بعد أن قدمنا للقاري تحليلا وافيا عن الشخصية الرئيسية التي ينتظرها العالم عام 2009 وهي باراك أوباما الذي استحق فرد مقالا خاصا لجلوسه علي قمة الأسرة العالمية,نقدم هذا العدد تحليلا لباقي الشخصيات المحورية في هذا الإطار
هوو جينتاو .. الرجل المسئول عن الاقتصاد الأكثر نموا في العالم
قد يكون من الرجال الذين لا تعيرهم عادة اهتماما كبيرا, فهو حذر وغير مميز وشديد التنظيم. في السابق, غالبا ما سرق منه الأضواء قادة عالميون آخرون أكثر غرورا واندفاعا. لكن التقليل من شأن هوو جينتاو خطأ فادح. فمنصبه باعتباره رئيسا للصين يجعله مديرا تنفيذيا لعملاق مالي من المتوقع أن يحقق فائضا تجاريا بقيمة 280 مليار دولار هذا العام. في الوقت الذي تغرق فيه بقية العالم في ركود عميق, يبرز هوو المتواضع كمنقذ.
لقد حولت 30 سنة من الإصلاحات الجذرية الصين من بلد ضخم فقير إلي ثالث أكبر اقتصاد في العالم, وهو اقتصاد لايزال ينمو. فآخر التوقعات لنمو الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل تقارب الـ8 بالمائة أو أقل بقليل. والأرباح الهائلة التي حققها البلد طوال عقود جعلت منه أكبر مقرض للحكومة الأمريكية, مستثمرا مليارات الدولارات في سندات الخزينة الأمريكية ولشراء أسهم في شركتي ##فاني ماي## و##فريدي ماك##. أي تراجع عن هذا الموقع الآن قد يقضي علي آمال باراك أوباما بتمويل خطة تحفيزية للاقتصاد الأمريكي.
هوو أيضا من الممولين الأساسيين لبلدان أخري شديدة الأهمية للمصالح الأمريكية, بلدان مثل باكستان, وهي حليفة أمريكا علي الخطوط الأمامية في الحرب الأفغانية. مساعي الرئيس آصف علي زرداري للحصول علي مساعـدة اقتصادية طارئة قادته إلي بيجنج التي قام بأول زيارة رسمية لها في أكتوبر. وأعلن زرداري عند وصولـه أن ##الصـين هي مستقبل العالم##. (لكنه غادر من دون الحصول علي القرض بمليارات الدولارات الذي كان يريده).
غير أن نفوذ هوو يتخطي موقعه كممول عالمي. لقد لعبت حكومته دورا أساسيا في الجهود الهادفة إلي تفكيك برنامج الأسلحة النووية في كوريا الشمالية, كما أن مشاريع تطوير الطاقة زادت من نفوذ الصين في بلدان مثل السودان والعراق وأنجولا. فضلا عن ذلك, فإن تعاون هوو ضروري في أية محاولة للسيطرة علي الاحتباس الحراري. فالصين, وهي من البلدان الأكثر تسببا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون, جادلت بأن علي البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة أن تقوم بأكبر التضحيات لأن سياراتها ومصانعها تطلق الكربون منذ فترة أطول بكثير. مع ذلك, فإن هوو ورئيس الوزراء وين جياباو يدركان أن ثلاثة عقود من النمو العشوائي أضرت ببيئة بلدهما إلي حد كبير. السفير وو جيانمين, وهو من أهم الدبلوماسيين في وزارة الخارجية, يقول إن قادة الصين ##يعون أنهم بحاجة إلي نموذج تطور جديد, نموذج أنظف وأكثر مراعاة للبيئة وأقل تلويثا##.
لا يحـب هوو التباهـي, بـل يحكـم من خلال إجماع اللجنة الدائمة شديدة النفوذ في المكتب السياسي الصيني التي تضم تسعة رجال. لكن في أعقاب انهيار وول ستريت, فإن كفاءته وتواضعه هما بالضبـط ما تبحث عنهما بيجنج, وقد يكونان ما يحتاج إليه العالم أيضا.
