انتخب البرلمان المصري رسميا, وللمرة الثانية, الجمعية التأسيسية التي من المفترض أن تكتب الدستور الجديد ليحل محل الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011 عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة. ومع ذلك, يبدو أن فرص
انتخب البرلمان المصري رسميا, وللمرة الثانية, الجمعية التأسيسية التي من المفترض أن تكتب الدستور الجديد ليحل محل الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011 عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة. ومع ذلك, يبدو أن فرص تمكن الجمعية التأسيسية من القيام بتلك المهمة ضئيلة, نظرا إلي أنها تواجه بالفعل تحديات سياسية وقانونية. وعلي الرغم من الاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم 7 يونيو بين الأحزاب السياسية علي تشكيل هيئة جديدة, وبعد أن وافق البرلمان علي قائمة الأسماء يوم 12 يونيو, انسحب 57 نائبا, ورفضوا المشاركة في العملية.
شارك في الانسحاب أعضاء من الأحزاب السياسية الرئيسة في مصر, بما في تلك المنضوون في كتلة مصر, وتحالف الثورة مستمرة, وبعض أعضاء حزب الوفد, وحزب الحرية, وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي, وحزب الاتحاد المصري – العربي, وحزب المواطن المصري, فضلا عن عدد من المرشحين المستقلين. بيد أن انسحاب هؤلاء ليس كافيا لإبطال تشكيل الجمعية التأسيسية, مع أن العديد من الأحزاب تقول بالفعل أن الجمعية التأسيسية تفتقر إلي الشرعية التي تؤهلها لكتابة الدستور. علاوة علي ذلك, ربما يكون الانسحاب مقدمة لاستقالة أعضاء الجمعية التأسيسية المعينين حديثا. الاستقالات بين الأعضاء قضت علي الجمعية التأسيسية الأولي. ففي أوائل أبريل الماضي انسحب الأعضاء غير الإسلاميين واحدا تلو الآخر مدعين أن الهيئة تخضع إلي هيمنة الإسلاميين, وبعد ذلك بوقت قصير حلت المحاكم الهيئة بصورة رسمية. أحد قضاة المحكمة الدستورية الذي جري تعيينه في الجمعية التأسيسية الثانية انسحب مباشرة, بحجة أنه لايريد توريط المحكمة في معارك سياسية, مع أن تمثيل القضاة, من بين الجماعات المهنية الأخري, كان واحدا من مطالب من ينادون بتشكيل جمعية تأسيسية متنوعة. في اليوم التالي, سحب المجلس الأعلي للقوات المسلحة ممثله أيضا, مشيرا إلي عدم وجود ##توافق وطني## حول تشكيلها.
الآن, وكما حدث في أبريل, يتهم الإسلاميون بمحاولة السيطرة علي الجمعية التأسيسية والتراجع عن الاتفاق الذي نص علي وجوب تقسيم المقاعد بالتساوي بين المرشحين الإسلاميين وغير الإسلاميين. ويقول الإسلاميون أن الأمر ليس كذلك, بل أن خصومهم هم من يحاولون تقويض الاتفاق من خلال فرض تعريفهم الخاص لمن ينبغي أن يعتبر إسلاميا لغرض تنفيذ الاتفاق. جماعة الإخوان المسلمين تريد أن يقتصر التعريف بشكل صارم علي أعضاء حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي. الطرف الآخر يريد أن يشمل جميع الأحزاب والمنظمات التي لها أي نوع من المرجعية الإسلامية, مثل حزب الوسط المعتدل, والجماعة الإسلامية, وحزب البناء والتنمية, والجماعات السلفية الأخري, وحتي جامعة الأزهر.
من المفارقات, أنه قبل يوم من بدء حل مشكلة الاتفاق علي تشكيل الجمعية التأسيسية تمكن البرلمان من اعتماد قانون طال انتظاره يحدد القواعد التي يجب أن تسير عليها الجمعية التأسيسية. القانون القصير بسيط, وهو بالأحري وثيقة فنية تدعي بشجاعة بأن الجمعية ستعمل علي نحو متناغم, وستتمتع بالشرعية والدعم. وفي ظل الظروف الراهنة, يبدو أن القانون غير ذي صلة بالموضوع إلي حد ما, لأن الجمعية التأسيسية قد لا تتمكن من العمل أبدا, علي الأقل ليس الجمعية التأسيسية التي توخاها الإعلان الدستوري, والتي يبدو أن الأحزاب المختلفة غير قادرة, وربما غير راغبة علي نحو متزايد, علي التوافق عليها.
