أنت لست صدفة، نعم عزيزي القارئ، هذه حقيقة راسخة وثابتة، لقد كنت في فكر الله حتى قبل تأسيس العالم، وقد قام بمنحك الحياة، وأمدك بكل أسباب البقاء، وصنعك بإبداع عظيم في الخلق لأجل أهدافه السامية، التي تمتد تأثيرها إلى ما بعد تلك السنوات القليلة التي تقضيها وتحياها على الأرض. وإدراكك لخطة الله المميزة والمدهشة لك يعطي للحياة معنى ومغزى مختلفين، ويمنحك القوة اللازمة – بالرغم من الأنين والألم – لإتمام هذه الأهداف، ومن ثم اختبار لجودة الحياة وروعتها. يقول الروائيّ الروسيّ أندريه بيرتوف الذي نشأ في بيئة ملحدة: “بدون الله لا معنى للحياة”. لقد توصّل إلى هذه النتيجة وهو في قمّة شعوره بالفراغ. ومنذ أدرك أن لا قيمة للحياة دون الله تغيّر نمط حياته كلّيًّا.
نحن صُنعنا ليكون لنا معنى. وبدون الله لا هدف للحياة، وبدون هدف لا معنى للحياة. فالمأساة الحقيقيّة ليست الموت، بل الحياة دون هدف نتوخّاه برجاء كبير. فالرجاء ضروريّ للحياة كما الماء والهواء.
لذا فالحياة ذات المعنى يجب أن تبدأ بإدراك المرء رسالته من الوجود، ويعرف من أين ينطلق، فنحن لم نخلق أنفسنا ولذلك نحن لا نعلم هدف خلقنا إن انطلقنا من “أنفسنا”. ولكي نعرف الجواب الصحيح ينبغي أن نبدأ مع “الله”. فأيّ اختراع تريد معرفة الهدف منه عليك أن تسأل صانعه أو تطّلع على الكتيّب الذي يعلّمك طريقة الاستعمال. وهكذا نحن، علينا أن نسأل الله عن هدف حياتنا حتّى نستطيع تحقيق هذا الهدف.
إذا تأملنا جيدًا في قصة الخلق، نرى أن الله خلق الإنسان متميز وفريد، فهو يحمل صورته (التي تتكون من صفات عقلية وأخلاقية واجتماعية وروحية) التي تمكننا من معرفة الله، وعلاقتنا الفريدة معه هي التي تمنحنا القدرة على فهم دورنا ورسالتنا في هذه الحياة، ومن ثم استخدام السلطة الممنوحة لنا بكفاءة وبجودة وفاعلية، حيث أننا قادرون على التفكير والاختيار، والاختراع والاكتشاف والمحبة وممارسة المسئولية بالتزام وطاعة.
ومن هنا انطلق إلى نقطة هامة يعاني منها الكثير من البشر، فليس من الصعب على أحد أن يضع العديد من الأهداف والأحلام التي يأمل في تحقيقها ليتمم دعوته ورسالته هنا في الحياة، ولكن الصعب – بكل تأكيد – العمل على تحقيق أو النجاح في هذه الأهداف. فمن البشر من يضيعون ربيعهم في التمنّي حتى يباغتهم خريفهم حين لا يستطيعون حتى التمنّي. يقول المثل الإيرلندي: “لن تحرث حقلًا إن اكتفيت بتقليبه في خيالك”. شكّل حياتك بالحلم، ولكن لا تضيعها حالمًا.
لذا فوضع الأهداف والعمل على تحقيقها يحتاج الكثير من التدريب وبذل الجهد المنظم والواعي – وبكل تأكيد كما أكدنا الاتكال الدائم على الله – حتى نتفادى اليأس والإحباط من عدم الوصول إلى شيء ملموس. فعلينا أن نحرص على أن يكون لنا هدف واضح لكل يوم. يقول الكاتب الأمريكي المتخصص في مجال تطوير الذات برايان تريسي Brain Tracy: “فكّر في أهدافك كلَّما أُتيحت لك الفرصة لذلك خلال اليوم، واسْعَ ألاَّ يبدأ يومك إلاَّ وقد حددته وعرفته، ولا تستسلم حتى تحققه، واستمر هكذا في اليوم التالي، فإذا استمررت على هذا المنوال، أصبحت عملية وضع الأهداف والعمل على تحقيقها عادة من عاداتك، ثم سلوكًا منتظمًا تتميز به شخصيتك ولا تستطيع أن تتخلى عنه، وعندها ستلاحظ لوحة النتائج وهي تسجل تقدمًا ملحوظًا يومًا تلو الآخر”.
