تحدثت منذ ثلاثة أسابيع عن التحدي الذي تتعرض له الصحافة إزاء انكماش إيراداتها في مقابل تضخم نفقاتها, فبينما تتزايد جميع عناصر إنتاج العمل الصحفي, تتقلص جميع عناصر الدخل, مما يخلق فجوة آخذة في الاتساع بين قدرة المؤسسات الصحفية علي تحقيق الموارد وبين قدرتها علي تغطية الأعباء.
وأذكر أنه في الأول من مايو الماضي -منذ نحو ثلاثة أشهر- وعقب فوز خالد البلشي بمنصب نقيب الصحفيين أن أجرت وطني حوارا معه تضمن مواجهة صريحة وشجاعة مع بعض ما يواجه مهنة الصحافة من تحديات, ولم يخل من تقييم الواقع وطرح الرؤي نحو استكشاف سبل التغيير, وذلك شمل كارثة الخسائر والديون المتراكمة علي كافة المؤسسات الصحفية, وما يجب علي الدولة ممثلة في المجلس الوطني لتنظيم الإعلام ونقابة الصحفيين اتخاذه من تدابير من شأنها إقالة الصحافة من عثرتها ورفع الأعباء عنها لتمكينها من مواصلة دورها الجوهري في حقل الإعلام… وكان من أهم ما طرحه خالد البلشي آنذاك عزمه عقد مؤتمر عام مطلع العام القادم (!!) لمناقشة ما يعتري مهنة الصحافة من مشاكل, علاوة علي عقد مؤتمر اقتصادي لمناقشة صناعة الصحافة وخاصة الورقية.
ولا أخفيكم سرا أنني بقدر ارتياحي لذلك التصريح الصادر عن خالد البلشي, اعتراني قدر من الإحباط لإرجائه عقد المؤتمر إلي مطلع العام القادم -أي بعد نحو سبعة أشهر من جلوسه علي مقعد نقيب الصحفيين.. وتساءلت: هل هذا يعكس إدراكه لفداحة الأمر وإلحاحه؟… وهل تصمد المؤسسات الصحفية المكبلة بخسائر فادحة لحين عقد المؤتمر, ناهيك عن طبيعة التوصيات التي تصدر عنه ومدي جدواها وفاعلية تطبيقها؟… وأخيرا توجست: فهل يعكس ذلك المنحي التصدي للمشكلة أم مجرد إزاحتها وإرجاء مواجهتها؟
لم أنتظر طويلا, فسرعان ما جاءتني الإجابة في طيات خطاب وارد من نقيب الصحفيين الأستاذ خالد البلشي بتاريخ 22 يوليو الماضي يتضمن الآتي:
** بناء علي قرارات وتوصيات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين في مارس 2023 بشأن تطبيق الحد الأدني للأجور, المقرر من الدولة وما يتبعه من درجات مالية تواكب سنوات الخبرة المهنية, وهو ما تم الإعلان عنه مؤخرا بواقع ثلاثة آلاف جنيه في القطاع الخاص علي جميع المؤسسات الصحفية, يرجي تطبيق الحد المشار إليه اعتبارا من 2023/7/1 علي جميع الزملاء بجريدتكم.
وأصارحكم القول إني شعرت أن الصحافة توضع قسرا بين المطرقة والسندان, فلم يكفها ما تعانيه من عجز الإيرادات وانفلات المصروفات, حتي جاء ذلك القرار ليضيف علي كاهلها عبئا جديدا يتمثل في رفع هرم الأجور برمته, فليس الأمر مقصورا علي رفع الحد الأدني للأجر, بل يمتد إلي ما يترتب علي ذلك من زيادة جميع مراتب الأجور في درجات الهرم الوظيفي… وهنا أجدني أمام تناقض صارخ في موقف النقابة, فبينما تنتفض لتطبيق الحد الأدني للأجر وتبعاته الذي لا ندري كيفية تمويله, تتعامل باسترخاء وعدم تعجل في بحث التحديات المالية التي تواجه الصحافة!!
ولحسن الطالع أن خطاب نقيب الصحفيين المشار إليه عاليه جاء مرفقا به خطاب المستشار القانوني للمجلس القومي للأجور التابع لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والذي يتضمن النص علي الحد الأدني للأجور في مادته الأولي, كما يتضمن في مادته الثانية الآتي: في حالة تعرض المنشأة لظروف اقتصادية يتعذر معها صرف العلاوة الدورية المشار إليها, يعرض الأمر علي المجلس القومي للأجور لتقرير ما يراه ملائما مع ظروفها في خلال ثلاثين يوما من تاريخ عرض الأمر عليه… كما تضمن خطاب المستشار القانوني فقرة أخري لها مغزاها هي: ..وهو الأمر الواجب التطبيق علي جميع العاملين بالقطاع الخاص, وفي حالة مخالفة ذلك فإنه يجب علي المتضرر أن يتقدم بشكوي إلي المجلس القومي للأجور أو وزارة العمل لاتخاذ اللازم قانونا.
إذا يظل هناك هامش التظلم من القرار ميسورا, فكما سبق منذ بضع سنوات لدي إقرار مجلس النواب لتشريع يتضمن زيادة الحد الأدني للأجور أن نص التشريع أنه يمكن للمنشأة التي حققت خسائر مثبتة من واقع ميزانيتها المعتمدة من مراقب حسابات أن تطلب من المجلس القومي للأجور إعفاءها من تطبيق الزيادة المقررة, يمكن أيضا للمؤسسات الصحفية التي تعاني من تراكم الخسائر أن تتظلم من القرار الأخير, ويبقي الأمر مرهونا بما يسفر عنه بحث ذلك التظلم.
ولا يسعني إزاء هذا الوضع المحزن إلا أن أقول: إذا كانت الحكومة تريد أن تغدق علي العاملين سواء في الدولة أو في القطاع الخاص, لماذا لا تغدق من مواردها وهي تعلم أن موارد القطاع الخاص قد نضبت؟!!!
====
رفع سعر النسخة من وطني إلي خمسة جنيهات
ظل سعر النسخة من وطني جنيهين طوال عشر سنوات وأربعة شهور, إذ بدأ تطبيقه في 7 أبريل 2013, وتحملت الصحيفة أعباء الحفاظ علي هذا السعر بالرغم من توالي ارتفاع الأسعار وانخفاض الإيرادات… وأستأذن القراء في زيادة السعر بدءا من هذا العدد ليصبح خمسة جنيهات حتي نتمكن من تحقيق بعض التوازن المطلوب.