تعتمد الكنيسة القبطية في عبادتها وعلاقتها بالله علي دستور روحي عجيب يستمد تشريعه من الكتاب المقدس وتعاليم الآباء الرسل والتقليد المقدس ومن أحد أعمدة العبادة المسيحية الصوم وتنظر إليه الكنيسة أنه أمر إلهي يجب أن يطاع وذلك علي ماورد في الكتاب والتعاليم الرسولية وأقوال الآباء الأولين.. فعندما سقط هذا العمود في حياة آدم الأول سقطت وتهاوت معه كل البشرية وكانت النتيجة الخروج من جنة عدن التي غرسها الله له ومنذ ذلك الحين والرب يعد للبشرية طريقا آخر للرحمة والعودة مرة أخري إلي الرتبة الأولي وكان طريق الصوم هو واحد من دعامة الثبات والتحرر من ظلمة الخطية والالتصاق بالله وطاعته لذلك قال عنه الكتابصالحة الصلاة مع الصوم والصدقة خير من ادخار كنوز الذهبطوبيا:12-8
جاء في الكتاب المقدس أول وصية عن الصوم في سفر التكوين وهيوأوصي الرب الإله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل أكلا وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموتتك2:16-17 وجاء عن الصوم أيضا في سفر الخروج أن موسي النبي عندما التقي بالرب لاستلام الشريعة في القديم ودخل موسي في وسط السحاب وصعد إلي الجبل وكان موسي في الجبل أربعين نهارا وأربعين ليلة 24:18 وأكد نفس السفر قائلاوكان هناك عند الرب أربعين نهارا وأربعين ليلة لم يأكل خبزا ولم يشرب ماء فكتب علي اللوحين كلمات العهد الكلمات العشر34:28 فكانت فترة الأربعين التي قضاها موسي مع الرب فوق الجبل صوما كبيرا استمر الأربعين يوما وهكذا كانت حياة أنبياء العهد القديم وعلاقتهم بالله كان من أبرزهم داود النبي الذي قال عنه سفر صموئيل وصام داود صوما ودخل وبات مضطجعا علي الأرض فقام شيوخ بيته عليه ليقيموه عن الأرض فلم يشأ ولم يأكل معهم خبزا2صم12:16-17ثم رأينا نماذج عملية للصوم في حياة كثير من رجال ونساء الكتاب المقدس أمثال إيليا ودانيال ويهوديت وغيرهم من الذين اختبروا حياة الصوم وسطرها لنا الكتاب لنتعلم أن الصوم واحد من مقومات العبادة الحقيقية والنصرة علي عدو الخير لذلك ذكر لنا العهد الجديد عن السيد المسيح أنه صام بعد المعمودية وقبل بداية خدمته كما جاء في إنجيل القديس متي ثم أصعد يسوع إلي البرية من الروح ليجرب من إبليس فبعدما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة جاع أخيرا فتقدم إليه المجرب وقال له إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله.ثم أخذه إبليس إلي المدينة المقدسة وأوقفه علي جناح الهيكل وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلي أسفل لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلي أياديهم يحملونك لكي لاتصدم بحجر رجلك قال له يسوع مكتوب أيضا لاتجرب الرب إلهك ثم أخذه أيضا إبليس إلي جبل عال جدا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها وقال له أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمهمت4:1-11 ومن هنا بدأت الكنيسة تركز علي أن الصوم في العهد الجديد الذي تحدث عنه السيد له المجد في أكثر من مكان هو دعامة الحياة الروحية ولاسيما الصوم الذي صامه المخلص في البرية عوضا عن آدم الأول الذي كسر وصية الصوم وسقط بغواية الشيطان, فالمسيح له المجد جاء وصام وانتصر علي إبليس المجرب ليرد آدم مرة أخري إلي رتبته الأولي ومن صوم السيد الذي لايحتاج إلي صوم أخذناه عنه وبدأنا نقره وبعد أن أمرنا الآباء الرسل في كتاب الدسقولية قائلينليكن عندكم جليلا صوم الأربعين المقدسة قبل الفصح ويكون بدؤه يوم الاثنين التالي من السبوت وكماله يوم الجمعة قبل الفصح وبعد هذا اهتموا أن تكملوا أسبوع الفصح المقدس وتصوموه بخوف وورعالدسقولية الباب الثامن عشر الفصل العاشر عن الصوم وهكذا المجامع المقدسة وأقوال الآباء الآولين للكنيسة أمثال القديس أمبروسيوس ويوحنا فم الذهب وغيرهما من الآباء.