نيكولا ساركوزي .. قصر الإليزيه أصبح من جديد أهم مقر في أوربا
غالبا ما يقال إن الرئيس الفرنسي يتمتع بطاقة تفوق طاقة الأرنب الذي يقرع علي الطبل في الإعلانات التليفزيونية, وقد فرض نفسه علي أوربا وعلي العالم بالاندفاع نفسه. لكن واشنطن لم تحظ بصديق مقرب كهذا في قصر الإليزيه منذ وقت طويل, وبالنسبة إلي الإدارة الأمريكية الجديدة, فإن ساركوزي سيكون الرجل الذي تلجأ إليه في أوربا. خلال ولايته باعتباره رئيسا للاتحاد الأوربي لمدة ستة أشهر, تصدي ساركوزي للروس في جورجيا, ومن ثم ساهم في جمع الأوربيين لاعتماد رد فعل موحد إزاء الأزمة الاقتصادية. عام 2009, سوف يعيد ضم فرنسا إلي القيادة الموحدة لحلف شمال الأطلسي للمرة الأولي منذ 42 عاما. إنه قائد لا يستهان به, في الحرب كما في السلم.
ثلاثة من كبار أصحاب النفوذ قد يقررون مصير الاقتصاد العالمي العام المقبل
بن برنانكي
جان كلود تريشيه
ماساكي شيراكاوا
إنهم تكنوقراط متبحرون في موضوعات تضجر معظم الناس. وهم معينون ـــ وليسوا منتخبين ـــ في مناصب حكومية رفيعة, وعملهم غامض إلي حد ما. لكنهم نافذون جدا, وفي عام 2009, قد يحددون ما إذا كان الاقتصاد العالمي سيتجنب الكارثة. ##إنهم## رؤساء بنوك مركزية: بن برنانكي من بنك الاحتياطي الفيدرالي وجان كلود تريشيه من البنك المركزي الأوربي وماساكي شيراكاوا من البنك المركزي الياباني وإلي حد أقل, نظرائهم في الصين والهند والبرازيل والمكسيك وغيرها.
لم يكن دورهم أساسيا إلي هذا الحد منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي عندما كان الكثير من الاقتصادات المتقدمة يعاني معدلات تضخم عالية أو ربما حتي منذ ثلاثينيات القرن الماضي. إن النمو الاقتصادي العالمي يتباطأ إلي حد التوقف. ويتوقع خبراء الاقتصاد في ##دويتشه بانك## أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.2 بالمائة فقط عام 2009, وهو أسوأ معدل سنوي منذ عام 1950 علي الأقل. عام 2007, كانت نسبة النمو تقارب الـ5 بالمائة. ومن دون نمو أقوي, قد يؤدي التباطؤ إلي تفاقم المشكلة وإلي اعتماد سياسات اقتصادية حمائية.
ظاهريا, يبدو رؤساء البنوك المركزية مستعدين لإنجاح عملية التحفيز. حيث خفضت البنوك المركزية الأساسية بشكل شبه جماعي معدلات الفائدة في نوفمبر وديسمبر لتحفيز النمو ودعم أنظمتها المالية. قام البنك المركزي الأوربي بتخفيض معدل الفائدة الأساسي إلي 2.5 بالمائة, وخفضه بنك إنجلترا المركزي إلي 2 بالمائة, وهذا أدني مستوي له منذ تأسيسه عام 1694, كما سارع الكثير من البنوك المركزية الأخري إلي تخفيض معدلات الفائدة أيضا, مثل الصين والهند وكندا. أما فيما يتعلق ببنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي, فقد تدني معدل فائدته علي المدي القصير من 5.25 بالمائة إلي ما يقارب الصفر وسيحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي الآن تخفيض معدلات الفائدة طويلة الأمد.
حتي فترة غير بعيدة, لم يكن هناك إجماع علي الأهداف. في يوليو, رفع البنك المركزي الأوربي معدل الفائدة الأساسي إلي 4.25 بالمائة لمنع الارتفاع الكبير في أسعار النفط من زيادة معدل التضخم العام. يقول فريد بيرجستون من مؤسسة بيترسون للاقتصادات الدولية: ##كانت أوربا في حالة إنكار-بشأن الأزمة- حتي إفلاس شركة ليمان في 15 سبتمبر##.
