للأنبا موسي, أسقف الشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية, مكانة خاصة في نفس كل من اقترب منه أو تعامل معه, من الكبار والصغار علي حد سواء, من المسيحيين وغيرهم, من داخل مصر وخارجها, فهو نموذج لرجل الله الأمين الذي يجول في الأرض يصنع خيرا, تعبر عنه الآية التي قالها متي الإنجيلي عن السيد المسيح قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ, ففي كلماته ومقالاته, ومؤلفاته وعظاته, تستطيع أن تشعر بحضور الله والتلامس معه عن قرب.
والجدير بالذكر أنه في 25 مايو المقبل يحتفل الشباب المصري المسيحي بمرور أربعين عاما علي تأسيس أسقفية الشباب (1980-2020م), حيث أسسها قداسة البابا شنوده الثالث (1971-2012م), ورسم الأنبا موسي أسقفا عاما للشباب, وكان برتبة خوري أبسكوبوس مساعد أسقف يخدم مع نيافة الحبر الجليل الأنبا أثناسيوس أسقف بني سويف, ذلك الرجل العظيم الذي عرف باهتماماته الرعوية وأفكاره التنموية.
وهكذا يحتفل الشباب أيضا في 25 مايو 2020م ببلوغ أسقفهم المحبوب أربعين عاما في الأسقفية, قضاها أسقفا صالحا وأمينا, عالما معلما وعظيما متواضعا, محبا للكل ومحبوبا من الكل, يدعم ويسند, يبارك ويشجع كل ما يبني الكنيسة وينهض بالوطن ويحقق السلام للعالم أجمع.
أربعون عاما هي عمر أسقفية الشباب, وأربعون عاما أسقفا للشباب, هي مناسبة طيبة للإبحار في عقل وفكر نيافة الأنبا موسي, الذي خدم وأعطي وعلم أولاده الكثير من القيم الإنسانية والأفكار الإيجابية, خاصة أن لنيافته عظات كثيرة, وكتبا ومؤلفات عديدة, حيث يصدر كتبا سنوية في عيدي الميلاد والقيامة, بخلاف كتب في موضوعات كثيرة تهتم بتناول قضايا الشباب ومشكلاتهم, كما أن له العديد من المقالات في عدد من الصحف منها جريدة الأهرام, كما أنه يكتب بانتظام صباح يوم الأحد من كل أسبوع في جريدتي وطني والمصري اليوم, وهو يقدم برنامجا أسبوعيا عنوانه شباب علي طول في قناة سي تي في, ومن الموضوعات المهمة التي تناولها, في عظاته ومؤلفاته, الشباب وتكوين أسرة -الشباب وتحديات المستقبل- الشخصية المتكاملة- قضايا طبية معاصرة- كيف نتحدث إلي الشباب؟ ويتميز الأنبا موسي بأنه واعظ متميز, حيث يقدم عظاته بطريقة جذابة وشائقة, تجذب كثيرين لسماعه دون الشعور بفتور أو ملل من كلماته التي تحمل خبرات روحية عميقة وثقافة إنسانية واسعة.
اهتم نيافة الأنبا موسي بتثقيف الشباب والارتقاء بهم في مختلف المجالات الكنسية والعامة, وحثهم علي الانتماء للوطن والإبداع في التفكير عند التعامل مع مختلف المشكلات والأزمات, فقد أسس خدمة المجموعات المتخصصة بأسقفية الشباب, ومنها: مجموعة الحياة الكنسية ومجموعة المشاركة الوطنية ومجموعة التنمية الثقافية ومجموعة التنمية الاقتصادية, وغيرها, وهي مجموعات متخصصة في قضاياها وموضوعاتها, يحاضر فيها متخصصون, من المسيحيين والمسلمين علي السواء, وقد نظم الأنبا موسي وشارك في حضور العديد من الندوات والمؤتمرات الخاصة بالشباب داخل مصر وخارجها, وهو يهتم بتنظيم زيارات رعوية للشباب في إيبارشيات مصر, بالإضافة إلي افتقادهم بالخارج.
