شهدت مدينة ليكساند السويدية المؤتمر العالميإعادة صياغة العالموالذي نظمته مؤسسة تالبرج,بالتعاون مع وزارة الخارجية السويدية في الفترة من 2-5 يونية الماضي بمشاركة 1700 شخصية من 120 دولة حول العالم لرسم خريطة العالم الجديدة عقب ما تعرض له من أزمات متتالية.
في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ,طالبت ماري روبنسون,رئيس أيرلندا الأسبق بضرورة أن يشمل المؤتمر ليس فقط إعادة صياغة العالم وإنما أيضا إعادة صياغة العدالة لصالح غزة والشرق الأوسط,مختتمة حديثها بالقول إن الشباب لديهم مؤهلات كبيرة, كما أنهم ليسوا فقط مستقبل الأمم بل حاضرها أيضا.
من جانبها رحبت أولريكا ليليبرج عمدة مدينة ليكساند بالمشاركين في المؤتمر قائلة إنه يجب علينا جميعا كسر الحدود التي تفرقنا وأن نضع حدودا للكراهية والحروب,مضيفة أن التعاون بين البشر سيخلق عالما أفضل .وأشارت إلي أن السياسيين يتعين أن يستمعوا لشعوبهم ولكنهم أحيانا يتحدثون أكثر من استماعهم للآخرين, لافتة النظر إلي أن الأفعال أهم من الأقوال.
وفي سياق متصل, نوه كارل موسفلد نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة تالبرج إلي أن العالم يحتاج إلي الاجتماع معا ضد الإنسانية والزينوفوبياالخوف من الغرباءلافتا النظر إلي أن عالم الغد يتطلب إعادة صياغة كما أن أعمال الغد يتعين أن تكون مختلفة عن الماضي وأن يتم تمويلها بشكل مختلف في ظل الأزمة المالية.
ويهدف مؤتمرإعادة صياغة العالمإلي الاستفادة من خبرات أفضل الشركات الرائدة في العالم بهدف الإسراع من عملية التغيير نحو مجتمع مستدام وخلق فرص عمل جديدة حيث سيتعاون عدد من ممثلي الشركات العالمية وصانعي القرار مع الشباب أصحاب الأفكار المتميزة خلال القمة من أجل مساعدتهم علي تحويل أهدافهم من مجرد رؤية إلي أعمال ملموسة ومؤثرة.
ومؤتمر إعادة صياغة العالمهو مبادرة مشتركة بين مبادرةYESوهي شبكة عالمية انطلقت من مكتبة الإسكندرية في عام 2002 ولها ممثلون في55 دولة من دول العالم النامي ومؤسسة تالبرج السويدية التي أنشئت عام 1980 وتعمل علي جمع كبار القادة لمناقشة وتبني حلول أكثر فاعلية لمواجهة التحديات العالمية.وستستضيف المكتبة المؤتمر الأخير لقمة عمالة الشباب عام .2012
وفي كلمته قال الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية إن التنمية كالشجرة التي تتغذي من خلال جذورها بينما كل الأعمال التنموية في الوقت الحالي هي في الفروع. وأضاف أن التنمية أساسها البشر أنفسهم مشددا علي ضرورة إتاحة المجال أمام الشباب للإبداع وإعادة بناء المجتمعات.وأوضح د. سراج الدين أنه يتعين ألا يسعي القائمون علي التنمية إلي نتائج مادية فورية حيث إن التنمية هي عملية طويلة الأمد قد تمتد لأجيال, مشيرا إلي أن العالم ينفق حاليا علي الأسلحة 16 مرة أكثر من إنفاقه علي التنمية.
وقال سراج الدين إن العالم الآن تتسع فيه الفجوات بين المجتمعات وداخل المجتمعات نفسها كما أنه يتم إنفاق 16 مرة علي السلاح أكثر من التنمية, إضافة إلي عدم تفعيل حقوق الإنسان, لافتا الانتباه إلي أننا نحتاج إلي السلام والعدالة لتحقيق التنمية المستدامة.وأشار في هذا الإطار إلي أن نابليون بونابرت ذكر في آخر حياته أن القوة لاتحقق شيئا وأن السيف يهزمه العقل والفكر.
وأضاف أن الحكومات تتحدث كثيرا ولكنها لاتحول الأقوال إلي أفعال مشددا علي أهمية الاعتماد علي النفس من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية ونوه سراج الدين إلي أن هناك مليار شخص جائع في العالم وملياري شخص لا يتمتعون بخدمات الصرف الصحي ,كما يتم حرق غذاء الفقراء لتسيير سيارات الأغنياء من خلال الوقود الحيوي.
