المثل العامي الشهير يقول: “يا فاحت البير ومغطيه لا بد من وقوعك فيه”. وهذا المثل معروف في مصر بصيغته العربية: “من حفر حفرة لأخيه وقع فيها” والمقصود بالمثل أن أولئك الذين يدبِّرون المكائد للآخرين لا بد وأن يأتي اليوم، آجلاً أو عاجلاً، ويقعون في نفس الفخ الذي نصبوه لغيرهم.
قرأت مؤخرًا القصة والمناسبة التي قيل فيها هذا المثل العربي، حيث كان هناك أخان أحدهما تاجر كبير، ثري ومرموق، والآخر أعمى فقير الحال، وكان الأخ الغني قد اعتاد أن يجلس بالقرب من باب دكانه يتسامر مع مجموعة من أصدقاءه التجار، وكان أخاها الفقير الأعمى يمر من أمامهم كل يوم بثيابه الرثة وحالته المزرية، يضرب الأرض بعصاه، وعندما يلتفت التجار والناس يخجل أخاه الثري منه ومن حاله، وقرر أن يتخلص منه في ذات يوم، فاستدعى من يعملون عنده وطلب منهم أن يقوموا بحفر حفرة كبيرة عندما يسدل الليل ستاره، وعندما يمر الأعمى من باب الدكان يقع في الحفرة، ثم يأتي العمال ويلقون عليه التراب ويدفنوه. قام العمال بحفر الحفرة وطبعًا غطوها بأوراق شجر، ولما آتى الليل تذكر الرجل الغني موعد مهم جدًا مع تاجر كان لزامًا عليه أن يقابله فخرج من منزله ومر من أمام الدكان ناسيًا أمر الحفرة، فوقع فيها، ولم يميزه العمال في الظلام، وظنوا أنه الأخ الأعمى فسارعوا وطمروا الحفرة بالتراب وفي الصباح لم يأتي الرجل الغني لفتح الدكان، ووقف العمال في بابها ينتظرونه، وإذا بالرجل الأعمى يأتي من بعيد يضرب الأرض بعصاه، دهش الرجال العمال ونظروا في وجوه بعضهم البعض، وقال أحدهم : “حفر حفرة لأخاه فوقع فيها”، ويقال أن هذه الجملة أصبحت مثلًا عربيًا يدل على أن الغدر والخيانة، والانتقام تلقي شرورها على صاحبها.
ومازلنا نتذكر المكيدة التي أعدَّها الوزراء الحانقون على دانيال الشاب المخلص الملتزم الأمين للتخلص منه (دانيال٦). فدبَّروا وخطَّطوا، وبحثوا نقاط الضعف والقوة، وخرجوا بخطتهم الخبيثة. ورغم أن المشهد بدا كما لو كانوا قد نجحوا، فأُلقي دانيال في الجب، إلا أنه لم يُصَب بضررٍ، لأن الله حفظه لتقواه. وما إلا قليل حتى دارت الدائرة عليهم وأُلقي الحاقدون في نفس الحفرة التي اقترحوها والتهمتهم الأسود على التوِّ فما عاد لهم أثرٌ.
التعليم الإلهي يحذرنا أن لا نخطط للإيذاء الناس أو الوشاية بهم، وفي ذات الوقت يؤكد الحقيقية الثابتة أن الذين يدبرون الخطط والمكائد للإيقاع والإساءة إلى الآخرين، سيأتي اليوم ويرتد عليهم وتنقلب الخطط وتصيبهم. فالرب هو الديان العادل الساهر على حفظ أولاده وحمايتهم، هو الضامن لحقهم مهما حاول الأشرار من إيذاءهم أو الإيقاع بهم.
ولابد – مهما طال الزمن – وبحسب حكمته العظيمة من أنه يوقع القضاء والحكم العادل يومًا على رجل المكايد. اسمع اللي كتبه الحكيم كاتب سفر الجامعة «إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي (المدير) عَالِيًا (الوزير) يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا (أي الله)» (جامعة٥: ٨)، وهذا الأعلى هو صاحب القرار النهائي بعد كل عمل شر الإنسان.
وعلى الباغي تدور الدوائر، والحياة دول بين الناس، والذين حاكوا المؤامرات، ودبروا المكايد، وأشاعوا المذمة، وأساءوا سمعة أخوتهم، وكونوا الجبهات أصبحوا نسيًا منسيًا، ومن كانوا يعملون ويخدمون الناس بصمت وتواضع ومحبة حقيقية مضحية، كرمهم الله حتى لو فارقوا الدنيا، وهم أحياء وعند ربهم يرزقون.
