منذ أشهر ثلاثة وبتاريخ 31 يوليو الماضي, كان مقالي في هذا المكان يحمل عنوان: .. ماذا يقول خبراء استراتيجيون والذي أنهيته بهذه العبارة: سوف أوالي بكل اهتمام متابعة مثل هذه الآراء لتقييم الحرب الروسية الأوكرانية حتي لا نكون مغيبين عما تؤول إليه الأحداث وعما يقبل عليه عالمنا.
ومن الواضح أن شرائح الرأي العام التي تستسلم لما تتلقاه من آليات الإعلام الغربي, تظل أسيرة الوجه الواحد للعملة دون الدراية بما ينطوي عليه الوجه الآخر, أما نحن العاملين بحقل الصحافة والإعلام فقد تمرسنا علي كشف الوجه الآخر للعملة بالتدقيق في الحقائق وبتعقب الرأي الآخر وبالشك في المعلومة السائدة حتي يتم التحقق منها أو إثبات عكسها.. وبذلك نستطيع اكتساب درجة من الوعي الصادق بمجريات الأحداث ونقلها إلي قرائنا ومشاهدينا لتكتمل جوانب الواقع وتتضح أبعاد الحقيقة.
اليوم أواصل تسجيل بعض ما يصلني من المواد الحية التي توثق آراء أناس تسبح ضد التيار الرسمي للسياسة والإعلام الأمريكي.. نماذج واتتها الشجاعة للتعبير عن رفضها لما يتم بثه وضخه من جانب ذلك التيار الذي من شأنه تزييف وعي الشعب الأمريكي ـ والعالم عموما ـ فيما يخص مجريات الأحداث التي نحن بصددها:
** ريتشارد هايدن بلاك السيناتور الجمهوري السابق عن ولاية فيرجينيا:
الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلنطي ناتو لا يهمها كم من الأوكرانيين يموت سواء كانوا مدنيين أو نساء أو أطفالا أو حتي جنودا.. ما يهمها أن تستمر في شحن كميات هائلة من الأسلحة إلي الجبهة الأوكرانية.. الأمر الذي جعل أسهم مؤسسة ريثيون لصناعة الصواريخ ومؤسسة نورثروب لصناعة الطائرات العسكرية والصواريخ ترتفع إلي عنان السماء, وجميع هذه الشركات أصبحت متخمة بأرباح هائلة.. لا أعتقد أن هذا المنحي سيغير في نهاية المطاف من نتيجة المعارك الدائرة في أوكرانيا, بل أعتقد أن الروس سوف ينتصرون, فالأوكرانيون في موقف استراتيجي غير ملائم علي الإطلاق.. فإذا نظرنا إلي الطريقة التي بدأ بها الأمر لا يمكن أن نغفل أن الرئيس بوتين قام بجهد هائل لتفادي اللجوء للحرب, ففي ديسمبر 2021تقدم بخطة محددة إلي حلف الناتو في صورة مبادرة سلمية لنزع فتيل الحرب التي كانت ملامحها تتشكل, لأنه في تلك المرحلة كانت أوكرانيا تحشد قواتها لمهاجمة إقليم دونباس واضطرت روسيا لاستباق الهجوم المخطط له من قبل أوكرانيا, ويمكن للمتابع آنذاك أن يري أن روسيا كانت مزمعة أن تقوم بعملية عسكرية خاصة محدودة لدحض نوايا أوكرانيا دون أن يؤدي ذلك إلي وقوع ضحايا أوكرانيين بلا ضرورة, لأن روسيا كانت تنظر إلي الأوكرانيين كإخوة سلافيين, وتريد الحفاظ علي علاقات طيبة معهم, فكانت قواعد الاشتباك لدي الروس شديدة الحذر, ولم يكونوا يريدون خلق عداوة أو كراهية بينهم وبين الأوكرانيين, ولم يتعمدوا التدمير دون هدف.. لم يتعمدوا تدمير شبكات الكهرباء أو المياه أو الجسور, بل حاولوا جاهدين الحفاظ علي البنية التحتية لأوكرانيا بحالة جيدة.. حتي تم استفزاز روسيا من قبل القوات الأوكرانية المدعومة من أمريكا والناتو بضرب بنيتها التحتية, ولم يكن لروسيا الخيار سوي اللجوء إلي الانتقام والتدمير بلا حساب.