عقب ذلك,عقدت جلسة بعنوانكيف نعيد صياغة العالمأدارها بو إكمان الرئيس التنفيذي لمؤسسة تالبرج وتحدث فيها موهان موناسينج نائب رئيس اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC وإلينور أوستروم الحاصلة علي جائزة نوبل في الاقتصاد عام.2009
وقال إكمان إن العالم يتحول من البساطة إلي التعقيد بحيث أصبح التنبؤ بما يمكن أن يصبح عليه العالم صعبا إن لم يكن مستحيلا, مشيرا إلي أن التغيير يجب أن يحدث في تفكيرنا وفهمنا للأوضاع الحالية.من جانبها ألمحت أوستروم إلي أنه يتعين التفكير في الحوكمة علي الأصعدة المحلية, قائلة إن العالم كان يتبع سياسات خاطئة خلال السنوات الماضية حيث أنظمة الحوكمة الأحادية المركزية بينما يجب البدء في تحرير الحوكمة من المركزية وتحويلها إلي ذاتية فالديموقراطية ليست مقصورة علي حق التصويت فحسب وطالبت الشباب بالذهاب بعيدا في أفكارهم وعدم الاستسلام أمام العقبات.
شهد اليوم الثاني من المؤتمر عددا من الجلسات المتوازية لمحاوره الرئيسية التي تندرج في إطارها الـ150 مشروعا التي سيتم عرضهما خلال أيام المؤتمر وهي المياه والطاقة والمدن والأرض والبشر.
وأدار أندريس فيكمان من مؤسسة تالبرج جلسة الطاقة التي تحدث فيها أولاص ألترا من السويد وديبال بوروا من بنجلاديش راجنفالد نييرو,من النرويج وأكد المتحدثون علي أهمية توفير الطاقة البديلة والمتجددة للناس حول العالم خاصة في الأماكن الأكثر فقرا والأكثر عرضة للتلوث البيئي, كما أشار البعض إلي أهمية خلق فرص عمل صديقة للبيئة في المناطق النائية بحيث يتم تدريب سكان تلك المناطق علي تلك الأعمال بما يوفر لهم فرص عمل ويحقق لهم عائدا ماديا وقد تم عرض عدد من النماذج لمشروعات كتلك في دول مثل الهند وبنجلاديش.
كما عقدت جلسة عن المدن أدارتها كريستين لو,من مؤسسة تالبرج وتحدث فيها نيكي جافرون من بريطانيا وأولا هاملتون من السويد وأرون ناندا من الهند وأنيكا رينسكيولد من السويد.
ركزت تلك الجلسة علي تطوير وظائف صديقة للبيئة في المجتمعات والعمل علي تحقيق التنمية المستدامة للبني التحتية للدول الفقيرة, إضافة إلي إيجاد حلول لتوفير مساكن صحية للفقراء وشدد المتحدثون علي أهمية تركيز الجهود في المناطق المزدحمة للسكان والتي تفتقر إلي العناصر الرئيسية للمعيشة من ماء وكهرباء وصرف صحي.
وعرض عدد من المشاركين تجربتين خلال الجلسة أولهما كانت في نيروبي عاصمة كينيا التي أصبحت مكدسة بالسكان إلا أنها تسعي حاليا من خلال القطاع الخاص إلي توفير مساكن جديدة مزودة بخدمات صحية أما التجربة الثانية فهي في مومباي بالهند التي أصبحت حركة المرور بها مكدسة, لذا فإنها تسعي إلي بناء عدد من الكباري وتشجيع استخدام الدراجات للحد من التلوث وتقليل الزحام.
وطالب المتحدثون بضرورة تكاتف صناع القرار والقطاعين العام والخاص لوضع حلول جذرية لمشاكل الدول النامية إضافة إلي أهمية طرح حلول مناسبة للمشكلات القائمة عوضا عن مجرد عرضها.
وافتتحت جلسات اليوم الثالث من المؤتمر التي عقدت تحت عنوان رئيسي هو نحو مليار فرصة عمل جديدة..الرؤي تجاه التغييرات واسعة النطاقمود أولفسون نائبة رئيس الوزراء السويدي وقالت أولفسون إن كلمة الأزمة تقابل البشر جميعا في مختلف أنحاء العالم, مشيرة إلي أن العالم يواجه أزمتين كبيرتين حاليا وهما التغيرات المناخية وتداعي الاقتصاد الدولي وهو ما قد يفقد البعض الأمل في مستقبل أفضل.
إلا أنها أكدت أنه خلال الأزمات توجد العزيمة والإبداع والرغبة في التغيير للأفضل من أجل مستقبل مشرق, مضيفة أنه يتعين خلق فرص عمل جديدة للشباب والعمل من أجل حدوث نمو مستدام يحافظ علي البيئة.
وأضافت أن هناك فرصة لمواجهة التحديات المناخية وذلك من خلال استخدام الطاقة بفاعلية أكبر وتقليل استهلاك الموارد الطبيعية وهو ما يتطلب تقديم حلول ومبتكرات جديدة يأتي بها رواد الأعمال الشباب حول العالم,الذين يحولون الأفكار إلي تطبيقات ومشروعات.
ونوهت نائبة رئيس الوزراء السويدي إلي أن تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات أسهمت بشكل كبير في ربط الناس بعضهم ببعض وفي التفاعل بين رواد الأعمال حول العالم,وتبادل الأفكار وإيصال عدد من مشروعاتهم من المحلية إلي العالمية حيث فتحت العولمة أبوابا كثيرة أمام الشباب حول العالم.
