عرف القانون العنف ضد المرأة بأنه كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب النوع, والذي يتسبب في إيذاء أو ألم جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة. ويشمل أيضا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات سواء في الحياة العامة أو الخاصة.
يحتفل العالم في الخامس والعشرين من نوفمبر كل عام باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة منذ عام 1981, والذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1999, وجاء اختيار هذا اليوم إثر اغتيال الأخوات ميرابال الثلاث النشيطات السياسات من جمهورية الدومنيكان بناء علي أوامر الحاكم الديكتاتور رافاييل ترخيو وذلك في 25 نوفمبر عام 1960.
يجيء الاحتفال هذا العام وسط ازدياد العنف والتمييز ضد المرأة في كل الدول بدءا من تعرضها للعنف الأسري والمجتمعي, ومرورا بالعنف الناتج عن الهجرة غير الشرعية, والصراعات والنزاعات والحروب التي تؤدي إلي النزوح واللجوء والإقامة في مخيمات تفتقر لأبسط مظاهر الحياة من توافر مياه نظيفة وأدوية وغذاء, يعيشون تحت قيظ حرارة الصيف وشدة برودة الشتاء وأمطاره, وانتهاء بمواجهة فيروس كورونا الشرس.
كل هذا بجانب ماتتعرض له الأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني من عنف وقهر وتعذيب ومنع الزيارات والأدوية, بجانب تعرض النساء والأطفال والمسنين الفلسطينيين لجرائم الطرد من منازلهم وتدميرها واقتلاع زراعاتهم علي يد العدو الغادر.
كما يجيء الاحتفال هذا العام مع تزايد العنف ضد المرأة في بلدنا وفي منطقتنا العربية نتيجة لاستمرار ثقافة مجتمعية ظلامية رجعية لا تري في المرأة غير الجسد مما يعرض النساء والفتيات للتحرش بكافة أشكاله سواء في الأسرة أو الشارع أوالمدارس والجامعات أو أماكن العمل, ولقد شهدت مصر في الشهور الأخيرة من هذا العام جرائم بشعة بتعرض عدد من الفتيات للقتل علي يد عدد من الشباب في وضح النهار, لمجرد رفض الفتاة الارتباط بالخطبة أو الزواج من الفتي (وهذا حقها).
لذا بادرت لجان المرأة في أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية بالتعاون مع الجبهة الوطنية لنساء مصر وعدد كبير من المنظمات النسائية ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال قضايا المرأة بالتنسيق والعمل معا وعقدت العديد من الندوات وحلقات النقاش والموائد المستديرة حول أهمية بدء مجلس النواب في مناقشة وإصدار قانون شامل وموحد للقضاء علي هذه الظاهرة والتي تكلف الدولة أكثر من عشرة مليارات جنيه سنويا وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
كما أجمعت تلك الحوارات علي مطالبة كل المؤسسات والوزارات المعنية (العدل, والداخلية, والصحة, والثقافة, والإعلام, والأوقاف, والشباب والرياضة, والتضامن الاجتماعي, ووزارات التعليم الأساسي والجامعي) بالتعاون والتنسيق والمشاركة معا لمواجهة العنف والتمييز ضد المرأة, من أجل مجتمع آمن خال من العنف والتمييز والكراهية ومن أجل إرساء دولة القانون والعدل والمساواة.
وانتهت هذه الفاعليات بعدد من التوصيات منها:
إقرار قانون موحد لمكافحة العنف ضد المرأة.
إنشاء مفوضية مستقلة لعدم التمييز وفقا لما جاء في المادة 53 من الدستور المصري.
تفعيل وتنفيذ القوانين والتشريعات و تغليظ العقوبات الخاصة بجرائم العنف ضد المرأة.
توقيع الحكومة المصرية علي الاتفاقية رقم (189) لسنة 2018 الصادرة من منظمة العمل الدولية بشأن (حماية العاملات في المنازل).
توقيع الحكومة المصرية علي الاتفاقية رقم (190) لسنة 2019 الصادرة من منظمة العمل الدولية بشأن (مناهضة العنف في أماكن العمل).
العمل علي إدماج المرأة اقتصاديا في المجتمع, مع ضمان حمايتها اجتماعيا.
سرعة إصدار قانون عادل للأسرة المصرية.
تنفيذ وتفعيل القوانين الخاصة بتجريم عمالة الأطفال والإتجار بالبشر.
تغليظ العقوبات الخاصة بالعنف الأسري والمجتمعي الذي يقع علي كبار المسنين.
تغليظ العقوبات الخاصة بالعنف ضد متحدي الإعاقة.
إدخال قيم التسامح والمواطنة والمساواة وحقوق الإنسان في مناهج التعليم.
نشرالتوعية بمناهضة العنف ضد الفتيات والنساء من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة والمرئية, ومن خلال الدراما والسينما والمسرح.
الاهتمام بنشر التوعية للأسرة باعتبارها الأساس في تنشئة الأطفال علي قيم المساواة وغرس الأخلاق الحميدة.
وقبل أن أنهي المقال لابد من الإشارة إلي أنه قد صدرت في سبتمبر من العام الماضي 2021 الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان, والتي تتضمن بالطبع حقوق المساواة بين الرجل والمرأة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا, هذا بجانب اعتبار عام 2022 عاما للمجتمع المدني, وأخيرا إطلاق الحوار الوطني في أواخر شهر أبريل 2022 بين الدولة, وكافة منظمات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وجمعيات أهلية ومؤسسات حقوقية, حول كل القضايا والأزمات في مصر.
ولقد اعتمد الحوار الوطني في مصر ثلاثة محاور هم المحور السياسي, والمحور الاقتصادي, والمحور المجتمعي الذي يضم عددا من اللجان النوعية منها لجنة قضايا الأسرة والتماسك المجتمعي, والتي نتمني من خلالها أوسع مناقشة حول أولوية مناقشة وإصدارالتشريعات الخاصة بالمرأة ومنها القانون الموحد لمناهضة العنف ضد المرأة والذي تم تقديمه في البرلمان السابق ومازال داخل الأدراج, وأهمية هذا القانون أنه شامل علي مواجهة كافة أشكال العنف ضد المرأة والمتمثلة في العديد من الأشكال (حرمان الفتيات من التعليم والتسرب من التعليم, زواج القاصرات, حرمان المرأة من الميراث, الاعتداء علي المرأة بالضرب والتحرش اللفظي والجنسي والاغتصاب, وختان الإناث, والتمييز بين المرأة والرجل في العمل من حيث الأجر وتوافر فرص العمل), بجانب حرمان المرأة من الوصول لمراكز صنع القرار بما يليق بقدراتها ومساهماتها في بناء المجتمع.
بنحلم بعالم إنساني خال من العنف والقهر, عالم يسوده السلام والعدل والحرية والمساواة.