*الأطفال هم من اختاروا الشاروني فقرر أن يترك عمله كرئيس محكمة ويتفرع للأدب والكتابة
*الفنان أحمد عبد النعيم صديق والدي ورفيقه 30عاما ورسم له أغلفة بعض الكتب وقدم له كتاب في محبة الشاروني
*جائزة الإيبي عن كتابليلة النار هي الأقرب إلي قلبه
*وصية يعقوب الشاروني قبل رحيله استكمال بفية الكتب التي لم ينته من كتابتها لنشرها
تأخذنا أعمال الأدباء والمفكرين الذين نعتز بهم إلي عوالم مختلفة من الإبداع والخيال…نعيش مع شخصيات قصصهم بكل تفاصيلها ورحلتها..عرفنا الكاتب الراحل رائد أدب الأطفاليعقوب الشاروني من خلال مؤلفاته التي تقدر بالمئات ومقالاته التي تزيد علي 20ألف مقالة…كان واحدا من أنجح وأشهر الكتاب والرواة وصاحب العديد من الجوائز الدولية والعالمية.
ترجمت أعماله لأكثر من35لغة, لم نكن علي دراية واسعة بالجانب الآخر من يعقوب الشاروني…الجانب الإنساني, من هو الشاروني الأب والزوج والأخ والجد؟ من هو الشاروني الإنسان؟ مايحزنه ومايفرحه؟ لذلك تكريما لكاتبنا العظيم قررنا الغوص داخل هذا الجانب الخفي من حياته وتقابلنا مع ابنته الدكتورةهالة الشاروني لتفتح لنا صندوق الذكريات, وكان لنا معها هذا الحوار الدافئ.
*عرف يعقوب الشاروني ككاتب وأديب فقط, حدثينا عن الشاروني الأب والزوج…
**والدي كان زوجا رائعا يدلل والدتي ودائما يحتضنها….حب والدي لم يكن بالكلام,بل كان بالأفعال لا أستطيع الوصف كيف تعلمنا منه أن يكون زواجنا ناجحا فقد كان يحتوي والدتي جدا, وكانا مرتبطين ببعضهما ارتباطا شديدا حتي أنها كانت تساعده في عمله لأنها تميزت بحسن الخط, فكان يمليها وهي تكتب له المقالات بخطها قبل توفر أجهزة الكمبيوتر, مما جعلها تشاركه في كل أعماله رغم أنها معلمة لغة إنجليزية.
كان دائما يجلس للكتابة علي المائدةترابيزة السفرة فيودعنا صباحا ويستقبلنا أثناء عودتنا, كان دائما مشجعا لنا, يشعر بكل واحد منا(أنا وأخي) عند وجود أي مشكلة أو سعادتنا بموقف ناجح في الخارج.
عند دخول أي منا كان يترك قلمه ويجلس معنا مباشرة لمعرفة كيفية مرور يومنا, وكثيرا ما كان يستمع إلينا ويتحاور معنا في حل مشكلاتنا ويصبح همه الأساسي أن نصل معه إلي راحة الذهن والعقل.
اكتشفت أنه كان يجلس قاصدا في هذا المكان في بيتنا الصغير حتي لا يعطي لنا فرصة أن نعيش في قلق ولو لحظة واحدة من دخولنا البيت أو نعيش لحظات سعادة دون مشاركته لنا, كان حريصا علي التشجيع للتخلص من المحن والأزمات وكذلك التشجيع عندما ننجح في أحد الأمور, وأحيانا يكون تشجيعه عمليا لحل مشكلة قد تكون متعلقة بالمواد الدراسية فيبحث معنا عن طريقة لفهم المادة المستعصية علينا… المهم في هذا كله أن يصل معنا إلي الراحة النفسية والذهنية في كل الأمور… هذا هو يعقوب الشاروني الأب والزوج.
*كيف كان الوالد يشجعك في عملك؟
**والدي صديق حنون كان يستمع إلي أمنياتنا ويحاول تحقيقها بأي طريقه وخاصة إذا كانت إحدي رغباتنا متعلقة بالتعليم أو أخذ الخبرات أو إتقان إحدي المهارات,فكان يضع مثل هذه الأمور نصب عينيه ليحققها لنا..كان يناقشنا في أثناء دراستنا للأمنيات, فمثلا كنت أعشق التصوير الفوتوغرافي وعرفت من أحد أصدقائنا أنه يوحد مصري يقدم كورس تصوير فوتوغرافي وسلايدز (شرائح فانوس سحري) وفيديو في إنجلترا لمدة3 شهور وعندنا أخبرته أني أتمني أن أسافر لتعلم التصوير قال لي في حماس:اعرفي التفاصيل وأخبريني وبعدها فوجئت بتذكرة الطيران والحجز وأخذت الفيزا وسافرت لمدة ثلاثة أشهر لتعلم التصوير.