أن الهدف الذكي هو ما نؤمن بأهميته، ونعمل لأجله بحماس وشغف، ونثق بأننا نستطيع تحقيقه، ونبحث عن كل الوسائل التي تساعدنا خلال رحلة العمل، ونعرف الخطوات اللازمة للوصول إليه. ويجب أن تكون الأهداف موضوعية ومنطقية، وترتبط بتحقيق إنجاز يُحسّن من جودة حياتنا، كما يتطلب طاقة مناسبة لقدراتنا، وما يتوفر لنا من وقت ومصادر ومهارات. فمهما كانت إرادتنا عالية ورغباتنا صادقة وإخلاصنا شديدًا وحماسنا كبيرًا، فلن نبدأ ما لم تكن قدراتنا تتناسب مع أهدافنا.
الهدف الذكي هو هدف ذات معايير محددة يمكن تذكُّرها باستخدام الاختصار (S.M.A.R.T). وأول من استخدم هذا المصطلح هو الأب الروحي للإدارة الحديثة الكاتب الاقتصادي الأمريكي من أصل نمساوي “بيتر فيردناند دراكر Peter F. Drucker” وهو صاحب مفهوم “القيادة من خلال الغايات Management by Objectives”.
أن الهدف الذكي محدد الوصف يركز على مجال محدد، مكتوب بوضوح، ويمكن فهمه بسهولة، بالإضافة إلى أنه يُخبرك بما تريد تحقيقه. وقابل للقياس الكمي (عدد – وقت – أشخاص – خطوات محددة …). ويجب أن نتابع باستمرار الإنجاز المحقق من خلال لوحة رسم بياني نضع عليها النتائج المحققة فعليًا. فالصورة المرئية تخلق فينا الشعور بالحماس والإثارة عند الاقتراب من تحقيق الهدف المرجو. وقابل للتحقيق في ضوء ما نملكه من قدرات ومهارات، ومدى سعينا لتطوير أنفسنا وارتقاءنا المستمر لتنمية ما لدينا، والعمل على تدبير الموارد والإمكانات اللازمة لتحقيق الهدف، والتغلُّب على المعوقات المحتملة. وأيضًا هو هدف واقعي محدد المدة من البداية إلى النهاية. وضوح تاريخ تحقيق الهدف النهائي يساعد على منع المعطلات والمشتتات اليومية من إعاقة أولوية تحقيق الهدف.
أن الأهداف الذكية تعد أداة فعالَّة توفر التركيز والتحفيز والشغف وتٌطلق الإبداع الفردي والجماعي الذي نحتاج إليه لتحقيق أهدافنا، كما أنها وسيلة عملية سهلة الاستخدام من قبل أي شخص، أو مؤسسة، للأهداف القصيرة أو طويلة الأجل. يقول تشارلز نوبل: “الأهداف طويلة الأجل تحفظك من الإحباطات قصيرة الأجل”.
وفي النهاية أود أن أؤكد على حقيقة هامة، وهي أننا نفتقد -عادة عندما نضع لأنفسنا أهدافًا – الوعي بأهمية كل هدف، وما يحتاجه من وقت وصبر ومثابرة، ووسائل ومهارات، وحجم قدراتنا الفعلية على تحقيقه، ومقدار ما وضعناه من رصيد في حساب نزاهتنا الشخصية Our Personal Integrity Account. رصيد حقيقي من مبادئ وقيم نابعة من إدراكنا الواعي برسالتنا ودعوتنا المستمدة من الله الخالق، وفي نفس الوقت تسخير كل علم وتجربة وصدق والتزام، وما بنيناه في قوة شخصيتنا وإرادتنا وثقتنا بأنفسنا، وما أعددنا أنفسنا لإنجازه.
شخابيطنا الفكرية مازالت مستمرة ولم تنتهي، ومع مرور الأيام تتشابك الخيوط معًا، بحلوها ومرها، بسوادها وبياضها، لتصنع نسيجًا حياتيًا متماسكًا ومنسجمًا ذات مغزى ومعنى.