تاريخيا, لطالما كان التعاون ضروريا لحل الأزمات. وغيابه في ثلاثينيات القرن الماضي كان كارثيا. لنأخذ علي سبيل المثال إفلاس ##كريديتانستالت##, أكبر بنك نمساوي آنذاك, في مايو من عام .1931 كان من الممكن تجنب هذا الإفلاس لو اتفقت فرنسا وألمانيا علي خطة إنقاذ. لكنهما عجزتا عن ذلك. فانتشرت حالة من الذعر في القطاع المصرفي وصولا إلي المجر وبولندة وألمانيا وبريطانيا, وبقية العالم, كما يقول جيفري فريدن, عالم السياسة والتاريخ في جامعة هارفارد.
أحد الدلائل علي التعاون اليوم القروض الضخمة التي ##يتبادلها## بنك الاحتياطي الفيدرالي و14 بنكا مركزيا أجنبيا. هذه القروض تزود البنوك المركزية الأخري بالمال, مما يتيح لها إقراض البنوك المحلية بالدولار. لقد اقترضت الشركات والمستثمرون والبنوك في أوربا وآسيا وأمريكا اللاتينية كميات كبيرة من الدولارات. مع تباطؤ سوق القروض الأمريكية, أصبحت إعادة تجديد القروض بالدولار أمرا أصعب. إن قروض بنك الاحتياطي الفيدرالي -التي قد تصل إلي 500 مليار دولار- تعوض عن القروض الخاصة, مما يحد من نسبة التخلف عن تسديد الديون.
كون هذا التعاون بين البنوك المركزية يعكس إجماعا أوسع نطاقا هو أمر مشجع. بعد اجتماع الدول الـ20 (الولايات المتحدة, والاتحاد الأوربي, واليابان, والصين, والهند, وبعض الدول المهمة الأخري) في نوفمبر, أصدرت بيانا تتخلي فيه عن السياسات الحمائية وتتعهد بإطلاق برامج لتحفيز الاقتصاد. وهذا أمر جيد, أليس كذلك؟ العولمة بدلا من الحمائية.
حسنا, ربما. لكن كما يشير فريدن, فإن معظم هذا ##التعاون## اليوم يحصل من خلال بيانات إعلامية. فالبلدان تتفق علي مبادئ واسعة لكنها تتبع مسارات مختلفة. مع أن الدول أعلنت أنها ستتخلي عن السياسات الحمائية, فهناك مؤشرات إلي أن الصين -التي تتمتع بفائض تجاري ضخم- ربما تخفف من حدة سياستها القائمة علي رفع قيمة عملتها, أو حتي تتوقف عنها. من خلال تخفيض قيمة الرينمينبي, ستعطي الصين صادراتها أفضلية إضافية من حيث السعر.
كل هذا يزيد الضغوط علي البنوك المركزية لإعادة تحفيز النمو الاقتصادي. إن الخوف المشترك المرتكز علي استنتاجات علمية بشأن الركود الكبير يفوق مستوي التعاون: يجب منع الخوف من تدمير النظام الاقتصادي, علي المقرضين الحكوميين أن يتحملوا المسئولية عندما يتراجع المقرضون في القطاع الخاص. لكن ردود الفعل المعقولة هذه تثير سؤالا مقلقا: ماذا لو كان هذا التباطؤ يتبع مسارا مختلفا؟
جوردن براون ـ رئيس وزراء المملكة المتحدة
كانت هذه الفترة العصيبة لصالح رئيس الوزراء جوردن براون. بعد توليه منصبه في يونية عام 2007, تراجعت شعبيته إلي مستويات غير مسبوقة لم تشهدها بريطانيا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومن ثم انتشرت حالة من الهلع عام 2008, وفجأة أصبح وزير الخزانة السابق يهتم بالأمور التي يجيدها. من خلال تحركه بسرعة لضخ الأموال العامة في البنوك المتداعية, علا شأن براون في أنحاء العالم. في اليوم الذي نال فيه بول كروجمان من صحيفة نيويورك تايمز جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2008, أغدق علي براون بالمديح في مقال بعنوان: براون يبلي بلاء حسنا وكتب أن براون ##جسد صورة المجهود العالمي لإنقاذ الوضع, في حين أن بلدانا ثرية أخري كانت تحاول مجاراته##. قد يزول هذا المجد. فقد حذر تقرير أصدره صندوق النقد الدولي حديثا من أن بريطانيا ستكون أكثر تأثرا من الاقتصادات المتقدمة الأخري بالعاصفة الاقتصادية المقبلة.