في مرة أخري علمت أنه يوجد في فلوريدا بأمريكا مؤتمر لمدة ثلاثة أيام عن:كيف تكون محاضرا مرحا وناجحا فطلبت من والدي المشاركة في هذا المؤتمر المهم بخاصة أني أقيم مؤتمرات داخل وخارج مصر تكون مدتها ما بين 3و7 أيام وبهذا أكون محاضرا واحدا لمدة طويلة مع الحاضرين. وفي حماس منقطع النظير حجز لي والدي بهذا المؤتمر والسفر وسافرت لمدة أسبوع حضرت فعالياته وأنشطته المفيدة وبعدها عشت أنا ووالدي 6شهور في تدريب مكثف معا عن كيف نكون محاضرين ناجحين ومرحين.
من هنا أحب أن يعرف الجميع أن والدي لم يكن أبا لنا فقط إنما كان عاشقا للتعليم والتعلم وعندما يطلب أي منا برنامجا للتعليم كان ينفذه فورا وفي حياتي لم أشعر أبدا أنه أب أو والد أنما طوال حياتي أشعر أنه صديق ورفيق أمين معنا في تحقيق رغباتنا, وليست معني ذلك أنه لايعترض علي بعض الأمور التي ليس فيها مصلحة إيجابية بل كان لايرفض ولا يعترض ولكن يقوم بتوضيح السلبيات والإيجابيات بهدوء ودون انفعال, فنراجع قرراتنا,وفي أغلب الأحيان نقوم بإلغاء القرارات غير الصائبة عن اقتناع وليس عن أوامر متشددة من الوالد أو الوالدة.
*ما هي علاقته بأحفاده؟
**أبنائي أصدقاء لوالدي يحبونه جدا ويتناقشون معه في كل صغيرة وكبيرة وكثيرا ما كان والدي يسألهم عن التكنولوجيا الحديثة(الكمبيوتر والمحمول) ليتعلم منهم الكثير من الخبرات والمعلومات, لما لديهم من خبرة أكثر منا بكثير في هذه الأمور. كان والدي ووالدتي يسافران إلي أمريكا مرتين أو ثلاث مرات كل سنة ليستمتعا بأبناء أخي وليقوما معهما بزيارة المتاحف والأماكن السياحية هناك, وليقرأ معهما كثيرا من الكتب وعمل حوارات مختلفة معهما, فقد كان مهتما جدا بثقافة أحفاده في أي مكان في العالم.
تعلمت من علاقته بأحفاده كيف أن انفعال الآباء والأمهات علي الأطفال وقت الخطأ يعطل من إبداعاتهم …كان والدي مشجعا ودافعا قويا لأحفاده فكان أولادي يحبونه جدا ويتجهون إليه ويستشيرونه في كل شيء أكثر مني فكان له أسلوب مشجع.
* كيف كانت علاقة أستاذ يعقوب بشقيقه الراحل يوسف الشاروني؟
** علاقة والدي بأخيه يوسف علاقة وثيقة, فكان عمي يمتلك مكتبة ضخمة في منزله, والدي يحب القراءة جدا وعمي يوسف كان لديه أصدقاء من الأدباء والصحفيين, وكان والدي تلتقي معهم في بيته فتعلم كيف يختار الكتب وكيف يقرأ, فأخذ خبرات كثيرة من قراءات كتب عمي يوسف, وكان دائما يقول إن مكتبة أخي يوسف أتاحت لي فرصة كبيرة لقراءة الكثير من الكتب, وكان والدي يتكلم مع أخيه في العمل كثيرا ويقرأ كتبه قبل طباعتها.
