تعزيز مفاهيم المواطنة وإعمالها في الواقع هدف ينشده مجتمعنا وتسعي الجماعة المستنيرة لتحقيقه ومن أبرز الملفات التي تمثل تحديا حقيقيا لإدراك المواطنة ومصداقيتها ملف مواطنة الأقباط بكل ما يعنيه ذلك من هموم ومشاكل بعضها مزمن وأيضا بكل ما يواجهه ذلك الملف من تيارات وأفكار سلفية متعصبة.. وحول هذا الملف وهمومه وسبل التعامل الإيجابي معه كان المؤتمر الذي عقده مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية مؤخرا بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية.
المواطنة جزء من تنظيم المصالح داخل المجتمع فإذا ما كانت المواطنة منقوصة يتهدم المجتمع, وتنهار مصالح الجماعة التي تقوم أساسا علي التعايش هكذا بدأ الدكتور سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية حيث عرض رؤيته موضحا أن وجود صدام بين المواطنة والشريعة, وبالتالي بين مواطنة المسيحي والمسلم يؤدي إلي تفتيت الجماعة الوطنية. فلا يمكن تطبيق رؤية إسلامية الشريعة بما يضر بصالح الجماعة متكاملة, فالبشر يبنون مستقبلهم علي أساس وحدة مصالحهم.
سمير مرقص رئيس مجلس أمناء مؤسسة المصري للمواطنة والحوار قال: عندما أجريت التعديلات الدستورية لم يتم المساس بالمادة الثانية بينما دار حولها سجال كبير لم يحدث مثله في فترات سابقة فدستور 1923 مثلا كان لحظة تاريخية جمعت المصريين بلا تمييز رغم وجود نص دين الدولة الإسلام ولم تحدث مشاكل آنذاك وفي عام 1971 كان الدستور حسب أقوال الفقهاء دستور ولي الأمر. إذ قرر الولي أن يؤسس دستورا جديدا بشكل إقصائي جاء في إطار خطة صراع سياسي بين النظام الجديد وعلاقته بالنظام القديم, وتم إقصاء كافة القوي عند تعديل هذا الدستور.
مما سبق يتضح أن التطبيق علي أرض الواقع يرجع لطبيعة السلطة السياسية هل تتبع نظام الاستبعاد وتصنف الناس حسب العقيدة أم أنها تجمع, فالذهنية هي التي حكمت نص دستور 1923 الدين لله والوطن للجميع بينما ما حكم دستور 1971 واستمر هو الدين للسياسة فأحدث وجودا للخطاب العلماني لدي الأقباط للمطالبة بتعديل المادة 2 وكرس لذلك اشتعال المناخ الطائفي.
ثورة 1919 لحمة
تم التعامل مع الأقباط كجالية مصرية منذ الفتح الإسلامي هذا ما قاله الكاتب جمال أسعد عبدالملاك مشيرا إلي أن الأقباط دفعوا الجزية ولم تكن هناك مواطنة نهائيا حتي ثورة1919 أما هذه الثورة فصنعت لحمة في المجتمع بين المسلمين والمسيحيين إذ كانت أبسط الأمور قبلها علي سبيل المثال عندما يتم استخراج تصريح دفن الموتي يكون النص: يصرح بدفن الكافر ابن الكافر الزنديق ابن الزنديق.. أما الآن فالوضع أفضل إذ لا يوجد تمايز حقيقي باستثناء المادة 2. لذلك يجب المطالبة بنقلة نوعية لا تتعلق بالنظام السياسي.
مشكلة الأقباط موضة مستباحة
نبيل عبدالفتاح الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أوضح أن النظام لم يستطع استيعاب المطالب الاجتماعية والسياسية المرتبطة بوجود الأقباط, كما توجد حقوق للأقباط تقف أمامها عقبات قانونية وثقافية وسلطوية, والمادة 2 تنطوي علي غموض يعلمه فقهاء القانون الدستوري فهل المقصود المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية أم بعضها وهكذا نجد أن المواطنة منقوصة للأقباط مما أفرز مناخا معززا لتلك المشكلة وأصبح الكلام الذي يمس الجروح موضة يجب أن تنتبه إليها النخبة المستنيرة.