يري نيافة الأنبا موسي أن للإنسان مجموعة من دوائر الانتماء, حيث: الأسرة- الكنيسة- المجتمع/ الوطن- العالم الإنساني, وهو كثيرا ما يحث الشباب علي حب الوطن والانتماء إليه, والانضمام لعضوية الأحزاب السياسية, والمشاركة في الانتخابات دون توجيههم في اتجاه بعينه, وأن ينشطوا في الجمعيات الأهلية ومؤسساتها, وغيرها من قنوات المشاركة في مجالات العمل العام, حيث يرفض بشكل قاطع انعزال الشباب القبطي عن المجال العام, ويحثهم علي الحضور والاندماج مع غيرهم من شركاء الوطن, وهو دائما ما يردد مقولته الشهيرة: زامل الكل وصادق من يبنيك, ويطالب الشباب بالمرونة القوية, وهكذا استطاع نيافة الأنبا موسي أن يخرج بشباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلي رحاب الوطن الواسع.
ويؤمن نيافة الأنبا موسي بثقافة الحوار, مع المختلفين في المذهب الديني داخل الدين الواحد, ومع المختلفين أيضا في الدين, ومن ذلك أن نيافته يشجع الحوار المسكوني, كما أنه يرعي صالون المشاركة الوطنية الذي ينظم لقاء شهريا بمقر أسقفية الشباب بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية, ويحضره كثير من رموز الثقافة والفكر في الوطن, من مختلف التيارات والانتماءات الأيديولوجية, إيمانا منه بوطن واحد ومصير مشترك.
لنيافة الأنبا موسي مواقف وطنية كثيرة, ومن ذلك تأييده لدور الشباب في ثورة 25 يناير 2011م, منذ الأيام الأولي لاندلاعها, وله مقالتان شهيرتان نشرهما في جريدتي المصري اليوم والشروق هما: تسونامي الشباب المصري ومصر تولد من جديد, كما كان من مؤيدي ثورة 30 يونية 2013م, انطلاقا من إيمانه بضرورة حضور كافة تيارات المجتمع المصري في المشهد الوطني, ورفضه لاستئثار أحد التيارات بالعمل العام.
كان من الطبيعي أن يرتبط نيافة الأنبا موسي بعلاقات طيبة وصداقة قوية مع الكثير من رموز الوطن, من المثقفين والمفكرين, بالإضافة إلي الكثير من مسئولي الدولة, الذين يجلونه كثيرا ويقدرون حكمته في مختلف المواقف, بعيدا عن الاصطدام والعنف والتعصب أو التشدد.
يتميز الأنبا موسي بأنه محبوب من قطاعات كبيرة من الشباب, فهو يقدرهم ويشجعهم ويهتم بمستقبلهم, وأتذكر هنا أن قداسة البابا شنودة الثالث قال في أحد احتفالات أسقفية الشباب: كنيسة بلا شباب هي كنيسة بلا مستقبل, وكان تعليق نيافة الأنبا موسي أن شباب بلا كنيسة هم أيضا شباب بلا مستقبل, ويأتي ذلك من منطلق إيمانه بأن الشخصية المتكاملة تنجح في مختلف جوانبها وعلاقاتها: الروحية والاجتماعية والثقافية والنفسية والعقلية, مؤمنا بما قاله الإنجيل عن السيد المسيح: وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس.
والواقع أن الاهتمام بالشباب هو اهتمام أصيل في الكنيسة القبطية, بدأه الآباء الأولون, ويواصله اليوم قداسة البابا تواضروس الثاني, الذي يهتم بالشباب وخدمتهم ورعايتهم باعتبارهم نواة الكنيسة وكل المستقبل.
إنني أطلب من الله أن يمنح نيافة الأنبا موسي الصحة والعافية والمزيد من العمر ليستمر عطاؤه وتستمر خدمته الجليلة.. فيتجدد مثل النسر شبابك.