مصر هبة النيل للمصريين, وهبة المصريين للإنسانية. في مطلع التاريخ لاح فجر الضمير الإنساني وتجلي في قلوب أجدادنا العظام, فاتحدت إرادتهم الخيرة وأسسوا أول دولة مركزية ضبطت ونظمت حياة المصريين علي ضفاف النيل, وأبدعوا أروع آيات الحضارة, وتطلعت قلوبهم إلي السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة. مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية, في أرضها شب كليم الله موسي عليه السلام, وتجلي له النور الإلهي وتنزلت عليه الرسالة في طور سينين, وعلي أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها, ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعا عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام. وحين بعث خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام للناس كافة ليتمم مكارم الأخلاق انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام فكنا خير أجناد الأرض جهادا في سبيل الله ونشرنا رسالة الحق وعلوم الدين في العالمين. هذه مصر, وطن نعيش فيه ويعيش فينا.
كل العبارات السابقة وردت في مقدمة الدستور المصري الذي أجمع عليه الشعب في يناير 2014 جاءت لتؤكد علي التسامح والسلام بين البشر جميعا دون تمييز, والذي أكدت عليه المادة 53 من الدستور في باب الحقوق والحريات والواجبات العامة حيث تنص علي المواطنون لدي القانون سواء, وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة, لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوي الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي أو لأي سبب آخر. التمييز والحض علي الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون’. هذه المادة التي جاءت لتؤكد أن البشر سواسية, وتؤكد علي أن الجميع سواء أمام القانون.
وإذا انتقلنا إلي المادة العاشرة من الدستور الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية, وتحرص الدولة علي تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها. المجتمع الكبير هو مجموع هذه الأسر, والأسرة هي الخلية الأولي إذا سلمت سلم الجسد كله, وإذا بنيت بناء قويا ثقافيا ودينيا وعلميا ووطنيا وصحيا أصبح المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا, وأصبحت الدولة حائط صد للتحديات والأزمات التي تحيط ببلدنا علي المستوي المحلي والإقليمي والدولي وخاصة مخططات الدول الرأسمالية المتوحشة الكبري وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعمل علي ترسيخ تبعية الدول العربية لها عن طريق تقسيمها وتفتيتها إلي دويلات صغري يسهل استغلالها ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد, والذي تعتمد علي تأجيج التناحر بين الأعراق والأديان والطوائف في تنفيذه معتمدة علي الجماعات التي تتبني الأفكار المتشددة والمتطرفة والتي تحرض علي الاقتتال بين أفراد الشعب الواحد.
إن مصر مهد الحضارات, والتي عاش شعبها في سلام ووئام وتسامح تقف قوية في وجه هذه الأفكار المتطرفة وفي وجه من يستغل الدين ويتاجر به من أجل مصلحة تلك الجماعات المتأسلمة والتي تعمل علي تمزيق الوطن. من هنا لابد وأن نؤكد علي أهمية التنشئة والتربية السليمة داخل الأسرة للبنين والبنات, تنشئة تقوم علي بث قيم التسامح والمحبة والمساوا\ والاحترام وقبول الآخر. قيم الصدق والأمانة وحب الوطن, وتقوم علي الأخلاق الحميدة وعلي عدم التمييز بين الولد والبنت منذ الصغر في الحقوق والواجبات, تنشئة وتربية دينية سليمة تقوم علي الفهم الصحيح للدين والإيمان بالرسالات السماوية والرسل والأنبياء. تنشئة تقوم علي عدم التمييز بين بنات وأبناء الأسرة مع الآخرين من الجيران والأهل وزملاء وزميلات المدرسة. تنشئة تقوم علي أن الدين يجمع بين العقائد والعبادات والمعاملات. فالصدق والأمانة والتسامح والاهتمام بالجار ومساعدة المحتاج هي المضمون الحقيقي للمعاملات في كل الأديان.
تنشئة وتربية تقوم علي بث روح التنافس الشريف والتفوق والاهتمام بالعمل لأن العمل قيمة, وأن قيمة الأنسان ليست بما يملكه من ثروات ولكن بما يملكه من ثقافة وأخلاق وعلم ومهارات وقدرات إبداعية, وبما يقدمه من عمل يساهم في بناء المجتمع.
قيمة الإنسان في العطاء وإسعاد الآخرين. وإذا كانت الأسرة وفي القلب منها الأم هي التي تتفتح عين الطفل عليها منذ اللحظات الأولي لولادته ويظل ملتصقا بها في جميع مراحل حياته فلهذا عليها دور كبير في تنشئة وتربية الأبناء والبنات. أي أن للمرأة الدور الأساسي في التربية. المرأة (الجدة والخالة والعمة والأخت والأم) لها التأثير الكبير في بناء هذا المجتمع. وإذا كان ‘فاقد الشيء لا يعطيه’ لذا فالاهتمام بالمرأة التي هي أساس الأسرة واجب والتزام علي الدولة مثلما نصت المادة 11 من الدستور حيث قالت ‘تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية….. تلتزم الدولة بحماية المرأة من كل أشكال العنف وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل’. لذا لابد من الاهتمام بتعليم الفتيات ومنع التسرب من التعليم, والاهتمام بمحو أمية المرأة والرجل, فكل هذا يساعد في بناء الأسرة.
وإذا انتقلنا إلي مؤسسات الدولة التي يتعامل معها الطفل حين يخرج إلي المجتمع من الحضانة والمدارس والجامعات ومؤسسات العمل في الإنتاج والخدمات والبحث العلمي, كل ذلك يتطلب منظومة متكاملة من التثقيف والتعليم والتنوير والمعرفة تتعاون معها جميع المؤسسات والوزارات المعنية من تربية وتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الشباب والرياضة بمراكزها ونواديها ووزارة الثقافة بما تشتمل عليه من الهيئة العامة للكتاب, والهيئة العامة لقصور الثقافة التي لها دور كبير في إطلاق إبداعات الأطفال والشباب والمرأة والرجال في كافة المجالات, وخاصة بيوت الثقافة المنتشرة في القري والنجوع لإتاحة توصيل الخدمة الثقافية للجميع. وبجانب دور الإعلام والدراما التلفزيونية والسينمائية في ترسيخ قيم المساواة والمواطنة ودور المؤسسات الدينية في فهم صحيح الدين والرد علي كافة الأفكار المتشددة والمتطرفة, ودورها في حماية حرية الأديان وعدم التمييز بين الأشخاص علي أساس ديني وإعلاء قيم العدل والمساواة. إنها منظومة متكاملة تعمل معا تبدأ من المرأة الأم في الأسرة, وتنتهي بكل مؤسسات الدولة والمجتمع لبناء مصر الدولة المدنية الحديثة, دولة القانون والمواطنة.