يحثنا القديس بولس الرسول بقوله: المحبة حليمة مترفقة.. وهي تعذر كل شيء, وتصدق كل شيء, وترجو كل شيء, وتصبر علي كل شيء (1كورنثوس 13:7,4), يحكي أحد المديرين الجدد عن خبرة حقيقية حدثت معه في الشركة قائلا:عندما تمت ترقيتي إلي منصب مدير عام, كان عندي موظف شاب في غاية النشاط والحيوية, وكان ناجحا جدا في عمله, حتي أنه يقوم بكل ما يطلب منه بذكاء وسرعة ودقة, وكان مصدر نجاح وتفوق وإنجاز للشركة, لكنه في الوقت ذاته كان لعوبا إلي حد ما, وكان يغادر مقر عمله مرارا كثيرة بدون إذن أو تصريح, حتي أصبحت إجازاته واعتذاراته أكثر من المعتاد, ثم تقدم ذات مرة ليطلب إذنا للسفر مع أصدقائه في رحلة, لكنني رفضتها, فما كان منه إلا أن تقدم بإجازة مرضية, واتصل مدعيا المرض والاعتذار عن الحضور للعمل, وبما أنني أعلم تماما بعدم مرضه, ذهبت في ذلك اليوم إلي منزله وانتظرته باكرا, فرأيته حاملا حقيبته وأدوات الرحلة, فاصطدم من هذه المفاجأة وصار وجهه أحمر من الخجل والحرج, وكان هدفي الأساسي أن أثبت له أنني لا أنخدع من كلامه, وأنني لست ساذجا كما يظن, كما أنني أردت فضح كذبه, واضطرت أن أخصم له أجر هذا اليوم مضاعفا, لكن الموظف الشاب تقدم باستقالته بعد أيام, ومن ثم خسرت جهده وإنجازاته العالية التي كان يحققها, مما اضطرني أن أبحث عن شاب آخر بنفس الكفاءة ليحقق الإنجاز ذاته, ما أبعد تصرفي هذا عن الحكمة! وما الفائدة التي نلتها من هذا التسرع؟! هذا الواقع نعيشه جميعا, عندما نسعي في التضييق علي الآخرين ومعاملتهم بجفاء وعدم رحمة, حتي إن الموظفين أو العاملين معنا يقعون أمام اختيارين:إما الهروب من عندنا ونخسر جهدهم وكفاءتهم,أو يتخذوننا أعداء لهم, وتصبح النتيجة الحتمية قلة الإنتاج والإهمال في بعض الأمور والتهرب من العمل, وفي كلتا الحالتين نحن الخاسرين, لذلك من الممكن أن نتغافل عن بعض الأمور التي لا تضر العمل, حتي ولو اكتشفنا خداع الغير, لأنه سيشعر بحكمتنا واحترامنا له, مما يجعله يخجل من فعلته, ويتعود علي النطق بالصدق, وبصرح عما يريده بكل ثقة وأمان, من المحتمل أن يعترض البعض علي هذا الكلام, معتبرا إياه هدفا للاستمرار في الخداع, ولكن عندما نتعامل مع الموظفين أو العاملين معنا بمحبة وثقة, ستتغير أمور كثيرة ويتبدل سلوكهم إلي الأفضل, من منا يستطيع أن ينظر إلي أعمال وتصرفات الآخرين بروح حليمة ورحيمة؟ كيف يمكننا أن نحكم علي تصرفات الناس بنظرة إيجابية فقط؟ نستطيع تحقيق هذا عندما نملك عينا بسيطة, نكتشف بها كل ما هو جميل وخفي عن العين الشريرة التي لا تري سوي السوء, فالمسئول الذي يتحلي بهذه العين النقية, عندما يري أشياء معوجة وغير مستقيمة, يغلق عينيه أمامها, ملتمسا العذر لصاحبها ومتخيلا النية الحسنة للشخص, بالرغم مما صدر عنه من تصرفات لا تليق, فالشخص الذي يرغب في أن يكون رحيما, عليه ألا ينادي بالعدل فقط, ولكن يجب عليه أن يري الجانب المضيء والمشرق والحسن أيضا, أي يحكم بالرحمة والعدل, لماذا ننظر إلي السلبيات فقط التي تصدر عن الآخرين, لنفضح أعمالهم وفي الوقت ذاته نستر ونخفي عيوبنا؟ كم من المرات التي فيها نحكم عقلنا بطريقة خاطئة معتمدين علي المظاهر والأحكام السريعة, لندين الغير دون تروي أو استشارة القلب والمشاعر الإنسانية؟ كم من المرات التي فيها اعتبرنا أنفسنا أذكياء نفهمها وهي طايرة, ونستطيع أن نقيم كل شخص ونعرف ما بداخله وحقيقته؟كل هذه التصرفات تجعلنا نصنع شباكا لنصطاد بها الآخرين, ونغلق عليهم حتي لا يستطيعون الهروب منها, وتكون النتيجة المرة هي أن ينغلقوا علي ذواتهم ويقعون في حالة يأس وخوف من المجتمع الذي يعيشون فيه, لقد كتب البابا يوحنا بولس الثاني:الإيمان والعقل جناحان تستطيع بهما الروح البشرية أن تسمو لتصل إلي معرفة الحق إذا يستطيع الإنسان أن يجد طريقا آخر للوصول إلي المعرفة بجانب العقل, وهو طريق الحب الذي يستطيع به أن يدرك ما وراء العقل, كل شخص منا في استطاعته سماع صوت قلبه الرحيم, ليعامل به الآخرين ويساعدهم علي القيام برسالتهم وواجبهم في الحياة علي أكمل وجه, وأن يسعوا في تغيير أنفسهم للأفضل, ونختم بكلمات الحكيم عندما سألوه:ما الفرق بين القلب والعقل؟ أجاب:العقل ينصح بالأنفع, بينما القلب ينصح بالأنبل.