أنجيلا ميركل ـ مستشارة ألمانيا
كونها رئيسة لرابع أهم اقتصاد في العالم, فإن أنجيلا ميركل تمتلك موارد أكثر من معظم نظرائها في هذه الأزمة. لعل اقتصاد ألمانيا البطيء والثابت كان يبدو مضجرا خلال سنوات الازدهار العالمي, لكن بلد ميركل يبدو الآن معقلا نادرا للاستقرار. فالميزانيات الحكومية متوازنة. ولا يبدو أن سوق العقارات أو القروض توشك علي الانهيار, ومعدل الإدخار أعلي بكثير منه في الولايات المتحدة (11 بالمائة مقابل صفر تقريبا العام الماضي). كل هذا يزيد من أهمية تحذيرات ميركل ضد ##سهولة الإقراض## و##السباق المجنون لإنفاق المليارات## في محاولة لوقف التدهور. السؤال المطروح هو ما إذا كانت ميركل قادرة علي استغلال قوة ألمانيا النسبية لتعزيز موقعها الشخصي في أوربا. يبدو أن قادة القارة يحبون الشجارات أكثر من أي شيء آخر, علي الرغم من كلامهم المعسول عن أن الأزمة فقد برهنت صحة النموذج الأوربي القائم علي نوع ألطف من الرأسمالية. في غضون ذلك, ستكون المستشارة منشغلة بمعركة خاصة بها, فيما تتجه ألمانيا نحو انتخابات وطنية في سبتمبر .2009
فلاديمير بوتين .. لايزال يدير زمام الأمور بعد سحقه المعارضة السياسية وقمعه الإعلام
تنحي فلاديمير بوتين عن منصبه رسميا في مايو الماضي, لكن السلطة لاتزال بين يديه. يمكنه أن يترشح للرئاسة مجددا عام 2012, وعلي الأرجح أنه سيفعل ذلك. وإذا اختار الترشح, فإن عودته إلي السلطة ستكون مجرد شكليات. خليفته في الكرملين الذي اختاره بنفسه, وهو المحامي ديمتري ميدفيديف البالغ من العمر 43 عاما, لا يبدو أنه يتمتع بنفوذ كبير, لأن القرارات الحقيقية يتخذها بوتين, الذي أصبح رئيسا للوزراء, وطاقمه القديم في الكرملين. خلال اجتماع وزاري عقد حديثا, طرح ميدفيديف سؤالا علي أحد الوزراء, فما كان من بوتين إلا أن قاطع الجواب قائلا بحدة: ##لماذا نناقش هذه المسألة؟ لقد تم اتخاذ قرار بهذا الشأن##, متعديا بذلك علي سلطة رئيسه المفترض, بحسب مصدر مطلع في الكرملين كان موجودا في الاجتماع. إن الدستور الروسي يسمح لبوتين بالعودة إلي الرئاسة عندما تنتهي ولاية ميدفيديف عام 2012, وما من شك لدي الطبقة السياسية الروسية بأن بوتين ينوي العودة إلي عرشه. عندما سئل عن إمكانية توليه الرئاسة مجددا خلال مقابلة هاتفية حديثة, قال بوتين إن ميدفيديف سيكمل ولايته الممتدة إلي أربع سنوات حتـي النهايـة, لكـنه رفـض التعليق علي مخططاته الخاصة.
