ما أجمل أن نبدأ العام الجديد ببركة الله التي سلمها لموسي النبي: يباركك الرب ويحفظك, يضئ الرب بوجهه عليك ويرحمك, يرفع الرب وجهه نحوك ويمنحك السلام سفر العدد 6:22-27. لقد مرت الساعات والأيام والشهور من بين أيدينا كسرعة البرق, ورحل عام مشحون بالإيجابيات والسلبيات, ونبدأ عاما آخر مجهولا لنا, ومع كل هذا يجب علي كل شخص منا أن يفحص ذاته, كيف قضي العام الذي مضي سريعا, لقد اشتهرت بلاد الصين بزراعة الأرز والاعتماد عليه تماما, لأنه المادة الغذائية الأولي لدي الشعب الصيني, كالخبز بالنسبة لنا, لذلك عندما يريد أي شخص أن يستفسر عن صحة صديق له, لا يسأله: كيف حالك؟, بل يقول له:هل أكلت أرزك؟ وذات يوم سأل أحد الأجانب شابا صينيا: لماذا خلقنا الله؟ أجاب: حتي نأكل الأرز!, للأسف هذا هو حال الكثيرين في العصر الذي نعيشه, ليس لهم هدف في الحياة سوي الأكل والشراب والملبس, حتي إنهم يكرسون كل جهدهم وطاقتهم ويحصرون همهم في توفير هذه الاحتياجات والحصول عليها بشتي الطرق, ولم يخطر علي بالهم أن غاية وجودهم هي السعي دائما لمعرفة الله ومحبته وخدمته بعمل الخير نحو الغير, ولن نستطيع تحقيق ذلك, إلا إذا وضعنا نصب أعيننا كل يوم كيف أن الحياة تمر بسرعة لا نتخيلها, والأيام والسنون تهرب من بين أيدينا, ومن ثم يجب أن نستوعب جيدا أن كل لحظة في حياتنا هي فرصة جديدة من المستحيل تعويضها أو إيقافها, لذلك يجب علينا أن نستغلها من أجل الصالح والبنيان, ولا نترك الزمن يهرب دون أن نقدم فيه أفضل ما عندنا حتي لا نندم علي ضياعه, فهل قمنا بعمل إشاعة أو فحص شامل للعام الذي مضي, حتي نكتشف الخلل والمرض الذي يجب علاجهما في العام الجديد؟ نحن نثق في كلام الأطباء عندما ينصحوننا بأن نقوم بفحص شامل ودوري علي صحتنا بالإشاعات والتحاليل الطبية المختلفة, وخاصة عندما يتقدم بنا العمر حتي نتجنب الأمراض المستعصية, ياليتنا نفعل نفس الشيء في حياتنا الروحية والاجتماعية والإنسانية كلها, ونقوم بوقفة مع الذات فيها نسأل أنفسنا: هل كانت محبتنا هذا العام دون مصلحة أو منفعة؟ هل سعينا في تجنب بعض السلبيات التي نقع فيها أو تخلصنا من العيوب والرذائل مستبدلين إياها بميزات وفضائل؟ هل نضجنا في طريقة صلاتنا وأصبحت مفهومة ولم تعد مجرد ترديد كلام أو فرض علينا؟ هل قمنا بالواجب المطلوب منا في المحيط الأسري والعمل ونحو المجتمع؟ هل وضعنا أمام أعيننا لافتة تذكرنا بأن العمر يمضي سريعا ويصحبنا إلي لحظة النهاية؟ لذلك يجب علينا أن ننظر إلي الأمام بعد فحصنا للعام الماضي, ونتجه نحو المستقبل باستثمار كل يوم منحنا إياه الله. إذا مع بداية العام الجديد نأخذ ورقة من التقويم اليومي واثقين بأنها تحمل لنا رجاء وأملا من الله أولا, ثم من كل شخص منا عندما يثق في إرادة الله نحوه, لأنه يرسل لنا مع كل يوم جديد علامة مضيئة, لأن كل ورقة منها لا تحمل رقما فقط, بل خبرا سارا يقول لنا: الله موجود في حياتكم وعنده رجاء فيكم, لذلك ينتظر منكم عملا مميزا وفعلا حسنا وقولا هادفا من أجل البنيان, فالله ينتظر منكم أشياء وأعمالا مختلفة عما قبل, كما يجب أن نضع في الاعتبار أن هذا الأمل ينتظره كل شخص نتقابل معه كل يوم, لأن رسالة الإنسان في هذه الحياة ليست عملا فرديا أنانيا دون أن يفكر في مصلحة الآخرين, ولكن لخدمة البشرية جمعاء, فبالرغم من أن الإنسان استطاع أن يغزو الفضاء ويسيطر عليه لأنه هبة من الله له, إلا أنه لم ولن يستطيع أن يسيطر علي الزمن والوقت إطلاقا, ومهما ابتكر أحدث الاختراعات, لن يستطيع أن يخترع آلة تعيد الزمن الذي فقد أو رحل, أو أن يسترد يوما انقضي, لأن الزمن خارج استطاعته, لذلك يجب أن نعي جيدا بأن الوقت هو عطية من الله الخالق للإنسان, ويمر بين أيدينا ولا نستطيع الإمساك به, وإذا حاولنا أن نوقفه سيفلت منا, كل هذا يجعلنا نقدر قيمة الزمن ونتحلي بفضيلة التواضع التي تعرفنا قدر ذواتنا, فكل فجر يمر علينا بأنواره هو نعمة وهبة من الله لاستغلاله في كل ما هو صالح وخير ومفيد, إذا فالزمن هو ميلاد جديد لعزيمتنا, ومغامرة فريدة تمنحنا خبرة جديدة وفرصة نادرة لنضجنا.
ونختم بالمثل الإيطالي: من أحسن البداية, بلغ منتصف الطريق.