** الموسيقار روجر ووترز, أحد مؤسسي فرقة بينك فلويد في لقاء تليفزيوني مع مايكل سميركونيش علي قناة سي. إن. إن ـ أغسطس 2022:
الرئيس بايدن يشعل نار الحرب في أوكرانيا, وهذه جريمة هائلة.. لماذا لا تشجع الولايات المتحدة رئيس أوكرانيازيلينسكي للتفاوض؟.. التاريخ يثبت أن زيلينسكي بعد ما صدق علي اتفاقية مينسك همس أحدهم في أذنه فغير قراره فجأة حول عقد اتفاقية سلام في إقليم دونباس والتي كان من شأنها تعزيز اتفاقية مينسك التي تؤسس للسلام مع جيرانه الروس وتحول دون نشوب الحرب الفظيعة التي نحن بصددها.. إن أي حرب عندما تنشب عليك الرجوع للتاريخ لتحديد الجذور التي أدت إلي اشتعالها, ففي حالتنا يمكننا القول إن الحرب في أوكرانيا بدأت عام 2008 كرد فعل لإصرار حلف الناتو علي الاندفاع نحو الحدود الروسية ناقضا بذلك ما سبق وأن وعد ألا يفعله, عندما قام الرئيس الروسي جورباتشوف بالتفاوض لانسحاب الاتحاد السوفييتي من كامل دول أوروبا الشرقية.. فقد قال جورباتشوف آنذاك: سوف ننسحب بشرط ألا تقتربوا صوب الحدود الروسية أبعد من حدود ألمانيا الشرقية… الآن لماذا نري ما نعايشه منذ ذلك الحين من إصرار أمريكا ودول الناتو علي التقدم الحثيث نحو الحدود الروسية بالسعي لضم دول أوروبا الشرقية, واحدة تلو الأخري إلي المجموعة الأوروبية وبالتالي لحلف الناتو.. حتي وصل الأمر إلي أعتاب الباب الشرقي لروسيا بمحاولة ضم أوكرانيا؟.. لماذا تصر أمريكا وتابعوها الأوروبيون علي استفزاز روسيا؟.. ألا يهتمون بشأن أوكرانيا؟ ـ لماذا يتعمدون إطالة هذه الحرب الآن؟.. هذه الحرب يمكن أن تنتهي شريطة أن يقف الرئيس بايدن ويقرر إنهاءها.. لكن بعد الانقلاب غير الشرعي الذي خططت له الولايات المتحدة عام 2014 والذي بموجبه تمت الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديموقراطيا آنذاك, كان رد الفعل الروسي واضحا تماما بالتحذير من مغبة ذلك ومن التمادي فيه ولكن دون جدوي… والمؤسف أن كل ذلك لا يقال للشعب الأمريكي ولا يتم تدريسه في مدارسنا, كل ما نستمر في قوله وترديده لتزييف وعي شعبنا هو الحديث عن دورنا كمحررين, نخدع شعبنا بالبحث عن دخولنا الحرب العالمية الثانية عقب ضرب اليابانيين للأسطول الأمريكي في بيرل هاربر وما أعقبه من إنزال نورماندي ودحرنا لجيش هتلر, لكننا لا نذكر أن الجيش الروسي كان قد انتصر في هذه الحرب بالفعل قبل ذلك وبعد أن خسر الروس نحو 23 مليون قتيل في سبيل حماية ما تسميه السياسة الغربية حماية الشعوب والحريات وتنسبه لنفسها وحدها!!.. إنني أجد نفسي مرغما علي تذكير أمريكا وتابعيها الأوروبيين, بماذا سيكون رد فعلهم إذا أقدم الصينيون علي وضع صواريخهم النووية في المكسيك وكندا علي أعتاب الولايات المتحدة.. ألستم تدركون حتي الآن ما هو ازدواج المعايير الذي تديرون به السياسة الدولية؟!!
*** هذا جزء من الوجه الآخر للعملة… وإلي المزيد مع متابعة تداعيات الأحداث.