* متي كان يفرح الشاروني وما الذي يحزنه؟
** أكثر ما كان يحزن والدي أن يتألم أحد أولاده أو يفقد أحدا من أصدقائه, وهذا كان سببا في حزنه المتكرر في الفترة الأخيرة, فقد عاني فراق العديد من أصدقائه عن العالم, وكان يتحدث عن ذكرياته معهم باستمرار, أما عن سعادة والدي فأتذكر أن ابنتي وهي في مرحلة الحضانة أعطتها المعلمة كارتا تهنئها فيه أنها تلميذة متميزة ففرح والدي واحتفل بهذه المناسبة بعزومة كبيرة لنا علي العشاء خارج المنزل واشتري لها عروسة كبيرة وقدمها هدية لها وقال إنها هدية التفوق.
هذه الهدية علمت ابنتي أن تكون متفوقة طوال حياتها, فالاهتمام والفرح والحب عرفها طريق النجاح…قام والدي بتعليمها درسا عن النجاح بطريقة عملية وملموسة…من أكثر الأشياء التي كانت تفرحه أن يرانا سعداء ومتفوقين, أتذكر في عيد ميلاده الخامس والثمانين أهديت له مجموعة من الدراسات قمت بعمل كتاب اسمه سحر الحكايات في روايات الشاروني وهذه كانت من أكثر الهدايا التي أسعدت والدي جدا وقال إنها سبب سعادة كبيرة له وإنها هدية قيمة جاءت له.
*من أقرب صديق ليعقوب الشاروني؟
** الفنان أحمد عبدالنعيم كان رفيقه آخر 30 عاما, وكان يزوره باستمرار في المستشفي في أيامه الأخيرة, هو صحفي في جريدة الأهرام ورسام وفنان, رسم لوالدي أكثر من غلاف وكان آخرها أغلفة الكتب الأخيرة التي تم عرضها بمعرض الكتاب هذا العام, كما قدم له كتاب في محبة الشاروني فأرسل لكل أحباء الشاروني في العالم ليكتبوا له كلمة شكر أو محبة, وأشكر الله أن والدي قرأ هذه الكلمات قبل رحيله, الشاروني قرأ في حب الشاروني قبل رحيله.
* ما هي أمنيات يعقوب الشاروني التي لم تتحقق؟
** والدي كان دائما يشعر بالرضا ومهما تأخر أي حلم أو أمنية له يشكر الله عند حدوثها, وكان دائما يثق أن كل شيء له وقت وميعاد, ولم يغضب أو يحزن علي أي أمنية لم تتحقق له ويقول إن ما لا يأتي فهو ليس لنا.
* حدثينا عن صفة لا يعلمها أحد عن يعقوب الشاروني؟
** عندما يحزن لا يفصح عن مشاعره, ولا يعرفها لأحد فأنا لم أره حزينا ولا يوما غير يوم وفاة والدتي, فهو بكاها بشدة…فعلي الرغم من أن هناك الكثير من الأمور التي تحزنه لكن كان يكتم مشاعره ولا يفصح عنها لأنه يخاف علينا من أن نتأذي من حزننا عليه وعندما سألته لماذا لا تفصح عن حزنك لنا كان يرد أنه يخاف علي حزننا فوالدي كان عظيما.
* ما الدافع وراء حب الشاروني لكتابة أدب الأطفال؟
** والدي لم يكن لديه دافع للكتابة للأطفال,ولكن الأطفال هم من اختاروه …فمنذ زمن طويل وأنا في السادسة من عمري عندما حصل والدي علي جائزة الأدب من الرئيس عبدالناصر شعر أن الأدب هو حياته فقرر أن يترك عمله كمستشار ورئيس محكمة وانتقلنا إلي بني سويف, واتجه إلي وزارة الثقافة الجماهيرية وكان يقيم ندوات للكبار وكل جمعة يقدم ساعتين للأطفال يعرض خلالها مسرح عرائس وسينما أطفال أو الفانوس السحري لحكايات الأطفال, وكان عدد الأطفال في البداية 200 طفل ووصل بعد عدة أسابيع إلي 2000 طفل.
