سنتناول معا موضوع الصلاة من عدة جوانب لأنها ضرورية بمسيرتنا الإيمانية ودعوتنا للقداسة, مثل الخبز اليومي, تساهم في تقديسنا وتساعدنا بحياتنا الروحية, تفتح حياة كل مؤمن ومؤمنة علي نعم الرب الكثيرة,فالرب يسوع يقول في إنجيل يوحنا:بدوني لا تستطيعون أن تعملوا الصلاة تبعث فينا الرجاء وتزرع في قلوبنا السلام الحقيقي.
في هذه الأيام الصعبة التي نعيشها في العالم وفي الشرق, أمام الأزمات والكوارث والمشاكل والصعوبات, نري حالنا في كثير من الأوقات أمام حائط مسدود,أفق مغلق, وحالة من اليأس والقنوط بالرغم من تعلقنا بالله, إن كان علي الصعيد الفردي أو الجماعي. ولكن مصائب الكون والشعوب في بحر هذا العالم الهائج تجعلنا نصرخ بحالة من الخوف والذعر, ولكن ضمن هذا الخوف ثقة بيسوع المسيح النائم بالسفينة إنما حاضر فينا ومعنا.
نصرح إليه ونقول بوضعية إيمان وثقة وصلاة: أما تبالي إننا نغرق؟ خلصنا.. دعنا يارب نراك بحقيقتك مثل ما رآك تلاميذك بقدرتك وقوتك وعظمتك , تأمر الرياح لتسكت فتسكت!أنت سيد الطبيعة والوجود.
إخوتي وأخواتي الأحباء, الصلاة هي سلاح قوي لكل مؤمن ومؤمنة وسط تحديات هذا العالم, وهي قوة لا تقهر, تسحق الشر والعدو وتساعدنا لكي نتغلب علي التجارب, وتنجينا منها, هذا الذي أوصانا إياه المعلم الإلهي بأيام حياته علي الأرض: اسهروا وصلوا لئلا تقعوا في التجربة, الصلاة هي صلة: صلة بيني وبين الله, هي لقاء حميم مع الرب يتخلله حوار, واحد يتكلم والآخر يسمع, هي لقاء بين عطش الله وعطشنا بحسب اختبار القديس أغسطينوس.
الرب يتكلم وأنا أسمع! أنا أتكلم والرب يسمع! هو يحبني,يصادقني,يصغي إلي أنا الذي يتوجه إليه ويصرخ.. يقول صاحب المزامير أصغ لصوتي حين أصرخ إليك, لتقم صلاتي كالبخور أمامك ورفع يدي كتقدمة المساء, بأكثر من مكان بالكتاب المقدس نري صراخ وأنين المؤمن الذي يلجأ للرب ويصرخ بأعلي صوته حتي ينقذه الرب أو يخلصه أو يشفيه أو يحرره أو يذلل الصعوبات والأزمات.
الصلاة هي أيضا إصغاء تام لصوت الرب, لكلمته, لهمساته, من هنا الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد هو مادة جوهرية لصلاتي بكل أنواعها وأبعادها, نذكر علي سبيل المثال تقنية القراءة الإلهية Lectio Divina التي تساعدنا علي الصلاة والتأمل لكلمة الله وبالتالي نكون في معية الله, بتعبير آخر نقول مع النبي صموئيل:تكلم يارب فإن عبدك سامع الصلاة ليست حوار مع الذات بل هي حوارا مع الرب بكل ما يتطلبه الحوار من أصول وتقنية, بوعي تام لحضور الرب الجميل, العذب,الرهيب,وهكذا المؤمن يشعر بسلام داخلي عميق ينبع من مصدر السلام الذي يملأ القلب والعقل والضمير والإرادة.
الصلاة هي أن أضع بين يدي الرب, أفتح له قلبي, أسلم ذاتي بكليتها بكل ضعفها وقوتها بهواجسها وهمومها, بشجونها, بشكرها وبطلباتها,بآلامها, بسقوطها, ونجاحاتها,أضع ذاتي أمام الرب بجرأة وبدون خوف, تحت نظر الرب وأنواره, وأن أتأمل مع الطوباوي أسطفان نعمة: الرب يراني,أسلم نفسي إليه بكل طواعيه,أضع نفسي بين يدي الرب بدالة الابن المحبوب من الآب كما هو,فالصلاة هي القناة التي تستمد منها النعم الغزيرة من الله, تقول القديسة فوستينا:كل نعمة تأتي من الصلاة, النبي موسي بالعهد القديم يعطي أجمل مثل عن ماهية الصلاة, فتحت وطأة المسئولية الكبيرة التي ألقيت علي كاهله,يقول سفر العدد:عندما دخل موسي إلي خيمة الاجتماع ليتكلم مع الرب سمع الصوت يخاطبه من علي الغطاء الذي فوق تابوت الشهادة من بين الكروبين فكلمة(عدد7:9).
بالبداية سمع الصوت الذي يكلمه من فوق الغطاء وبعد ذلك كلمه, سمع وبعد ذلك تكلم, فكان الرب يكلم موسي وجها لوجه كما يكلم الإنسان صديقه, (خر33 :11), فموسي هو كليم الله,أما المسيحي فهو كذلك بحيثية أكبر: يتكلم مع الله ليس فقط كصديق بل أيضا كأب, والروح يصرخ فيهأبا أيها الآب! قال يسوع : متي صليتم قولوا:أبانا الذي في السماوات, لتكن مشيئتك, من يسأل ينل, ومن يطلب يجد, ومن يقرع يفتح له, فإن كنتم أنتم الأشرار تحسنون العطاء لأبنائكم,فما أحري أباكم الذي في السماوات لكي يحسن العطاء للذين يسألونه ,هنالك أيضا عامل الإيمان والثقة بحضرة الله الثالوث من دون تردد, وبحرية كاملة مطلقة.فأساس كل هذه الأمور هو الإيمان بمحبة الله وقدرته ومشيئته, والنقطة الأساسية من جهتنا أن نطلب منه ما نريد,ما هي إرادتنا, ماهي رغبتنا,ولكن نحن حين نضع أمامه طلباتنا وحاجاتنا في نفس الوقت نسلم أمرنا لحكمته وصلاحه التي هي أكبر بكثير من أفكارنا.
نتوجه بالصلاة لله غير المرئي ولكنه حاضر, وبقدرته وحكمته اللامحدودتين, هو يحبنا ويهتم بنا وبمشاكلنا وأزماتنا,يقول القديس يعقوب في رسالته الفصل الرابع الآية2:إنكم لا تمتلكون ما تريدونه لأنكم لا تطلبونه من الله (يعقوب 4:2).
يارب أضع ذاتي أمامك, بخطيتي,بضعفي,بهفواتي,بعدم أمانتي, فاغفر لي عن كل مرة أسأت إليك بالفكر أو بالقول و بالفعل, وألتمس منك النعمة التي تقويني وتخلقني من جديد مع القديس بولس أقولإني قوي بالذي يقويني آمين.