الثقافة حق بموجب الدستور الذي أجمع عليه الشعب المصري في 2014 بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013, وتنص المادة 48 من الدستور علي التزام الدولة بإتاحة الثقافة لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي, كما تنص المادة 67 علي حرية الإبداع الفني والأدبي مع التزام الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية ابداعاتهم.
لذا لابد من وضع خطة ورؤية بين الوزارات المعنية لمشروع قومي للثقافة المصرية ووضع استراتيجية جديدة للثقافة, وذلك بالتعاون بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني (النقابات والمنظمات والجمعيات الأهلية والمراكز الثقافية), خطة تعتمد علي نشر الفنون في كل ربوع مصر, خطة تشتمل علي آليات التنفيذ ومصادر التمويل.
تلعب المؤسسات الثقافية الحكومية, والخاصة وغير الحكومية دورا فاعلا في ترسيخ الهوية الثقافية والانتماء وتطوير وعي الشباب وفتح جسور الحوار بين الثقافات والحضارات, كما تلعب دورا مهما في دعم وصقل المواهب الأدبية والفنية مع الحفاظ علي التراث الوطني والحفاظ علي الحرف التراثية التي تتميز بها دولتنا المصرية وتساهم في تنميتها مما يصب في زيادة الناتج القومي الإجمالي وفي النمو الاقتصادي.
وفي هذا المقال سأتناول الحديث عن أهمية تطوير الصناعات الثقافية في السينما والدراما التليفزيونية والمسرح.
السينما والدراما التليفزيونية
عند الحديث عن السينما والدراما التليفزيونية نجد أن أول إنتاج سينمائي في مصر كان في بداية القرن العشرين, وأول بث تليفزيوني عام 1960, أي أنه مضي أكثر من قرن علي صناعة السينما, وأكثر من ستين عاما علي الدراما التليفزيونية..
ونجد أن هناك تراجعا في صناعة السينما والدراما لغياب المنافسة في سوق الإنتاج حيث إنه في السنوات الأخيرة نجد سيطرة أجهزة الدولة علي هذه الصناعة. إن سيطرة كيان واحد علي الإنتاج يعني فرض شروطه بالتدخل في الموضوعات وفرض رؤيته الخاصة التي تميل إلي الدعاية والترويج لموضوعات معينة, وترفض التعبير الحر وتفرض رقابة شديدة علي الموضوعات, وأدي هذا أيضا إلي أن المنتجين الذين لهم علاقة بالنجوم وعندهم التمويل الكافي يستحوذون علي نسبة كبيرة من الإنتاج في السينما والدراما التليفزيونية.
السينما
عند الحديث عن السينما لابد أن نشير إلي أن فن السينما من أرقي الأنشطة الثقافية التي تتخاطب بها الشعوب, وهي قوة ناعمة لايستهان بها, وللأسف الشديد لقد تم إهمال الدولة والمجتمع علي مدي سنوات لهذه الصناعة المهمة, والتي كانت تحتل المركز الثاني في قائمة مصادر الدخل للدولة المصرية في يوم من الأيام, وكانت الدولة تقوم بدعم صناعة السينما وتنتج أعمالا مهمة ذات قيمة عالية, وكانت تتنافس مع المؤسسات الخاصة.
وعن دور العرض السينمائي في مصر رصد تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نهاية 2017, تراجعا عنيفا في عدد دور العرض السينمائي علي مستوي الجمهورية بنسة تصل ل 75% حيث تم إغلاق عدد كبير من دور السينما, والموجود حاليا وفقا لإحصاء 2022 عدد قليل جدا لا يتناسب مع تعداد السكان المصري الذي يزيد علي 100 مليون مواطن ومواطنة, وأيضا لا يتناسب مع أهمية الثقافة والوعي لمواجهة الأفكار المتطرفة والإرهاب.
إن عدد دور السينما 69 دار عرض منها 45 بأربع محافظات فقط القاهرة التي تستأثر بـ24 دار عرض يليها الجيزة والإسكندرية ودمياط, ويوجد 9 محافظات يوجد بكل منها دار عرض واحدة, وهناك محافظات لا يوجد بها سينما (البحيرة, وبني سويف, والفيوم, والمنيا, ومرسي مطروح, وقنا, وأسيوط, وسوهاج, وشمال سيناء).
وأشار موقع السينما.كوم إلي تراجع متوسط عدد الأفلام المنتجة سنويا في الفترة 2008 إلي 2021 من 48 فيلما عام 2011 إلي 44 فيلما عام 2017, وبالطبع انخفض في سنوات وباء فيروس كورونا 2020-2021 إلي 28 فيلما, وفي سنوات 2022 ارتفع العدد إلي 33 فيلما وفي هذا العام 2023 وصل عدد الأفلام حتي الآن إلي 22 فيلما.
إن تراجع صناعة السينما في مصر له عدة أسباب منها:
أولا: تركيز الإنتاج في يد عدد محدود جدا من المنتجين.
ثانيا: الدور الذي تقوم به الرقابة علي المصنفات الفنية من خلال موظفين غير متخصصين.
ثالثا: تقلص دور العرض وتركيزها داخل المولات مع قلتها داخل الأحياء المتوسطة والشعبية.
