في استجابة لمطالب ثوار جمعة الغضب الثانية التي كانت تنادي من بين مطالبها ضرورة طرح أي مشروع قانون للنقاش المجتمعي قبل إقراره قانونا, وليس كأنها قوانين أنزلت غير خاضعة للجدل أو النقاش جاء قرار المجلس العسكري بإصدار مرسوم مشروع قانون لتعديل قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 ليطرحه للنقاش.
ورغم إيجابية الخطوة إلا أن المرسوم واجه لغطا كبيرا والتباسا شديدا بين أوساط غالبية القوي السياسية لما يشوبه من ثغرات أضعفت من وضع المرسوم الذي لا يزال مشروعا لقانون لم يتم إقراره بعد.
حول أوجه الاعتراضات من قبل الأطراف السياسية علي مرسوم تعديل القانون وما إذا كان يشوبه شبهة عدم الدستورية من عدمه.. كان لنا هذا التحقيق…
غير واقعي
قال سعيد عبدالحافظ – رئيس ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان: جاء قرار المجلس العسكري بطرح مشروع قانون للنقاش المجتمعي الأول من نوعه كخطوة يعول عليها في الفترة القادمة لتأخذ في الاعتبار قبل إقرار أي قانون.
لكن ما يؤخذ علي مشروع القانون أنه معقد بشدة وغير واقعي ولا يتناسب مع طبيعة المرحلة الانتقالية التي نمر بها ولا يؤدي لنظام برلماني سياسي بتشكيلة اجتماعية وسياسية واقتصادية تعبر عن واقعنا المعاش لما يشوبه من ثغرات, فالحسنة الوحيدة بالمرسوم هي مسألة اختصاص محكمة النقض في الفصل في عضوية مجلس الشعب ومدي صحتها من عدمه بحيث تتولي لجنة قضائية عملية الترشيح.
ونخشي أن يكون هذا الغموض متعمدا لإثارة الجدل حوله لإشغال القوي السياسية به لينتهي بنا الأمر بصدور قانون مباشرة الحقوق السياسية.
الحكم للتجربة
علق اللواء سعيد الصالحي – الخبير الاستراتيجي علي مشروع القانون المنظم لانتخابات مجلس الشعب جاء تنفيذا لقرار المحكمة الدستورية العليا السابق, وهو ما استند إليه المجلس العسكري في إصدار المرسوم الذي ارتكز علي الانتخاب الحر والانتخاب الفردي علي اعتبار أن نظام القوائم يشكل صدمة للمستقلين. كذلك حافظ علي نسبة الـ50% للعمال والفلاحين لما لمصر من ارتفاع بمعدل الأمية تصل لنسبة 40% وغيرها من ملامح مرسوم مشروع القانون الذي طرح للدراسة ليضع علامة الاستفهام حوله فهل يستقبله المجتمع بشفافية أم لا؟ فبالطبع الأمر لايخرج عن كونه تجرب ولكل تجربة إيجابياتها وسلبياتها, الذي يثبت نجاحها من عدمه التجربة العملية ذاتها بتشكيل مجلس شعب جديد فحينما نترك الساحة لكافة القوي للترشح للانتخاب دون تخصيص كوتة للمرأة أو الأقباط لخوض التجربة للوقوف علي مدي تأثيرها بالشارع المصري ونشاطها المجتمعي هنا يترك الحكم للرأي العام لمعرفة ما إذا كانت أثبتت نجاحها من عدمه.
يعيد فلول الوطني
ذكر الدكتور عماد جاد – الخبير والمحلل السياسي: المرسوم عليه تحفظات كثيرة وليس بإمكاني الحديث عن نسبة الـ50% الخاصة بالعمال والفلاحين لكونها مقررة بالإعلان الدستوري وحينما يشرع دستور جديد سيتطرق الحديث عن إلغائها باعتبارها ضد مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات.
