عادة ما ينتظر الآباء والأمهات اللحظة التي يسعدان بها….لحظة تقدم شاب لخطبة ابنتهم أو شروع الابن في طلب الزواج من فتاة أعجب بها,ولكن تري ماذا سيكون الحال حينما يدرك الوالدان بأن من يسعي ابنهم للارتباط بها أو من تسعي ابنتهم للارتباط به من ذوي الاحتياجات الخاصة؟!,بالطبع النتيجة واضحة-سينقلب الحال رأسا علي عقب-وبدون تفكير تجد الأسرة تأخذ موقفا ضد أبنائهما وترفض الفكرة من الأساس دون نقاش,متهمين أبناءهم بعدم تقدير المسئولية والاستهانة بالحياة وتضييع المستقبل.
ومن هنا تحدث المشكلة بين مؤيد ومعارض فما الحل؟!,وإلي متي ستبقي نظرة المجتمع هكذا لتلك الفئة التي لا ذنب لها وإلي أي مدي يسمح بالزواج في هذه الحالة؟!.
يقول الدكتور نصيف فهمي أستاذ علم الاجتماع بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان إن ارتباط الشخص المعاق بآخر واحدة من بين مشكلات عدة استحوذت علي اهتمام عدد من المهتمين بشئون هذه الفئة خاصة في مختلف المجتمعات,وبين مؤيد ومعارض لهذه الظاهرة تتباين الآراء ووجهات النظر وتتعدد الحجج والتفسيرات لتبرر موقف الموافقة من عدمه وآباء وأمهات الشباب والفتيات يريدون لأبنائهما زواجا ناحجا اعتقاد منهم بأنه لن يتحقق ذلك النجاح في حالة الزواج من ذوي الاحتياجات الخاصة-أية كانت نوع الإعاقة-بحجة أنهم في حاجة إلي رعاية خاصة من حيث القدرة علي التحمل وطول الأناة والصبر.
ومن هنا يتضح حجم المأساة التي مازال يعاني منها مجتمعنا الشرقي بنظرته الدونية لتلك الفئة,فغالبا ما ينظر إليهم بعين الشفقة والرحمة وكأنهم جاءوا من كوكب آخر,وذلك نتيجة طبيعية في ظل عدم الإيمان بحقوق الإنسان وغياب الوعي الثقافي داخل مجتمعنا,حيث يتعمد بعض الأهالي بإخفاء أبنائهم المعاقين عن الأنظار وكأنهم عار وفضيحة يجب التنصل منها,إلي جانب الاعتقاد السائد بأن ذوي الاحتياجات الخاصة غير قادرين علي ممارسة حياتهم الزوجية – خاصة المعاقات بشكل طبيعي.
ويطرح الدكتور فهمي عدة تساؤلات حول هذه النظرة الدونية فهل من العدل بعد أن قدر للفتاة المعاقة أن تجد حلمها علي الواقع أن يقف المجتمع الشرقي أمامها ويحكم عليها بأنواع معينة من الارتباطات,فإما أن تقبل رجل مسن أو تستسلم للزواج من شخص معاق أيضا.ولماذا نجد أن زواج المعاقات داخل المجتمعات الأخري لا يشوبه أي تحفظ؟!,حيث نجد المرأة المعاقة مرتبطة بزوج طبيعي يعيشان كلاهما في سعادة يكمل بعضهما البعض…
أليست المعاقة امرأة ولها قلب تحب وتأمل في أي يكون لها زوج وأبناء,وأليست هي امرأة تستحق أن نتعامل معها كأنثي كاملة لا ينقصها شيئا.وكذلك الحال بالنسبة للرجل.
يجيب دكتور كمال مغيث-الأستاذ بمركز البحوث التربوية علي تلك التساؤلات: بأنه بالطبع الأمر يحكمه عادات متوراثة خاطئة تنظر للأمور بسطحية دون إدراك أن ذوي الاحتياجات الخاصة مثلهم مثل باقي بني جنسهم أوجدت الفطرة الإنسانية في داخلهم احتياجات فسيولوجية ونفسية واجتماعية عدة تحتاج للإشباع فكيف لا يملكون الحق في أن يحلموا ويتمنوا ويتعلموا أو يتزوجوا ويعيشوا حياة سعيدة؟,فالشخص المعاق سوي,ويتحد مع الشخص السليم في عدد من الصفات فهو شخص يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي-دون النظر لنوع الإعاقة-وهو فرد معطاء داخل مجتمعه وله من الحقوق ما عليه من الواجبات.
وبالتالي رفض الأهل زواج أبنائهم من تلك الفئة هو ظلم وتقصير واضح في حق هؤلاء,فأين مقياس النجاح؟,أليس الدين والأخلاق والاستعداد المتبادل لقبول الآخر المختلف والتناسب في المستوي الثقافي والتعليمي والاجتماعي والإمكانيات المادية اللازمة كافية لإتمام الزواج.
يستطرد الدكتور كمال مغيث حديثه: بأن فكرة زواج الأسوياء من ذوي الأحتياجات الخاصة أفضل من زواج ذوي الاحتياجات الخاصة بعضهم ببعض لما له من فائدة في استكمال أية نقائص لدي الشخص المعاق,ومن ثم بناء حياة زوجية سعيدة-وإن كنت أحبذ فكرة السماح بالزواج من ذوي الاحتياجات الخاصة في بداية الأمر في حدود ضيقة من أحد الأقارب أو الأصدقاء.
وحتي نتغير نظرة المجتمع ونتحرر من قيودها لقبول ما هو غير مألوف وغير معتاد داخل مجتمعنا الشرقي المتشبث بعاداته وتقاليده الصارمة.ولكن وفي ظل ظوابط وشروط معينة كاطلاع الطرف السليم علي حالة المعاق والمعرفة التامة بوضعه وحالته,وهنا تأتي أهمية إجراء الفحص الطبي قبل الزواج للإدراك بنوعية الأمراض الوراثية من عدمه كشرط لنجاح الزواج وعدم إنجاب أطفال مشوهين معاقين.
وعن الحالة النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الشخص المعاق في حالة رفض الزواج يوضح الدكتور سمير عبد الفتاح أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس أنه في حالة وجود علاقة سوية تساهم بشكل كبير في تقليل الإحباطات التي يعاني منها الشخص المعاق,وفي حالة الرفض فقد تؤثر عليه بشكل سلبي نتيجة للتصادم بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه,مما يزيد من ميوله العدوانية تجاه المجتمع ومن حوله.
لذا ينصح الدكتور عبد الفتاح الأهل بضرورة تغيير الأهل لنظرتهم لزواج أبنائهم من هذه الفئة,وأن يقدروا مشاعرهم وأحاسيهم باعتبارهم أبناء لا ذنب لهم فيما قدر لهم,والإدراك بمدي نجاح زواج ذوي الاحتياجات الخاصة من أسوياء أصحاء,طالما أنه يسوده جوا من المحبة وتقدير المسئولية.