ملامح الطائفية الجديدة في مصر
تحدث الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية عن ملامح الطائفية الجديدة في مصر قائلا: ما يمكن وصفه بالطائفية الجديدة ظهر في أعقاب جريمة الكشح في 1 يناير سنة 2000 فكانت البداية والإنذار الأقوي الذي دل علي وجود خلل ما أصب العلاقة بين المواطنين المسلمين والأقباط. وأن المعالجة الأمنية التي نجحت في حصار الجماعات الإرهابية واستهدفت العلمانيين ورموز النظام والأبرياء من المسلمين والأقباط ستعجز عن التعامل مع المرحلة الجديدة لأن العنف الذي مارسته عناصر هذه الجماعات انتقل من التنظيمات المتطرفة إلي الشارع المتطرف.
وتحولت الدولة إلي كيان يعيش علي الموائمات البعيدة عن القيم وقواعد دولة القانون القائمة علي العدالة وعدم التمييز بين المواطنين, وأصبح مطلوبا من الحكم الحالي حل مشكلة الطائفية, التي لا يمكن أن تجد حلولا حقيقية في ظل إيقاع الحكم الحالي شديد البطء محدود الكفاءة, وهذا أمر لا يستقيم مع القناعة الحقيقية بأن الأقباط مواطنين في وطن يعيش فيه المسيحيون مع المسلمين تحت مظلة واحدة.
الحركات الإسلامية والأقباط
وعن الحركات الإسلامية وموقفها من مواطنة الأقباط تحدث الباحث سامح فوزي قائلا: الإخوان المسلمون هم الجسم الرئيسي للحركات الإسلامية, ويحوي بداخله رؤي واتجاهات يمكن تصنيفها بين يسار ووسط ويمين وفق موقعها الاجتهادي وقدرتها علي التجديد.
أحيانا تعكس كتاباتهم تمسكا بمفهوم الذمة سواء بشكل صريح أو مستبطن, كما ينادون بأن يكون الوطن والحكومة والفرد مسلما, ولهم مشروع إسلامي للدولة والمجتمع بكل مشتملاته.
من هنا تأتي قضية المواطنة في قلب الحديث عن إسلامية الدولة في أدبيات الإخوان المسلمين حيث تسمو رابطة العقيدة علي رابطة الوطن فيسيرون علي النهج الذي أرساه الإمام حسن البنا إن الإخوان المسلمون يرون الناس بالنسبة لهم قسمين: قسم أعتقد ما أعتقدوه من دين الله وكتابه وآمن ببعثة رسوله وما جاء به, وهؤلاء تربطنا بهم أقدس الروابط, رابطة العقيدة وهي عندنا أقدس من رابطة الدم والأرض, فهؤلاء هم قومنا الأقربون الذين نحن إليهم ونعمل في سبيلهم ونذود عن حماهم ونفتديهم بالنفس والمال في أي أرض كانوا ومن أية سلالة انحدروا – انتهي نص كلام البنا -.
يتعارض مع هذا الطرح نموذج الدولة القومية الذي يستند لرابطة الأرض وليس العقيدة, ويجعل من المواطنة أساسا لتولي المواقع العامة, وخيار الأقباط هو المواطنة في دولة قومية دون أن ينكروا علي الأغلبية المسلمة حقها في أن يكون لها صياغات قانونية وثقافية تعبر عن هويتها وثقافتها وتراثها الحضاري. إذا السؤال كيف يحدث ذلك؟ هذا ما لم يقترب منه الإخوان المسلمون. بل في واقع الأمر ذهبوا إلي الاتجاه المعاكس, فمثلا في قضية الولاية الكبري – أي رئاسة الجمهورية ووصل بهم الأمر إلي التشكيك في أهلية القبطي إذا تولي علي المسلم كيف إذا تتحقق الموطنة؟
تلك كانت أهم القضايا التي تعرض لها مؤتمر مواطنة الأقباط أمام تحديات جديدة والتي خلصت إلي أن المناخ العام والذهنية التي تحكم المجتمع والكثير من قطاعاته حاليا لديها استعداد قوي للتمييز والفرز علي أساس طائفي. وهو ما يستوجب من كل التيارات والأحزاب والجماعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومفكري الاستنارة بذل المزيد من الجهد والعمل الجاد لتثبيت مفاهيم وممارسات المواطنة باعتبارها المدخل الأساسي لتحديث وتنيمة المجتمع المصري.