عندما طلبت مني إحدي الأمهات منذ مايقرب من ثلاثة أسابيع أن أتناول موضوعا عن الرؤية والتي تتعلق بما ينظم رؤية الآباء لأبنائهم من الزوجة المطلقة أعتقدت أن المجال الآن لايسمح بتناول مثل هذه القضايا وسط الأجواء المشحونة بالقضايا المتعلقة بالثورة والثورة المضادة والقضايا المختلفة الملتهبة التي تتعلق بالفتنة الطائفية.
إلا أن تلك القضية سرعان ما انفجرت وظهرت علي السطح في صورة وصلت إلي حد التظاهرات والاعتصامات تارة أمام مجلس الوزراء وأخري أمام وزارة العدل وثالثة أمام مبني ماسبيرو, وكانت المبادرة من الآباء غير الحاضنين لأبنائهم والذين يطالبون بتعديل قانون رؤية الطفل إلي قانون الاستضافة الذي يسمح بإقامة الطفل مع والده 48 ساعة أسبوعيا والذي أفزع الأمهات الحاضنات خاصة بعد أن خرج مستشار وزير العدل واعدا الآباء المعتصمين بإصدار قرار بتعديل قانون الرؤية بما يسمح بالاستضافة.
زاد رعب الأمهات الحاضنات حالة الفراغ الأمني التي تمر بها مصر فكيف تضمن الأم عدم هروب الأب بالطفل أو إصابته بأذي خاصة وأن الطفل في هذه الحالة يتحول إلي كارت ضغط علي الأمهات وحتي لو وضع الطفل علي قائمة الممنوعين من السفر فماذا تفعل الأم إذا لم يسافر طفلها خارج البلاد وإنما اختفي في إحدي محافظات مصر الـ .29
أخذت القضية الشكل الثوري واستخدمت أدوات الثورة فكون كل فريق جروبات علي الفيس بوك لحشد الرأي وعقدت المنظمات الحقوقية اللقاءات والندوات التي ضمت ممثلين من أطراف القضية ومن المستشارين الحقوقين وخبراء علم النفس.
وطرح تساؤلا أساسيا هل من مصلحة الأسرة صدور مرسوم قانون عسكري الآن يخص قانون الرؤية وهل يكفل الوضع الأمني تطبيقه دون الإضرار بالطفل أو بحق الأم؟.
يري حازم سلطان أحد المتزعمين لمطلب الاستضافة والمؤسس لرابطة جموع غير الحاضنين فكرة الاستضافة تنبع من مبدأ الرعاية المشتركة وأنهم سبق أن قدموا طلبهم إلي رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية والمجلس القومي للمرأة ولم يجبهم أحد ولذلك كان لابد تجديد المطلب بعد الثورة خاصة وأن الرؤية لاتسمح إلا برؤية أب دون الأجداد أو الأعمام أو العمات مما يشعر الطفل أنه يعيش جوا مختلفا عن أصدقائه.
يقول المستشار ياسر عبد الجواد المستشار القانوني لمركز قضايا المرأة إن التعجل في إصدار قرار بتعديل قانون الرؤية هو بمثابة ترقيع لقانون الأسرة الذي يحكمنا منذ قرابة 100 عام ولم تجر عليه سوي تعديلات وأنه لابد من تأجيل القرار وأن ندفع في إطار حوار من أجل صياغة مشروع قانون للأحوال الشخصية يتضمن الاستضافة بما يضمن عدم استخدام الحق تعسفيا.
وتقول مرفت أبو تيج المحامية لست مع إصدار قرار باستعجال عن طريق الحاكم العسكري وإنما ننتظر ليصدر القانون بضوابط بعد دراسة وافية وأننا لابد أن نحمل روح الثورة ليس في الصوت العالي وإنما أن نراعي مصلحة جيل المستقبل أن نتغيير كآباء وأمهات وأن نعلي فعلا مصلحة الأبناء لا أن نستخدمهم للنكاية والانتقام.
كما عارضت الفكرة المطروحة من بعض المستشارين أن يكون طلب الاستضافة بأمر علي عريضة من قاضي الأمور الوقتية دون الحاجة لرفع دعوي تستغرق شهورا بشرط أن يعرض الأب أو الطرف غير الحاضن علي الخبير النفسي والاجتماعي بمحكمة الأسرة ويبحث إذا ما كان مسجلا خطرا وفي نفس قرار الاستضافة يوضع الطفل علي قائمة الممنوعين من السفر وتحدد مدة الاستضافة بمدة معينة فإذا إلتزم الأب تجدد وإذا لم يلتزم يتم إلغاؤها عن طريق قاضي الأحوال الوقتية… فكلها أمور معقدة تحتاج إلي ضوابط يضمها قانون متكامل كما أن الأمر علي عريضة يكون فيه استعجال لايسمح للإخصائيين الاجتماعيين أو النفسيين بدراسة الحالة.
واقترح سمير زين الدين المحامي بالنقض أن يمنع القانون الجديد الأب من استخراج جواز سفر لأطفاله دون موافقة الأم كما هو معمول به بالنسبة للأم
بينما تعارض خديجة عبد الغفار أصلا فكرة قانون استضافة للطفل لأبوين مطلقين موضحة:لايمكن أن توزع مسئولية الطفل بين البيوت فيحمل حقيبة ملابسه ليقضي مع أمه 5 أيام ومع أبوه يومين ولابد أن نراعي استقراره النفسي أليس من حق الطفل أن يرتبط بمكان إقامة وهل يتم بالقانون نقله من مكان لآخر؟ الواقع أنه إذا احب الطفل أبيه من أسلوب معاملته سيطلب بنفسه أن يراه وأن يقضي معه وقتا فلماذا ننكر رغبات الطفل وتفكيره ونجبره بالقانون؟
وتري المهندسة نهي صابر أن هناك آباء يتنصلون أصلا من الرؤية ولدينا زميلات خطف أبناؤهم أثناء الرؤية فما بالنا بالاستضافة لأيام؟!
تري الأمهات أن الاستضافة لن تحقق ثمارها المرجوة لأنها تطبق في جو مشحون بالحقد والانتقام وأن التربية لا تكون في أيام الجمع والعطلات فقط ويتساءلن عن تأثيرها علي نفسية الطفل إذا ما تمت في وجود زوجة الأب وماذا لو قام الأب بخطف الصغير وغادر البلاد فما هي الوسيلة لإعادة الصغير من الخارج؟ وهذا الأمر قد يحرم الأم من صغيرها إلي الأبد, و من الذي يضمن عدم تهريب الصغير خارج البلاد عبر المنافذ غير الرسمية للدولة؟
وماذا لو قام الأب أثناء الاستضافة بإخفاء الصغير داخل البلاد وأغلق سكنه الأصلي فمن الذي يستطيع إعادة الطفل لأمه؟
إنها مخاوف تزداد وطأتها في ظل الغياب الأمني وتستدعي التريث لحين صدور قانون متكامل يحقق العدالة لكل أفراد الأسرة.
[email protected]