في غضون ذلك, كان ميدفيديف يمهد الطريق لعودة بوتين ويدعم إقرار تعديل دستوري يمدد ولاية الرؤساء في المستقبل إلي ست سنوات, وبالتالي, إذا عاد بوتين إلي الرئاسة عام 2012 فقد يبقي في المنصب حتي عام .2024 غير أن تفاقم الأزمة الاقتصادية قد يفسد خطط الكرملين المتقنة المتعلقة بالخلافة. خلال فترة الازدهار التي كان فيها سعر النفط مرتفعا, تمتع بوتين بمعدل شعبية قارب الـ80 بالمائة. لكن الثغرات في الاقتصاد الروسي بدأت تظهر: فقد انخفض مؤشر البورصة بنسبة 70 بالمائة وتراجعت قيمة الروبل بما يقارب الـ40 بالمائة منذ الصيف. وعلي الرغم من السيطرة المحكمة للكرملين علي الإعلام وسحقه أي معارضة سياسية حقيقية, فإن شعبية كل من بوتين ومدفيديف تتراجع في استطلاعات الرأي. وفوزهما سيتطلب جهودا فعلية.
عبد الله بن عبد العزيز آل سعود .. عاهل المملكة العربية السعودية
النفط مرادف للقوة بكل بساطة, ولا أحد يتحكم بكمية أكبر منه أو يتمتع بتأثير أكبر علي سعره من الملك السعودي. فبلده يحتوي علي ربع مخزون العالم من النفط, وفي حين أن منتجين آخرين قد يحاولون رفع الأسعار من خلال تخفيض الإنتاجية, فإن السعودية هي الوحيدة القادرة علي زيادة إنتاجيتها وتخفيض الأسعار. في الوقت الراهن, تقضي سياسة الملك عبد الله بإعادة الاستقرار إلي سوق أدت المضاربة فيها إلي فقدانه السيطرة عليها في منتصف عام .2008 مع تراجع الطلب إلي حد كبير, سيتعين عليه التحرك بسرعة.
آية الله علي خامنئي .. المرشد الأعلي في إيران
يستحسن بصانعي السياسات الغربيين أن يتذكروا لقب خامنئي: المرشد الأعلي. في الجمهورية الإسلامية الإيرانية, يأتي الرؤساء ويرحلون. محمود أحمدي نجاد غير المعتدل ودائم التهجم علي إسرائيل سيكون محظوظا إن فاز بولاية ثانية عام .2009 فخامنئي, الذي يعبر عن مشيئة الرب, هو الذي سيقرر كيفية استغلال إيران لنفوذها الجديد في المنطقة. هل سيبقي علي برنامج إيران النووي وينتقل من نزف الولايات المتحدة في العراق إلي وخزها في أفغانستان؟ ربما. لكنه أيضا الشخصية الإيرانية الوحيدة التي تتمتع بالنفوذ الكافي لإرساء علاقة جديدة مع أمريكا. لا أحد يفوقه أهمية فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
كيم يونج إل .. السكتة الدماغية ربما تكون قد شلت القائد العزيز. لكن هذا أكثر إثارة للقلق
تفيد مصادر كثيرة أن ديكتاتور كوريا الشمالية في وضع سئ بعد إصابته بسكتة دماغية في أغسطس. لكن القائد العزيز لايزال يسيطر علي حفنة من الأسلحة النووية, وترسانة من الصواريخ بعيدة المدي, وجيش قوامه مليون جندي, كل هذا في بقعة من الأرض يجتمع فيها بعض أكبر اقتصادات العالم. ويحذر الخبراء من أن ضعف كيم الجسدي قد يجعله يشعر بأنه مجبر علي إظهار صلابته من خلال تهديده العالم الخارجي. وفي الأسابيع الأخيرة, وضعت بيونج يانج حدا لتقربها من كوريا الجنوبية وعرقلت المفاوضات التي تهدف إلي جعلها تتخلي عن أسلحتها النووية. سواء كان قويا أو ضعيفا, فهو يبقي خطيرا
هيلاري كلينتون/ بيل كلينتون .. الزوجان الأكثر نفوذا في السياسة قد يجدان أن أحداث اليوم تتلاءم مع مهاراتهما
لقد عادا!! بعدما كنا قد ظننا أن آل كلينتون اختفوا عن الساحة تماما مثل رقصة الماكارينا وجون واين بوبيت ـــ ليصبحا من مهملات تسعينيات القرن الماضي ـــ فها هما هيلاري وبيل كلينتون علي وشك دخول حياتنا بقوة من جديد, مع كل ما ينطوي عليه ذلك من حماسة بالنسبة إليهما وإلينا وإلي بقية العالم. علي غرار كبار نجوم السينما, ربما يعودان بأدوار ثانوية رفيعة المستوي قد تظهر مواهبهما بشكل أفضل مما كانت عليه حينما كان إسماهما في الصدارة.