كل أطفال بني سويف كانوا حريصين علي حضور العرض في قصر الثقافة حيث كان والدي يقيم حوارا مع الأطفال ويشجعهم للصعود إلي المسرح ليتحدثوا عن أنفسهم ويصفق لهم الجماهير وكان الأولاد ينتظرون والدي في الشارع ويحرصون علي الحديث معه معبرين عن فرحتهم لما يقوم به من تشجيع, فشعر والدي أن الطفل يعبر عن مشاعره مباشرة, وكانت كثير من الأمهات تصطحب أولادها يوم الجمعة إلي قصر الثقافة لحضور العرض وفي إحدي المرات سأل والدي الأمهات لماذا تحضرن هذا العرض فأخبرته الأمهات أنهن حريصات علي الحضور لأن أبناءهن يذهبون إلي المدرسة طوال الأسبوع ولا يذكرون عنها شيئا ولكن عندما يحضرون مسرح العرائس ساعتين في الأسبوع يظلون باقي الأسبوع يتحدثون عما شاهدوا, فقد كان مؤثرا في حياة الأطفال.
شعر والدي أن الأطفال هم من اختاروه وهو استجاب لاختيارهم وعندما بدأ الكتابة للأطفال شعر بأهمية الرسالة وبدأ يشعر بأهمية القضايا التي تخص الأطفال والتي تحتاج إلي مناقشة فطرح كل القضايا التي تخص الأطفال وناقشها بطريقة جديدة ومختلفة فكان يضع الأطفال أساسا أمامه فهو يري أن من حقهم المعرفة والتعليم دون أن يخافوا من شيء.
* هل هناك كتب لم تنشر بعد؟
** وكانت وصية أبي قبل رحيله أن أستكمل باقي الكتب التي لم ينته من كتابتها وأنشرها, وبالفعل سأقوم بفعل هذا وأنشر هذه الكتب باسمه واسمي, فهناك حوالي ستة كتب لم ينته والدي من كتابتها ولكن قد تكون هناك أفكار أخري لم يبدأ في كتابتها.
*هل فكرت في جمع مقالات أستاذ يعقوب ونشرها في كتاب؟
** تجميع مقالات والدي من القضايا المهمة التي تشغلني, ولكن هذا التجميع لن يكفيه كتاب واحد, سوف نحتاج إلي موسوعة, والدي لديه أكثر من 20 ألف قصة وعشرة آلاف موضوع وقد بدأنا هذه الفكرة وقمنا بجمع القصص التي نشرت في الأهرام في موسوعة بعنوان ألف حكاية وحكاية في 10 مجلدات وسأحاول أن أستكمل هذا الموضوع وأتمم طباعته.
* ماذا كان شعور الشاروني عندما علم بتكريمه في معرض الكتاب الحالي؟
**عندما علمت بأن والدي هو رجل المعرض هذا العام طلبت من صديقه أحمد نعيم أن يخبره, فقام بطباعة دعوة المعرض وذهب لإخباره فابتسم وقال أخيرا قد فتحت الباب أمام أدباء الأطفال فهو فرح للآخرين وليس لنفسه كعادته دائما يفكر في الآخرين.
* حصل يعقوب الشاروني علي العديد من الجوائز ما..أيها الأقرب إلي قلبه؟
**أهم ثلاث جوائز حصل عليها والدي: جائزة بلوبانيا منذ 15 عاما عن كتابه أجمل الحكايات الشعبية وكانت جائزة قيمة, وتم تكريمه في إيطاليا والتقطت له صورة بجوار البانر الذي يحمل صورة الكتاب وهو واقف بجواره فقال إن أعمال الشخص هي الكبيرة وليس الشخص نفسه, الجائزة الثانية هي جائزة الدولة التقديرية رغم أن الكل كان يري أن هذه الجائزة قد تأخرت لكنه قال المهم أننا فتحنا الباب لأدباء آخرين.
والجائزة الثالثة هي جائزة الإيبي عن كتابه ليلة النار وهي تتحدث عن كيفية التغلب علي الفقر وإرشادات بأن الأطفال لهم دور كبير في المجتمع.. وتمت ترجمة هذه الرواية إلي 34 لغة علي مستوي العالم وهذه هي الجائزة الأقرب إلي قلبه.
* ما الرسالة الأخيرة التي كنت تودين أن تخبري والدك بها؟
** إنه سند عظيم ليس لي فقط ولكن سند لكتاب وشعراء الأطفال ولكل أصدقائه, فهو كان يساعد المظلومين ولا يسكت علي الظلم…فوالدي سند لم يبخل علي أحد بشيء من خبرته أو وقته, أود أن أقول له خبرتك سند, حبك سند, تعليمك سند, كل ما صنعت في حياتك سيظل لنا وللآخرين سندا سأكمل المشوار من بعدك.