رابعا: عدم قدرة غالبية الشعب المصري وخاصة الطبقة المتوسطة علي الذهاب إلي السينما نتيجة ارتفاع ثمن تذكرة السينما مع ضعف القدرة الشرائية لدي المواطنين نتيجة للغلاء والتضخم وارتفاع الأسعار, ونشير إلي أن ثمن تذكرة السينما في أمريكا والدول الكبري يعادل أقل من الحد الأدني لأجر ساعة عمل, أما في مصر يعادل الحد الأدني لأجر يوم عمل كامل.
الدراما التليفزيونية
وعندما نتناول الدراما التليفزيونية نجد أن متوسط الإنتاج السنوي من 2008 حتي 2011 كان 50 مسلسلا سنويا حيث تم إنتاج 72 مسلسلا في 2009, وتقلص الإنتاج إلي 34 مسلسلا وتذبذب الإنتاج في سنوات 2020 إلي 2023 بمتوسط لم يتعد 60 مسلسلا.
وتوزع الإنتاج مابين دراما اجتماعية والتي استحوذت علي 42% من إجمالي الإنتاج الدرامي, ودراما تاريخية وكوميدية وبوليسية, وكانت الموضوعات تتركز في رجل الشرطة (الشهم المنقذ) أو البلطجي القادم من الطبقة الشعبية والفقر, أو الكومباوندات والشريحة العليا التي تقطنها, ولم يجد غالبية الشعب المصري نفسه أو من يعبر عنه طوال السنوات الأخيرة عدا بضعة مسلسلات تعد علي أصابع اليد الواحدة في السنتين الأخيرتين تعبر عن موضوعات حقيقية.
المسرح
يعتبر المسرح أبوالفنون ومرآة المجتمع, وللمسرح دور مهم في كل العصور في التعبير عن المجتمع وهويته وثقافته بالموسيقي والغناء والرقص والتمثيل, ولعب المسرح المصري بجانب الأفلام السينمائية دورا أساسيا في انتشار الفن المصري في وطننا العربي. وبعد ثورة يوليو 1952, كان للمسرح دور في تأصيل الهوية المصرية وتأصيل التراث والواقعية.
واستمر المسرح المصري (مسرح الدولة, ومسرح القطاع الخاص) في أداء دوره ورسالته الفنية والفكرية والثقافية, حيث ركز مسرح الدولة علي الرسالة الفكرية والفنية والثقافية, وركزمسرح القطاع الخاص في معظمه علي المتعة والفرجة, وبدرجة أقل علي الرسالة الفكرية والثقافية, والرسالتان مطلوبتان ومتكاملتان, ويجب أن يكون هناك تواجد لكليهما.
لذا لابد من تقديم الدعم لمسرح الدولة لتأدية رسالته والعمل علي جذب النجوم الكبار للوقوف علي خشبته, والاهتمام بالدعاية والتسويق للعمل, مع تقديم ما يسمح باستمرار المسرح الخاص الذي أظلمت معظم قاعاته عدا القليل المتبقي.
ومن أجل النهوض بالمسرح والسينما والدراما نطالب بعدد من التوصيات:
دعم حرية الإبداع الأدبي والفني دعما يؤكد حرية التعبير التي أرساها الدستور المصري.
دعم الإنتاج الفني الذي يهدف إلي تأصيل الهوية الثقافية المصرية, دون التدخل في الموضوعات وفرض رقابة شديدة عليها.
إعادة هيكلة الرقابة علي المصنفات الفنية ونقل تبعيتها إلي قطاع الإنتاج الثقافي واقتصار دورها علي منح التصاريح وتحديد التصنيفات العمرية للمشاهدين مع وجود متخصصين في فن السينما للقيام بمهامها.
زيادة ميزانية وزارة الثقافة من أجل الصرف علي الأنشطة الثقافية وخاصة ميزانية الهيئة العامة لقصور الثقافة التي تتواجد في قري ومدن مصر, من أجل تمكينها للقيام بدورها الثقافي والفني التنويري في المسرح والسينما, مع دعم إنشاء مواقع ثقافية جديدة في المحافظات.
إعادة هيكلة ودمج المؤسسات الثقافية المتعددة التابعة لوزارة الثقافة في محاولة لوضع خطط استراتيجية يمكن تفعيلها بجانب حسن استخدام الموارد المادية والبشرية.
العمل علي إقامة دور سينما في الأحياء والمدن والمراكز والقري وإصلاح وترميم دور السينما المغلقة وإعادة فتحها, لتكون مراكز إشعاع فني وثقافي في كل أنحاء مصر التي يعيش فيها أكثر من 100 مليون مواطن.
تخفيض الضريبة علي تذاكر السينما والمسرح سواء لمسرح الدولة أو للقطاع الخاص.
الاهتمام بالدعاية الخاصة بمسارح الدولة لتسويق المنتج الفني وجذب المشاهدين.
التكامل بين مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص فلا يمكن أن يكون أحدهما علي حساب الآخر.
الاهتمام بالمسرح المدرسي والمسرح الجامعي, ومسارح الهواة في الهيئة العامة لقصور الثقافة, ونوادي المسرح ومراكز الشباب, والشركات.
مزيد من التوسع والاهتمام بمسرح الأطفال ومسرح ذوي الاحتياجات الخاصة, والعمل علي إنتاج برامج خاصة بهم في مصر والوطن العربي.