بيل لم يستغل السلم الأمريكي الذي كان قائما قبل 15 عاما
علي أفضل وجه, كانت ردة فعله حذرة
طبعا, لا نعرف بعد المدي الذي ستكون هيلاري فيه مرتاحة في العمل ضمن قيود في منصب وزيرة الخارجية في إدارة باراك أوباما. ولا نعرف إن كان بيل قادرا علي تحسين علاقته المتوترة مع أوباما بما يكفي للوثوق به وتفويضه بالمهام الدبلوماسية الأساسية التي يتوق إليها. ولا نعرف أيضا ما سيكون تأثير هذا الزواج الذي حظي بأكبر اهتمام, عند عودته إلي الساحة العالمية.
لكن لا شك في أن هذا الدور الجديد يتيح لهما فرصة كبيرة. مع انشغال أوباما بالمشاكل الاقتصادية الداخلية, لن يتسني له الوقت الكافي للسفر كثيرا إلي الخارج خلال سنته الأولي في منصبه. ومن نواح عدة, ستقع مسئولية إعادة ترسيخ مكانة أمريكا في العالم علي آل كلنتون. فالزوجان يتمتعان بشعبية واسعة في الخارج لدرجة أنهما حالما يصلان إلي مطار أجنبي, يمكنهما البدء مباشرة بمناقشة المسائل الثنائية ومتعددة الأطراف التي لديهما إلمام كبير بها.
ستكون هيلاري كلينتون وزيرة خارجية واسعة الاطلاع ومجتهدة. فهي لم تقم فقط بزيارة 80 بلدا عندما كانت سيدة أولي وعضو بالكونجرس, بل التقت كل الفرقاء الأساسيين وأصبح لديها إلمام عميق بالتحديات العالمية. وسمعتها كمتشددة عنيدة سوف تسهل عليها المساومة من موقع قوة. خلافا لنظرية توم فريدمان, الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز وغيره, من غير المرجح أن يجد الدبلوماسيون الأجانب نقاط اختلاف كبيرة بين أوباما وكلينتون لاستغلالها. فالفوارق الأساسية بينهما لطالما كانت ضئيلة وسوف تتضاءل أكثر عندما يصبح ##فريق المتنافسين## في إدارة أوباما, مجرد فريق, مثلما حدث في عهد لينكولن. وإذا حصلت خلافات, فقد تضطر للحد من عدائيتها لتتماشي مع فلسفة أوباما ##غير المحبة للدراما##.
أكبر نقطة ضعف محتملة لدي هيلاري أنها لا تحسن دائما الحكم علي الآخرين, وقد برز ذلك عندما أحاطت نفسها بعدد كبير من الخاسرين المتعجرفين خلال حملتها. هذا الفشل في تقييم الناس بشكل صحيح يمكن أن يشكل عائقا مهما خلال أي مفاوضات, وهو مجال لا تتمتع هيلاري بخبرة واسعة فيه. وحتي الآن, لم تظهر أي دلائل علي أنها مفكرة استراتيجية جريئة, مع أن العمل الذي ينتظرها قد لا يتطلب ذلك.
إذا قرر أوباما الاستعانة ببيل كلينتون بشكل جدي, فسيكون أفضل من يحل المشاكل, وربما بمشاركة منافسه القديم, جورج بوش الأب. قد يستعيد الدور الذي لعبه في الشرق الأوسط حتي عام 2000, لكن هذه المرة, العقبة الأساسية للتوصل إلي سلام أن ياسر عرفــات قد توفي. لايزال بيل يعرف كل شوارع القدس, ويعرف كل نقاط الضغط في عملية السلام. وربما يكون قادرا علي دعم القيادة المدنية في باكستان.