أما ما نحن بصدد الحديث عنه فهو مسألة اقتراح الثلث للقائمة النسبية والثلثين للانتخاب بالنظام الفردي ففي اعتقادي أن القانون مشوه حيث إنه لم يعد مقبولا علي الإطلاق إصرار المجلس العسكري علي الانتخاب بالنظام الفردي عنه بالقائمة رغم إجماع القوي السياسية علي تأييد القائمة النسبية لضمان تمثيل مختلف الفئات وتكافؤ الفرص إلي جانب تفادي انتشار البلطجة من قبل فلول الحزب الوطني المنحل, فوضع المرسوم بهذه الصورة وتحيزه علي الانتخاب بالنظام الفردي يعني أن المجلس العسكري يعيد تأهيل الحزب الوطني للدخول لمجلس الشعب من جديد وما سيتبعه من إنفاق ملايين الجنيهات لكسب أكبر عددا من أصوات الناخبين للفوز بمقعد المجلس ليتكرر ذات السيناريو الذي عانينا منه لسنوات في عهد النظام السابق في ظل عدم حل قاعدة الفساد حتي الآن ممثلة في المجالس المحلية التي ساهمت بشكل كبير في إدارة انتخابات مزورة عام 2008.
أضاف جاد: ما يطمئنا أن المشروع أولي وجار مناقشته من قبل لجنة النظام الانتخابي المنبثقة عن لجنة الوفاق الوطني لإدخال تعديلات عليه ومن ثم رفع توصية إلي د. يحيي الجمل رئيس اللجنة توضح أن الاتجاه السياسي يميل للقائمة عنه الفردي أو في حالة الجمع بين النظامين فهنا تصبح النسبة المقترحة في المشروع الثلث للنظام الفردي والثلثين للقائمة النسبية.
إلغاء الكوتة.. تناقض
تحدثت فريدة النقاش رئيسة تحرير الأهالي بقولها: مشروع القانون جاء متناقضا لكونه يبقي علي الـ50% حصة التخصيص للعمال والفلاحين في حين يسقط حصة المرأة بإلغاء الكوتة رغما عن كون المبدأ واحدا من باب التمييز الإيجابي لمساندتها في المشاركة في العملية السياسية كما هو متبع في بلدان العالم التي وصلت إليها نسبة مقاعد المرأة في أفريقيا علي سبيل المثال نسبة 50% و40% لأوربا الشمالية.
لذا تطالب مجموعات من الحركات النسائية المجلس العسكري بإعادة النظر في مرسوم القانون في ظل طرحه للنقاش المجتمعي لإعادة حصة المرأة علي أن تكون بطريقة جديدة وأن يجري تمثيل المرأة في القوائم بنسبة 30% للنساء إلي جانب مطالبة بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بتخصيص 30 مقعدا علي الأقل للمقاعد الفردية للنساء بشرط أن يكون الترشيح داخل دوائر محددة وليست كما كانت في عام 2010 بالنزول علي 11 دائرة أمام 17 قسما حتي لا يصبح أمرا مرهقا.
لا نعرف موادا فوق دستورية
أوضح محمد منيب – المحامي بالنقض والناشط الحقوقي – بقوله: مسألة إصدار مرسوم لتعديل بعض أحكام قانون رقم 38 لسنة 1972 الخاص بمجلس الشعب وهل من وجود مواد فوق دستورية لا تخضع للتغيير أشار منيب: لا يوجد نص قانوني ينص علي هذا فجميع مواد الدستور متساوية في التعامل معها لكل منها احترامها وواجب نفاذها, ومصر لا تعرف بوجود مواد فوق دستورية.
وعن وضع المادة الثانية بالدستور ومن يزعمون بأنها مادة فوق الدستور لا يمكن المساس بها فهذا غير صحيح فلم تكن هناك رغبة من أحد أو الخوف للمساس بها فالأمر يتعلق بالرغبة والإرادة الشعبية وليس أكثر.
اتفق مع الرأي السابق الدكتور محمد نور فرحات – أستاذ القانون الدستوري بقوله: كافة مواد الدستور قابلة للتعديل ولا توجد مواد فوق دستورية ولكن هناك مواد يصعب تعديلها في الوقت الحالي ولابد مراعاة كوننا في مرحلة انتقالية وهي بمثابة مرحلة نبض الشارع لذا يقوم المجلس العسكري بتعديل قوانين وفقا لمطالب الشعب بعدما أصبح لديه وعيا سياسيا ودستوريا.