أصبح المجلس الأعلي للقوات المسلحة يهدد الآن بأن يتصرف علي طريقته ويستغني عن دور البرلمان في تشكيل الجمعية التأسيسية عن طريق إصدار إما إعلان دستوري ثان يحل محل الإعلان الصادر في مارس 2011, أو من خلال إحياء دستور العام 1971, والذي ألغاه المجلس نفسه بعد سقوط مبارك. كان هذا التهديد هو السبب في موجة مكثفة من الاجتماعات والمشاورات بين الأحزاب, أدت إلي اتفاق قصير الأجل يوم 7 يونيو علي صيغة جديدة لتشكيل الجمعية التأسيسية.
السرعة التي بدأ الاتفاق يتكشف من خلالها, بل حتي قبل نشر قائمة بأسماء الأعضاء المقترحين, تشير بقوة إلي أن بعض الأحزاب, علي الأقل, تفضل في الواقع لو يعيد المجلس الأعلي للقوات المسلحة كتابة الدستور أو يحيي دستور العام .1971 إذ سيكون تدخل المجلس الأعلي أفضل وسيلة لتقليص دور الأحزاب الإسلامية في كتابة الدستور. فمهما ساومت الأحزاب, لا بد أن يؤثر الإخوان المسلمون والسلفيون, الذين يسيطرون علي 70% من مجلس النواب, علي دستور تكتبه هيئة منتخبة. وبالتالي فإن فشل الجمعية التأسيسية الثانية يخدم تماما مصالح بعض الأحزاب غير الإسلامية, مع أن أحزابا أخري تعارض تدخل المجلس الأعلي في صياغة الدستور.
لاشك أن مصر ستضطر, إن عاجلا أو آجلا, لاعتماد دستور حقيقي بدلا من الاعتماد علي إعلان دستوري أصدره الجيش, بيد أن تأخير إصداره قد يكون في غاية الأهمية. ومن المستحيل التنبؤ بما إذا كان إجراء انتخابات جديدة في ظل قانون الانتخابات المعدل سيسفر عن ظهور برلمان يلعب فيه الإسلاميون دورا أصغر, ولكن من وجهة نظر خصوم الإسلاميين, ثمة أسباب وجيهة لتأجيل تشكيل الجمعية التأسيسية علي أمل أن يغير ميزان القوي.
تنتقل المعركة حول الدستور الجديد, شأنها في ذلك شأن العديد من المعارك السياسية في مصر اليوم, بسرعة من الساحة الانتخابية, التي يهيمن عليها الإسلاميون الأفضل تنظيما, إلي عالم السياسة غير الانتخابية, حيث لازال الجيش والمحاكم, وبالتالي عناصر النظام السابق, يمتلكون بعض السطوة والتأثير. ويبدو من المرجح بشكل متزايد أن الدستور لن يكتب من جانب جمعية تأسيسية شكلها البرلمان المنتخب, علي الأقل ليست الجمعية الحالية.
بغض النظر عما سيحدث في نهاية المطاف, فإن الأمل في أن تتم كتابة الدستور من خلال عملية ديموقراطية يتضاءل بسرعة, إن لم يكن قد تلاشي تماما. وبعيدا عن كونها عملية لتطوير توافق في الآراء بشأن كيفية المضي قدما, فإن كتابة الدستور الآن في لب الصراع علي السلطة بين الإسلاميين والأحزاب السياسية العلمانية التي, كما في أيام مبارك, تعتمد الآن علنا علي الجيش لإفشال الإسلاميين والسماح للأحزاب العلمانية بالهيمنة علي الرغم من أدائها الانتخابي البائس.
في الواقع, المناورات التي تكتنف تشكيل الجمعية التأسيسية قد تقلص تأثير الإسلاميين في العملية, لكنها ستفعل ذلك من خلال الحد من الممارسات الديموقراطية. وربما يتعين استبدال السؤال عن هوية من سيكتب الدستور بآخر عن سلطوية الجهة التي ستنتصر.
* باحثة أولي في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي