(1) أشهي قطعة خبز
كتبت أحد كبار أصحاب الصحف في أمريكا, قائلا: كنت قد بلغت السادسة من عمري, عندما سألت والدتي عما إذا كانت سني تسمح لي أن أبيع الصحف مثل إخوتي الكبار, فوافقت وأسرعت إلي أقرب مكتب لتوزيع الصحف وفي يدي عشرة سنتات (حوالي عشرة مليمات) هي رأس مالي, واشتريت بها أول بضاعة. وما إن جاء وقت العشاء حتي كانت في جيبي خمسة سنتات ربحتها زيادة علي رأس مالي. وعدت بها إلي المنزل مختالا فخورا. واجتمع أفراد الأسرة حولي ونثرت السنتات الخمسة علي المائدة, وانتظرت أن أسمع الثناء والمديح. لكن إحدي أخواتي قهقهت في سخرية وقالت: من الظهر ولا تكسب سوي خمسة سنتات؟! فانكسرت نفسي, ولم يعد لخشخشة النقود ذلك الإيقاع الجميل. وفي صمت جمعت والدتي السنتات الخمسة ووضعتها في جيبها, ثم ذهبت إلي بقال قريب وعادت ومعها رغيف كبير, وقطعته قطعا وزعتها علي الجميع, ثم التفتت نحوي قائلة: إن سنتاتك قد اشترت لنا هذا الرغيف الكبير.. لقد ساهمت اليوم في تغذية الأسرة كلها. ولم ينطق أحد بكلمة, وعاد لي كبريائي بما فعلت أمي.. ولا أذكر أني مضغت في حياتي لقمة أشهي من تلك القطعة من الخبز!!
(2): اكتشافات جديدة
عاش أحد العلماء يدرس سلوك الأطفال, ويتأمل حماسهم وحيويتهم, ثم كتب يقول: إن الحياة تتطلب من الكبار أن يدور كل تفكيرهم وتصرفاتهم حول تحقيق غرض معين. فإذا لم نستمتع بما نعمله من أجل تحقيق تلك الأغراض, وإذا لم نتحمس لما نبذله من مجهود في الوسائل التي نصل بها إلي أهدافنا, نكون قد أضعنا شيئا ثمينا لا يقدر بثمن, وهو شيء لابد أن نعود ونتعلمه من الأطفال. إننا جميعا ندير ساعاتنا لنملأها ولا يثير ذلك اهتماما. أما الأطفال فيستخفهم الطرب وينبهرون إذا سمعوا طقطقة التروس وهي تدور. كما يستطيبون صوت الطباشير ونحن نكتب به علي السبورة, ويستمتعون بملمس الصابون الزلق في طست, إنهم يدهشون ويسعدون بآلاف الأشياء الصغيرة التي لا يلتفت إليها الكبار, وكلها تدخل السرور إلي نفوسهم عندما نتحدث. إن لكل عمل تفاصيله التي تتغير من يوم إلي يوم, وما علينا إلا أن نلاحظها ونستمتع بها, ونكتشف فيها الجديد والمثير والمسلي بل والمفيد كما يفعل الأطفال, وبذلك نجد فيما نفعله وفيما نكرر عمله كل يوم, اكتشافات جديدة رائعة, لم نكن نلحظها من قبل.
(3): الدعاء الذي أنقذه
ذات يوم, خرج صياد إلي الغابة يصطاد, فشاهد علي قمة شجرة خلية نحل يظهر منها قرص عسل شهي, فأسند بندقيته إلي جذع الشجرة وتسلقها, ليتذوق الشهد الذي عليها. ورآه نمر, فجاء وانتظر عند أسفل الشجرة, لكن الرجل الشجاع ظل يأكل العسل غير مهتم بالخطر الذي يتهدده, فقد كان هناك نهر يجري تحت فرع الشجرة الذي يقف عليه, فقال: إذا لم ينصرف النمر, ألقيت بنفسي في النهر, وابتعدت عن هنا سباحة. وانتهي الصياد من تناول العسل, لكن النمر كان لا يزال ينتظره, فقرر أن يقفز إلي الماء, لكنه فوجئ بتمساح هائل يظهر من وسط المياه, وقد فتح فكه علي اتساعهما كأنما ليمسك به حالما ينزل في الماء ولأول مرة أحس الصياد بالخوف وقال: لقد وقعت في ورطة حقيقية, والأفضل أن أبقي في مكاني فوق الشجرة. لكنه شعر فجأة بجذع الشجرة يهتز من تحته ويتمايل, واكتشف أن الشجرة تميل بعد أن نخر السوس جذعها, وتسبب ثقله عندما تسلقها في اختلال توازنها, فبدأت تسقط. وأصابه فزع شديد, فصاح لأول مرة قائلا: يارب! قال الصياد: ما إن خرج من فمي هذا النداء الذي نسيت أن أقوله منذ البداية, حتي وجدت التمساح ينتبه إلي وجود النمر, الذي كان قد انشغل بمراقبة الشجرة الساقطة, فتسلل إلي الشاطئ, وأمسك بالنمر وجذبه بسرعة إلي قاع النهر. وسقطت الشجرة في الماء, فلم يصبني أي أذي, وانطلقت أبحث عن بندقيتي وأنا أردد: أشكرك يارب… أشكرك يارب!!
يعقوب الشاروني
Email: [email protected]