تاريخ الصوم الكبير في الكنيسة القبطية
الصوم الكبير سمي بذلك لطول مدته فهي 55 يوما تجمع بين الأربعين يوما التي صامها السيد المسيح علي الجبل بعد العماد وأسبوع الآلام والأسبوع الأول من الصوم الذي تعددت الآراء نحوه فقوم قالوا إنه وضع لخلاص مؤمني أورشليم بواسطة هرقل وتبرئة هذا الملك من قسمه لليهود بعد قتلهم وأيد هذا الرأي ابن العسال في المجموع الصفوي وابن المقفع وغيره حتي مقدمة قطمارس الصوم الكبير في الكنيسة.. وهناك رأي آخر يقول إن هذا الأسبوع تهيؤ واستعداد للصوم الأربعيني وهو مقدمة له ويوجد رأي آخر يقول إنه يجمع السبوت السبع التي لاتصام صوما انقطاعيا في سبعة أسابيع الصوم ومنهم ابن المكين الذي رفض أن يكون صوم هذا الأسبوع بسبب هرقل واستند إلي نص في قوانين الملوك وهوليصم الرجال والنساء والصبيان والملوك الصوم الكبير ثماني جمع أولها أواخر الشتاء وآخرها أوائل الصيف وفي كل جمعة 5 أيام وتفطرون السبت والأحد ولا تأكلوا فيهما دهونات.. وهناك رأي آخر قال إنه أسبوع لتحليل الزواج من ابنة العم وابنه الخال.. وكل هذا الآراء المختلفة ربما ظهرت في قرون لم يجد البعض منهم تاريخا واضحا لقراءته.. فتاريخ الصوم الكبير يرجع إلي العصر الرسولي الأول فكانت الكنيسة كلها تصوم الأربعين يوما بعد عيد الغطاس وكانت تصوم أسبوع الآلام منفردا ولكن في عهد الأنبا ديمتريوس الكرام بابا الإسكندرية الثاني عشرأواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الميلاديوواضع حساب الأبقطي بإرشاد الروح القدس وضبط بحسابه هذا أيام الأصوام والأعياد ومعرفة أوقاتها ومنها كان الصوم ومدته55 يوما تحسب كالآتيالمدة من عيد الميلاد 29 كيهك إلي نهاية صوم الآباء الرسل 4 أبيب وهي مدة ثابتة لاتزيد ولاتنقص وعدد أيامها 186 يوما كالتالي2نهاية كيهك+180مدة الثلاثة شهور من طوبة لآخر بؤونة وعددها ستة شهور+4أيام من أبيب وقد قررت القاعدة التاريخية المذكورة أن مجموع أيام الفطر من الميلاد إلي أحد رفاع الصوم الكبير وصوم الرسل المحددة نهايتها في4 أبيب مجموعها علي الدوام 81 يوما فإذا زادت أيام الفطر الميلادي فيكون علي حساب نقصان أيام صوم الرسل وهكذا إذا نقصت أيام فطر الميلاد زادت أيام صوم الرسل في النطاق المذكور وبين فطر الميلاد وصوم الرسل يقع الصوم الكبير والخمسين ومدتها186-81=105 أياموبطرح أيام الخمسين من المدة المذكورة فيكون الباقي105-50=55 يوماوهي مدة الصوم الكبير في عهد الأنبا ديمتريوس البابا السكندري وهذا ما صادق عليه مجمع نيقية المسكوني الأول سنة 325م أي نستطيع أن نقول إن الأسبوع الأول من الصوم الكبير كان مقررا ومعروفا من آباء الكنيسة في القرون الأولي وأقره آباء القرن الرابع الميلادي فشكرا للتاريخ الذي عرفنا أن الصوم الأربعيني صامه أنبياء من العهد القديم مع أبينا آدم الذي فشل في صيامه وصامه السيد المسيح في العهد الجديد عوضا عنه وأقره الآباء الرسل في تعاليمهم في الدسقولية ورتبه لنا في نظام عجيب الأنبا ديمتريوس الكرام في نهاية القرن الثاني وبداية الثالث وصدق عليه آباء مجمع نيقية عام 325م لذا تؤكد الكنيسة علي صومه والتقشف فيه وتقيم القداسات اليومية في كل الكنائس احتفالا به وكما يقول الآباء إن أيام الصوم الكبير هي الربيع الروحي بالنسبة للمؤمنين والكنيسة فالرجاء عزيزي القاريء أن تعذرني للاختصار فتاريخ الصوم الكبير يحتاج إلي مساحة أكبر.
المصادر:الكتاب المقدس-سنكسار الكنيسة-مجموعة الشرع الكنسي-المجموع الصفوي- اللآليء النفيسة-التحفة اللوكسية-كنوز النعمة-أصوامنا العامة السابعة-مواقع مختلفة علي الإنترنت.
[email protected]