استرد مؤشر ##داو جونز## عافيته في يناير 2002, لكن في الأشهر الأربعة منذ اندلاع الثورة في مصر تراجع مؤشر ##إي جي إيكس 30## إلي مستوي مذهل وهو 22 بالمائة.
ولا شك أن هناك الكثير من المساومات في مصر هذه الأيام. والسؤال هو ما إذا كان المستثمرون سيتمكنون من تحمل المخاطر.
وقد اتخذت إدارة أوباما خطوات في الاتجاه الصحيح لمساعدة مصر اقتصاديا, ولكن لأسباب مختلفة, يجب عليها أن تفعل أكثر من ذلك.
واليوم توجد في مصر بيئة من عدم اليقين الكامل. فالتنافس السياسي غير المسبوق يهدد بأن يكون لصالح إسلاميي مصر, وهو تطور له علي الأرجح دلالات محلية وإقليمية قاتمة. وفي الوقت نفسه, تواجه مصر أزمة اقتصادية في مرحلة ما بعد الثورة يمكن أن تزعزع استقرار البلاد. إنه ليس من جديد بأن الثورات تؤذي الاقتصادات, لكن التأثير علي مصر قد ترتب عليه أضرار فادحة بشكل خاص. وكانت الضحية الأولي هي السياحة التي هبطت 60 بالمائة في مارس المنصرم عما كانت عليه في العام السابق, مما نتج عنه هبوط في العوائد قدره 352 مليون دولار من مليار دولار في العام الذي سبقه, بالإضافة إلي فقدان الوظائف.
إن الانكماش ,الاقتصادي] ووصول حوالي 300 ألف من العمال الفارين من ليبيا سوف يضيف إلي معدل البطالة البالغ 12 بالمائة تقريبا. وحتي قبل اندلاع الثورة كانت مصر في حاجة إلي زيادة في ##الناتج المحلي الإجمالي## قدرها 6 بالمائة سنويا من أجل خلق 650 ألف وظيفة ضرورية لإبقاء معدل البطالة ثابتا. ويتوقع وزير المالية بتفاؤل حدوث نمو بنسبة 1.5 بالمائة هذا العام.
وقد ساهمتا البطالة والبطالة المقنعة في السخط الذي أشعل ثورة 25 يناير, لكن سيكون من الصعب خلق وظائف بسبب انكماش الاقتصاد وهروب رأس المال الأجنبي. وفي الوقت نفسه, إن التحقيقات والتطهيرات المستمرة لرجال الأعمال والصناعة البارزين في مصر تروع من يريد أن يكون مستثمرا في مصر. كما أن ما يقرب من 300 رجل أعمال مصري مدرجون علي قائمة المراقبة ,التي تستخدمها] الحكومة المصرية, وينتظرون التحقيق معهم وربما يتعرضون للمحاسبة القانونية. إن الكثيرين منهم هم خارج البلاد. وخلال زيارة قمت بها مؤخرا إلي مصر, قال لي متخصص غربي في الشئون المالية إنه لو كنت أريد لقاء رجال أعمال بارزين من القاهرة فيحسن بي ##الذهاب إلي لندن.##
إن الحقيقة الصارخة لمأزق مصر الاقتصادي ليست واقعا سريا. ففي الشهر الماضي عقد عضو ##المجلس العسكري الأعلي## الحاكم في البلاد اللواء محمود نصر, مؤتمرا صحفيا قال فيه صراحة إن معدل الفقر يمكن أن يصل إلي 70 بالمائة, وأعرب عن قلقه من ##ثورة الجياع##. والأسوأ من ذلك, في الوقت الذي يكون فيه الاستثمار الأجنبي الراهن بمستوي الـ ##صفر## والاحتياطيات الأجنبية قد هبطت من 36 مليار دولار عشية الثورة إلي 28 مليار دولار ,حاليا], حذر نصر بأنه ما لم يحدث تطور مفاجئ فإن احتياطيات الدولة سوف تنفد في غضون ستة أشهر.
وعلي الرغم من أن إفلاس مصر ليس وشيكا إلا أن تدهور الاقتصاد المستمر يمكن أن يدفع بمسار الثورة نحو اتجاهات إشكالية. وكحد أدني, من المحتمل أن يشجع السياسيين علي التحول إلي سياسات اقتصادية أكثر شعبوية مثل التراجع عن الإصلاحات الاقتصادية. كما أن الفقر المتزايد يمكن أن يزيد من جاذبية أولئك الذين يدعون أن ##الإسلام هو الحل.##
وإدراكا منه للمخاطر التي يفرضها تدهور الاقتصاد, أعلن الرئيس أوباما خلال خطابه عن الشرق الأوسط في 19 مايو, أن مصر سوف تعفي من مليار دولار من إجمالي ديونها, ويقدم لها مليار آخر بشكل ضمانات قروض. وفي حين يمكن للمرء أن ينتقد هيكل هذه الحزمة – الاستجابة للأزمة بعيدا عن الميزانية ربما كانت ستحصل علي المزيد من الدعم السياسي في الكونجرس – فمع ذلك, تستحق الإدارة الأمريكية الثناء لتقديرها للطبيعة الملحة للموقف. ومع هذا, فنظرا لخطورة الأزمة فلن تكون مليارا دولار كافية ,لمواجهة الأزمة الاقتصادية].
ومنذ خطاب أوباما, أعلن ##البنك الدولي## و##صندوق النقد الدولي## عن مبادرات لمصر. كما أن ##مجموعة الثماني## – الدول الصناعية الكبري – خلال إجتماع القمة الذي عقدته الأسبوع الماضي وضعت برنامجا طموحا للمساعدات. كما عرضت السعودية أيضا أربعة مليارات دولار. ومع ما قيل عن وجود 550 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية ,السعودية], فمع ذلك, يمكن للرياض أن تقدم المزيد لمساعدة القاهرة علي الصمود في وجه العاصفة. وفي الوقت نفسه, يجب علي إدارة أوباما أن تقدم إلي مصر الديموقراطية خارطة طريق نحو التوصل إلي اتفاق للتجارة الحرة. ومن شأن هذه الاتفاقية أن توفر ليس فقط نفعا اقتصاديا لمصر بل تساعد علي ضمان استمرار التوجه الغربي للدولة.
وعلي الرغم من عدم اليقين السياسي والاقتصادي, ما تزال مصر اليوم أحد أعمدة الهيكل الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ورغم انكماشها بسبب الثورة وسعيها حاليا إلي اتباع سياسات إشكالية وشعبوية تجاه غزة وإيران, إلا أن مصر ما تزال شريكا في السلام مع إسرائيل وحصنا سنيا ضد النظام المسلم الشيعي في طهران. إن المخاطر الاقتصادية والسياسية تبدو كبيرة, لكن بالنسبة لواشنطن إن 83 مليون نسمة تجعل مصر كبيرة جدا – ومهمة جدا – من أن تسقط.
مؤلف التحديات الدائمة لمصر: تشكيل بيئة ما بعد مبارك.
لوس أنجلوس تايمز