من جانبه قال بيرس بارنيفيك رئيس منظمةيدا بيدالسويدية, إن عدد البشر تحت خط الفقريعيشون علي أقل من دولار يوميايصل إلي مليار نسمة وهم لن يتقدموا سوي بالاعتماد علي أنفسهم, مدللا علي ذلك بدول النمور الآسيوية التي شهدت نموا واسعا دون الاعتماد علي المنح والمساعدات.
وألمح إلي أن الفقر وفقدان الأمل يعدان سببين رئيسيين للعنف والإرهاب مشددا علي أن القضاء علي الفقر يكون من خلال حشد الجهود وتنظيمها وأضاف أن الفقر سببه عدم توفر فرص عمل, لذا فإن هناك حاجة إلي توفير 250 مليون فرصة عمل للمليار الذين يعيشون تحت خط الفقر,وهذا يتطلب مساهمة القطاعين الخاص والعام وأصحاب الأعمال الكبيرة والصغيرة علي حد سواء.
وأشار إلي أن منظمة يدا بيدأسهمت في تدريب 530 ألف سيدة في الهند علي عدد من المهارات التي تؤهلن لبدء مشروعات صغيرة, منوها إلي أن99% منهن كن يسددن القروض في مواعيدها, كما أن الكثير من المشروعات التي أسسوها أصبحت مستدامة والبعض منها اتسع نطاقه بل وأصبح عدد من السيدات تصدرن منتجاتهن إلي الخارج.
واستنكر الاتجاه القائل إنه يتعين الإنفاق علي البني التحتية بالتوازي مع توفير فرص عمل حيث إن البني التحتية تحتاج إلي سنوات طويلة ومبالغ طائلة لإنشائها بينما هناك حاجة آنية لتوفير فرص عمل للشباب.
وفي ختام المؤتمر قال أندريس وايكمان من مؤسسة تالبرج إنه يتعين وضع هدف خلق فرص عمل جديدة في مقدمة أجندة التنمية بحيث تعمل تلك الأعمال علي تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وأن تركز علي ثلاثة محاور رئيسية وهي:الإنتاجية ,والربح,والمسئولية الاجتماعية وشدد علي أنه يجب إعطاء مساحة للدول قليلة الدخل للتعبير عن آرائها والمشاركة في صنع القرار,خاصة في مجال الاقتصاد والتنمية, مضيفا أنه من الضروري دعم رواد الأعمال الشباب ومساعدتهم في تطبيق أفكارهم.
واختتم حديثه بالقول إن مؤتمر قمةYES شارك فيه 1700 شخص من 120 دولة,نصفهم من النساء والنصف أقل من 35 عاما, لافتا الانتباه إلي أنه تابع فعالياته عبر الإنترنت 3500 شخص من مختلف دول العالم مثل:أفغانستان,وكرواتيا,ومصر,والصرب,واليمن,وتايوان,والهند,وتنزانيا, والأرجنتين,وغانا ,وسويسرا وغيرها,وأشار إلي أن أهم الاقتباسات التي تداولها المتابعون علي الإنترنت كانت تعليق أحد المتحدثين عن أن تكلفة وجود جندي سويدي واحد في أفغانستان تساوي توفير 600 فرصة عمل للأفغان. وألمح سفن أوتو ليتورين وزير العمل السويدي من جانبه إلي أن التحدي الحقيقي الذي يواجه السياسيين هو أنهم لايركزون علي الحقيقة وإنما علي صورة الحقيقة كما يراها الناخبون, وأضاف أن هناك حاجة إلي حشد الجهود وتنظيمها في سوق العمل إضافة إلي أهمية تطوير التعليم وربطه بسوق العمل ودعم رواد الأعمال الشباب.
وفي ذات السياق قال لاري ثانل نائب رئيس البنك الدولي إنه يجب إعطاء الفرصة لرواد الأعمال لإظهار أفكارهم ,مشيرا إلي أن التجربة تؤكد أن هؤلاء الذين يعملون في الدول قليلة الدخل يحولون العقبات إلي نجاحات.
وأوضح أن النمو في العقد الأخير كان غير متوازن, مشيرا إلي أن الدول النامية تنمو بشكل متسارع جدا الآن أكثر من الدول المتقدمة وملمحا إلي أن نموذج الاقتصاد الجديد سيكون قائما علي تحقيق الكثير من خلال استخدام القليل من الموارد وهو ما تحققه الهند حاليا.
وشدد ثانل علي أهمية عقد شراكات بين القطاعين العام والخاص إلي جانب التركيز علي الاستدامة, مطالبا شباب رواد الأعمال بالبحث دائما عن أسواق جديدة والتفكير بإبداع والتركيز علي شبكات التوزيع وعمل تطبيقات ملائمة لهؤلاء الذين يقعون في أسفل الهرم المجتمعي, كما وجه رسالة إلي صناع القرار بأهمية إصدار قوانين جديدة أفضل وأكثر ذكاء,وعدم اتخاذ مواقف منحازة ضد الأعمال الصغيرة.