هو واحد من رواد العمل الاجتماعي والتنموي في مصر, وضع نصب عينيه الاهتمام بالعمل من أجل الأفضل للوطن, حيث المجتمع والكنيسة علي حد سواء, ومن ذلك أنه اهتم بالعمل المشترك مع المسلمين والمسيحيين دون تفرقة بينهم أو تمييز, ما أسهم في تكوين خبرة مجتمعية عامة, ومن جانب آخر فإن ذلك جعله يرتبط بعلاقات ود ومحبة حقيقية مع كل من عرفه أو تعامل معه عن قرب.
إنه الدكتور القس صموئيل حبيب الذي عاش حياته مؤمنا بمجموعة من القيم الإنسانية, الجميلة والسامية والراقية, مؤمنا بها وداعيا لها, ربما في مقدمتها قيم الحوار والتسامح والإخاء والتعاون والعمل الجماعي المشترك, الإيجابي والبناء.
منذ نحو سبعين عاما, وبينما كانت مصر تعاني هموما ومشكلات اجتماعية متنوعة منها الفقر والجهل والمرض, أسس الدكتور القس صموئيل حبيب الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية, وهي جمعية مصرية أهلية لا تهدف إلي الربح, حيث بدأت عملها في عام 1950م وأشهرت عام 1960م وهي تقوم بخدمة المجتمع ككل, دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو اللون, إذ أن شعارها منذ تأسيسها هو خدمة الإنسان أي إنسان, في هذا الإطار تسعي الهيئة نحو تأكيد قيمة الحياة الإنسانية والارتقاء بنوعيتها, والعمل نحو تحقيق العدالة والمساواة ونشر الفكر المستنير, وتأكيد الأخلاقيات والقيم الإنسانية المشتركة التي تدعو إليها الأديان, مع العناية بالعمل علي ترسيخ مشاعر الولاء والانتماء واحترام التعددية والتنوع وقبول الآخر المختلف, سواء كان هذا الاختلاف في الدين أو في المذهب الديني داخل الدين الواحد أو النوع الاجتماعي أو اللون أو العرق أو الفكر السياسي والانتماء الأيديولوجي, وقد استطاع أن يجذب كثيرين من المثقفين والمفكرين والتنمويين للعمل معه ومشاركته الكثير من مشروعات الهيئة القبطية الإنجيلية, التي أخذت تتوسع وتمتد, داخل البلاد وخارجها أيضا.
ومن بين أبرز أعماله أنه أسس منتدي حوار الثقافات في نحو عام 1992م, الذي يعني علي نحو رئيس ومباشر بدعم وترسيخ ثقافة المواطنة والحوار بين أتباع الثقافات المختلفة علي المستوي المحلي والإقليمي والدولي, من خلال تنظيم اللقاءات والفعاليات المتنوعة عبر أكثر من برنامج, منها ما يتعلق بقادة الثقافة والفكر ومنها ما يتعلق بالدعاة ورجال الدين والإعلاميين والأكاديميين والفاعلين في المجتمع المدني, وقد واصل المنتدي عمله بقيادة الدكتور نبيل أبادير مدير عام الهيئة(1997-2010م), ومازال المنتدي يواصل نشاطه بفاعلية وقوة تحت قيادة الدكتور القس أندريا زكي الرئيس الحالي للهيئة ورئيس الكنيسة الإنجيلية في مصر, والسيدة سميرة لوقا التي تقود فريق عمل نابه ومتميز.
آمن الدكتور القس صموئيل حبيب برسالة الصحافة ودورها في التنمية وتحقيق التغيير, حيث أصدر مجلة رسالة النور في عام 1956م بالقاهرة كمجلة اجتماعية تنموية, لازالت توالي الصدور شهريا إلي اليوم, في صورة ورقية وإلكترونية, كما أنه أصدر العديد من المؤلفات القيمة التي مثلت إضافة حقيقية للمكتبتين المصرية والعربية, بل يمكن القول إن أفكاره مثلت إضافة متميزة للفكر البشري- الإنساني, حيث جاءت أفكارا عصرية, مستنيرة ومنيرة, ومن بين مؤلفاته علي سبيل المثال لا الحصر: كيف تكون موضوعيا؟, كيف تتعامل مع شخصيات صعبة؟, موسوعة الثقافة الجنسية, فن الحوار, بالإضافة إلي مؤلفات أخري عديدة.
إن معرفة حياة هذا الرجل تكشف لنا بجلاء عن تجربة رائدة لشخص رائد ومتميز, أحب شعبه وبلده وحمل همومه, بل إنه ترجم هذا الحب لعمل عظيم بخدمة كل الفئات دون تفرقة بسبب جنس أو دين أو لون أو عرق أو أي انتماء, حيث أستطاع أن يطلق الحب كقوة فعالة لتغيير حياة الناس والسمو بهم والارتقاء بحياتهم.
كان الدكتور القس صموئيل حبيب قد ولد بمدينة الوسطي, التي تتبع محافظة بني سويف بصعيد مصر, في 28 فبراير 1928م, والتحق بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة وتخرج فيها سنة 1950م, وتمت رسامته قسا للخدمات الخاصة بالكنيسة القبطية الإنجيلية في 20 نوفمبر 1951م, وعرف عنه أنه كان شغوفا بالعلم مهتما بتحصيل العلوم واكتساب المعرفة, حيث حصل علي ليسانس العلوم الاجتماعية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة في عام 1952م, ودرس اللغات الشرقية بنفس الجامعة, كما حصل علي درجة معادلة الليسانس في الصحافة من نفس الجامعة, وذهب للولايات المتحدة الأمريكية للتخصص في الصحافة حيث نال درجة الماجستير في مايو 1955م, رأس الكنيسة الإنجيلية في مصر خلال الفترة من سنة 1980م وحتي وفاته.
رحل الدكتور القس صموئيل حبيب عن عالمنا في سنة 1997م عن عمر يناهز نحو سبعين عاما, حيث مثلت سنوات حياته, بشهادة كثيرين من معاصريه, كفاحا طويلا في سبيل التنمية ونشر الفكر المستنير وخدمة أبناء المجتمع المصري بكل تفان وحب.