يقول الحكيم سليمان عن الأشرار إنهم «يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ، وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ» (أمثال١: ٣١)، فالقانون ثابت أن ما يزرعه الإنسان لا بد وأن يحصده أيضًا (غلاطية٦: ٧). كذلك يقول الحكيم «أَمَّا رَجُلُ الْمَكَايِدِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ (من الرب). لاَ يُثَبَّتُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ» (أمثال١٢: ٢-٣). لذا ليتنا نتعلم ألا نكون من هذه الفئة «ذُو الْمَكَايِدِ يُشْنَأُ (يكون مكروهًا)» (أمثال١٤: ١٧). وإن كانت المكايد تُحاك حولنا، أو لنا، فليتنا نستمع القول: «انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ» (مزمور٣٧: ٧). وقريبًا سيأتي ذاك الذي سيرسي العدل في الأرض.
الحق الإلهي يملأنا ثقة في سلطان الله وسيادته على كل مجريات أمور حياتنا. لا تخافوا ولا ترتاعوا لو حفر الآخرون حفرة لكي يسقطوكم فيها، الله بأمانته وصلاحه قادر أن يُسقط أعدائكم في نفس الحفرة التي حُفرت. وهذا ما آكده الحكيم سليمان منذ آلاف السنين عن اختبار حقيقي “مَنْ يَحْفِرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا، وَمَنْ يُدَحْرِجُ حَجَرًا يَرْجعُ عَلَيْهِ” (أمثال26: 27).
عزيزي القارئ، لا تبذل جهدًا مع أشخاص لا يستحقون الإهتمام، الذين يعيشون فقط لبث سمومهم وشرورهم على من حولهم، ابتعد عنهم فورًا لحماية نفسك وفكرك وسلامك “فالمعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة”. ربما تجدهم قد نالوا بمكيدتهم ما يرغبون فيه، فقد تفكر أن تسلك سلوكهم وتتبنى عقيدتهم الهدامة، أو على النقيض قد يصيبك الإحباط وتسيطر عليك أفكار سلبية عن نفسك وعن أمانتك، عليك فقط بالثقة في النفس والاستمرار في مسيرة حياتك على خطى المبادئ والقيم الأصيلة، والدعاء والصلاة لهم أن يبتعدوا عن ما هم عليه لأن العاقبة تكون وخيمة دائمًا حتى لو كان هناك انتصارًا وقتيًا.
يقول البعض أنهم يريدون أن ينعزلوا عن كل شيء، ويريدون أن يبتعدوا عن أي أوضاع أو مواقف محزنة أو مخيبة، أو الابتعاد عن الناس المؤذية. والبعض الآخر يبغي الهروب من الهموم ونسيان الوجع وكل الأحداث السيئة التي مروا بها. وهناك من يرغب في الولادة من جديد بذاكرة جديدة لا يوجد بها مكان لذكريات الغدر والخيانة والإساءة. هؤلاء يحلمون بالمدينة الفاضلة، ولهم الحق في أحلامهم. أن السعادة الحقيقية لا تُبنى على الهروب من الواقع بكل ما فيه، ولكن مرتبطة بمواجهة الواقع المعاش والقدرة على التعامل مع المواقف الحياتية بصلابة ومتانة نفسية تقبل الأوضاع الخاطئة وفي نفس الوقت تسعى للحياة الأفضل وفقًا لنسق أخلاقي وقيمي متكامل ومتسق.
أخيرًا، لابد أن تمارس بإيمان ويقين الشكر للرب على حمايته وإنقاذه لك من الكثير من الحفر والمكائد والمؤمرات والتدابير التي أعدها لك أعداء الحياة أو كارهينك حتى لو لم تراها أو تعلم بها. لا تتخيل حكمة الله في حمايته لك ولنفسك أو لأسرتك أو لعملك أو لبلدك، ولا يمكن بأي حال أن تتخيل كم الشر والوجع الذي كان يدبره لك الحاقدين والغيورين، وبكلمة من صاحب السيادة والسلطان وقفت وفشلت وتم إبطال كل المؤمرات الشريرة. أنت محمي، محفوظ، متبارك. فوق ما تتخيّل.