نقطة ضعف الرئيس السابق الأساسية أنه ينسي أحيانا أنه رئيس سابق. ولا يعي أن بعض التصرفات لا تليق بشخص في موقعه. بعد تعرضه لضغوط من أوباما, أعلن عن أسماء المتبرعين لبناء مكتبته ولمبادرة كلينتون العالمية (بما فيها 10 ملايين دولار من السعوديين). لكن بعدما كان وعد قبل سنوات بأنه لن يجمع الأموال بعد الآن, وأن لديه ما يكفي من المال لتكريس نفسه للأعمال الخيرية, ذهب إلي ماليزيا في أوائل ديسمبر وتقاضي 200 ألف دولار لإلقاء خطاب. وهو يجادل بشكل غير مقنع بأنه مضطر إلي زيادة ثروته الوافرة لأنه أعطي هيلاري 13 مليون دولار خلال حملتها الانتخابية.
مشكلة بيل كلينتون الكبري أنه غير قادر علي التخلي عن مرارته. في الماضي, كانت هيلاري هي التي لا يمكنها النسيان بسرعة, في حين أن بيل كان شديد التسامح. الآن انقلبت الأدوار. فهيلاري بحسب كل التقارير ملتزمة بالكامل بمسيرة أوباما وتتطلع إلي العمل معه. لكن بعد وقت طويل من انتهاء الحملة الانتخابية, لايزال الرئيس السابق يقول للغرباء إن هيلاري كلينتون كانت ستفوز لو أن بعض الأمور لم تحصل, ولايزال متحفظا بشأن الرئيس المنتخب.
علي الرغم من ذلك, ما من سبب يدعو للافتراض أنه سيحرج أوباما, وإذا فعل, فسيتلقي اتصالا من رئيس موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل يؤنبه فيه. فضلا عن ذلك, فإن هيلاري تعرف أن المعلقين الذين يقولون إنه لا يمكن طردها من منصبها بسبب نفوذها الكبير مخطئون. إذا تم طردها, فإن مستقبلها السياسي سيكون قد انتهي علي الأرجح.
من المرجح أن جهودها ستتكلل بالنجاح. فلدي الزوجين كلينتون فرصة نادرة لإعادة تصويب الأمور في السياسة الخارجية, أو تكرار النجاحات السابقة مثل اتفاقية السلام في أيرلندة. ولأنه لن يكون هناك مسائل أخري تلهيهما هذه المرة, فستتمكن هيل وبيل (انقلب الترتيب الآن) من تركيز طاقاتهما الهائلة علي تحقيق إنجازات دبلوماسية.
الأهم من ذلك أن هيكلية النظام العالمي اليوم قد تكون لمصلحة آل كلينتون أكثر مما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي. في البوسنة خلال ولايته الأولي, لم يستغل بيل السلم الأمريكي الذي كان قائما قبل 15 عاما علي أفضل وجه, وكانت ردة فعله حذرة تليق بقوة من الدرجة الثالثة وليس بعملاق. الآن زال هذا العالم أحادي الأقطاب, وحلت مكانه مجموعة من القوي الناشئة. لطالما كانت قوة الزوجين كلينتون تكمن في قدرتهما علي فهم أدق التفاصيل والدمج بين مسائل غير مترابطة ظاهريا مثل الطاقة ومكافحة الإرهاب والتطور. في نظر جورج دبليو بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد, كانت كل الأمور إما بيضاء أو سوداء. أما الزوجان كلينتون فيميزان بين الفوارق الدقيقة, لذا ينجحان في تحقيق نتائج ملموسة.
لقد بدأت حقبة أوباما, لكن ليس علي حساب آل كلينتون. في لحظة التغيير والإمكانات العالمية هذه, لا أحد يتمتع بفرصة أكبر لتغيير العالم باستثناء الرئيس الجديد. بوجود هذا العدد الكبير من المشاكل التي تتنافس للاستحواذ علي اهتمام الإدارة الجديدة في واشنطن, علي الجميع أن يتأهبوا
نيوزويك